الشعائر الحسينية: نشأتها.. المراحل التي مرت بها
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » الشعائر الحسينية: نشأتها.. المراحل التي مرت بها

 البحث  الرقم: 20  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 13357
قائمة المحتويات

الشعائر الحسينية: نشأتها.. المراحل التي مرت بها

ثورة الحسين المبادئ والاهداف
منذ أن سقط دم الامام الحسين (ع) واهل بيته واصحابه وهم يرفعون راية الرفض بوجه الظالمين أصبحت كربلاء قبلة للثوار وعاشوراء مشعلاً ينير درب الثائرين. ومنذ ذلك اليوم انطلقت الشعائر الولائية التي مثلت انعكاساً لهذا الرفض وامتداداً لتلك الثورة وبقيت دفقات الولاء التي تطلقها هذه الشعائر هي التي تعطي للثورة روح التواصل بينها وبين الاجيال وتصور المفاهيم التي ثار من اجلها الامام الحسين (ع) وصارت الجماهير على امتداد التاريخ تزحف يوم عاشوراء الى كربلاء لتجدد البيعة للامام الحسين (ع) لانها وجدت فيه أباً للاحرار ورمزاً للثوار لقد ترسخت ثورة الامام الحسين (ع) في قلوب وعقول الجماهير جيلاً بعد جيل وبقيت كلماته مثالاً لأسمى آيات الكرامة والاباء... (ألا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون, وجدود طابت وحجور طهرت, وأنوف حمية, ونفوس أبية, ابت ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
فكانت هذه الكلمات ولا زالت وستبقى الخطر الاكبر الذي يرعب الطواغيت في كل العصور ويقض مضاجعهم لأن منبع هذه الكلمات وأساسها هو تجسيد كرامة الانسان في الارض واقامة العدل والانتصاف من الطغاة والمتجبرين وارساء مبادئ الدين الاسلامي الحنيف وقد أوضح الامام الحسين (ع) أهداف ثورته المباركة عندما قال (اني لم أخراج اشرا ولا بطراً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) اريد ان أمر بالمعروف وانهي عن المنكر) فجاءت ثورته (ع) مصداقاً لقول رسول الله (ص) (أفضل الجهاد كلمة حق بوجه سلطان الجائر).
وكان من الطبيعي أن تحارب تلك الثورة التي تهدد الطغاة والمتسلطين فسعوا جاهدين لطمس كل أثر يمت بصلة لها وفي كل محاولة كان ذلك الصوت الهادر يزداد رسوخاً في قلوب الجماهير ويهدد عروش الطغاة (هيهات منا الذلة) ليجسد الآية القرآنية (يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون) وليجسد الحديث النبوي الشريف (ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) نعم لقد أبى الله لهذا الصوت إلا علوا كما قالت الحوراء زينب (ع) (لا يدرس اثره, ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والايام, وليجهدن أئمة الكفر واشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد اثره إلا علواً).
فلسفة الثورة
لقد كانت فلسفة الامام الحسين (ع) في ثورته هي الشهادة في سبيل المبدأ والعقيدة وهي في نفس الوقت جاءت لتعيد للانسان المقهور كرامته المهدورة وبذلك فقد احتلت الذروة في ذاكرة التاريخ وعقول الاجيال واصبحت مثالاً للتضحية والفداء لمصداقيتها وشرعيتها يقول عباس محمود العقاد في كتابه ابو الشهداء ص229 (مثل -أي الحسين (ع) - في حلة من النور تخشع لها الابصار وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الانسان وحسبه انه وحده في تاريخ الدنيا الشهيد ابن الشهيد في مئات السينين) ان خروج الحسين (ع) داعياً بحقيقة هدفه بعد أن نكص اغلب المسلمين خوفاً يسجل أول تحد للطغاة وأول نموذج ثوري في تاريخ المسلمين فتحول مقتله الى شهادة وشهادته الى شعلة غرست وجداً مستمراً من النضال والتضحية في سبيل المبدأ وكونت غضباً ثورياً لا يخمد أواره تجلى في ثورات التي تعاقبت بعد ثورة الحسين (ع) والشعائر التي انبثقت منها وتطورت بموجبها واستمدت منها مقوماتها واستمراريتها وقد اكتسبت تلك الشعائر ديمومتها من حديث النبي الاكرم (ص) (ان لقتل الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً)
الشعائر الحسينية اطلالة تاريخية
تقول المصادر التاريخية ان أول من أقام مأتماً على الامام الحسين (ع) هو جده رسول الله (ص) وقد أحصى العلامة النائيني في كتابه (سيرتنا وسنتنا) عشرين مأتماً أقامها النبي (ص) على سيد الشهداء ابي عبد الله (ع) وقد وثق كل مأتم بأسانيد عديدة من كتب الصحاح والاحاديث لأهل السنة باسطاً البحث عن صحة اسانيدها من كتب الجرح والتعديل لديهم منها ستة مآتم في دار أم سلمة وثلاثة مأتم في دار عائشة ومأتم في دار زينب بنت جحش ومأتمين في حشد من الصحابة ومأتم في داره (ص) ومأتم في دار أمير المؤمنين (ع).
اذن فقد كان رسول الله هو اول من بكى على سبطه الإمام الحسين (ع) وحض على ذلك وكذلك الأئمة الهداة (ع) ابتداءً بأميرالمؤمنين. (ع) وحتى الامام المهدي (ع)، ولهم (ع) احاديث كثيرة في فضل زيارة الحسين (ع) والبكاء عليه والدعاء لزواره والحض على اقامة المآتم من خلال وصاياهم (ع) لاصحابهم ولا يمكن ذكرها هنا لكثرتها فمن أراد فليراجع المصادر في ذلك أما أصداء ثورة الحسين (ع) واقامة الشعائر الحسينية من قبل الجماهير فان المصادر التاريخية تفيد بأن التوابين الذين قاموا بأول حركة ثورية ضد الحكم الاموي بعد ثورة الحسين (ع) كان شعارهم (يالثارات الحسين) فأصبح هذا الشعار هتاف جماهيري تطلقه آلاف الحناجر بوجه السلطة الاموية واخذ يكبر يوماً بعد يوم فشكل أول نواة لإطلاق هذه الشعائر ولم تنفع اساليب القمع التي استخدمتها الامويون لابادة هذه الثورة في اسكات هذا الشعار الذي صار شعاراً للعديد من الثورات التي تلت ثورة التوابين وكان المختارين ابي عبيدة الثقفي قائد ثورة التوابين يعقد المآتم في داره بالكوفة على الامام الحسيين (ع) فيقام الندب وتتحرك المشاعر التي تتحول الى غضب يدفعهم ويحضهم على الاخذ بثار الحسين (ع) من قاتليه وكان الشيعة الاوائل يجتمعون حول قبر الحسين (ع) ويظهرون الاسى والندم ويقدمون العزاء والسلوى لاهل البيت (ع).
فكانت هذه المراسيم هي شرارة الثورات والانتفاضات ضد الظلم والانحراف وقد استمدت منها قوتها وحيويتها وتوالت المجالس الحسينية فكان الشيعة في تلك السنوات يجتمعون في شهر محرم من كل عام في بيت من بيوت الأئمة (ع) من اهل البيت أو في بيت واحد من انصارهم للبكاء على الحسين (ع) واستذكار يومه الدامي حيث ينشد احد الشعراء قصيدة في رثاء الحسين (ع) وتقديم عزاء لاهل البيت (ع) ثم اخذت هذه المجالس بالاتساع ففي القرن السابع للهجرة دخلت قراءة (مقتل الحسين (ع)) لابن نما الحلي ثم السيد ابن طاووس ضمن منهاج المجالس وهذان المقتلان هما من أوائل المقاتل التي تتحدث تفصيلياً عن المآسي الدامية لواقعة كربلاء وكان القراء يقرؤون المقتل بصوت شجي يستدر دموع المستمعين.
أما الشعر فتشير الروايات الى أن أول من رثى الحسين من الشعراء سليمان بن قته العدوي ثم توالت مسيرة القرائح الباكية المبكية على سيد الشهداء بشر بن حذلم, عبد الله بن الحر, السيد اسماعيل الحميري, الكميت بن زيد الاسدي, الامام الشافعي, دعبل الخزاعي, ديك الجن, وابو فراس الحمداني, الشريف المرتضى, أبو علاء المعري, الشريف الرضي, واسماء كثيرة لا يمكن حصرها من أعلام الشعر العربي سكبت قصائدها دموعاً على سيد الشهداء (ع) لقد مرت المجالس الحسينية بأدوار شتى على امتداد تاريخها وتعرضت لظروف قاسية نتيجة السياسات المتعاقبة فكانت السلطات الاموية تمارس أقسى اساليب القمع والاضطهاد ضد مقيمي هذه المجالس مما اضطر الشيعة لاقامتها خفية خوفاً من القتل أو الاعتقال وعندما قام العباسيون كانوا قد روجوا لدعوتهم على اساس الأخذ بالثار للامام الحسين (ع) من بني أمية وكانت دعوتهم للرضا من آل محمد (ص) فاستغلوا نقمة المسلمين وسخطهم على الامويين نتيجة التنكيل والاضطهاد الذي لا قوه منهم وما ان اعتلوا العروش حتى نكصوا على اعقابهم لانهم وجدوا ان ثورة الحسين (ع) لم تكن ضد الامويين فحسب وانما كانت ضد كل الظالمين في كل العصور فاصبح اسم الحسين (ع) يقض مضاجعهم ويهدد مصالحهم بصورة مباشرة وبنفس الاسلوب الذي هدد به مصالح بني امية فعمدوا الى محاربة هذا الاسم ومداهمة اي بيت أو مجلس يذكر فيه هذا الاسم والتنكيل بمن فيه فمرت هذه الشعائر باقسى من الظروف السابقة وكانت حقبة المتوكل العباسي اقسى فترة مرت بها الشعائر الحسينية حيث أمر بهدم قبر الحسين (ع) وقطع ايدي زواره وارجلهم ورؤوسهم.
واذا كان الشيعة في تلك العصور لم يستطيعوا ان يعبروا عن حزنهم العميق بمأساة كربلاء تعبيراً كاملاً فان الظروف اختلفت عليهم ومال ميزان القوى لصالحهم فيما بعد فقد اهلك الله تلك الحكومات واستطاع الشيعة لأول مرة من اقامة العزاء الحسيني بشكل كامل وعلني في بغداد حيث خرج الناس الى الشوارع واغلقت الاسواق ونصبت المآتم ونظمت المواكب ولبس السواد ووضعت الجرار لسقي ماء ثم سار الناس حفاة الاقدام حاسري الرؤوس الى كربلاء لزيارة القبر الامام الحسين (ع) وكذلك فعل اهالي كربلاء حتى التقوا قبر عند سيد الشهداء (ع) فأقاموا مواكب العزاء بشكل كامل وعلني وكان ذلك في يوم عاشوراء من عام 353هـ 963م في ايام معز الدولة البويهي الذي كان اول من جعل مراسيم العزاء الحسيني عادة تتبع سنوياً في بغداد وكانت هذه الفترة من اهم الفترات في تاريخ نشوء وتطور الشعائر الحسينية لانها اقيمت لأول مرة بشكل علني فقد اصبح الطريق معبداً امام الشيعة لاعلان شعائرهم بدون رقيب حيث كانت تمارس قبل ذلك بشكل سري ومحدود -كما ذكرنا-.
وما ان جاء السلاجقة حتى اعلنوا الحرب على هذه الشعائر وصار الشيعة يتخذون احتياطاتهم لاقامة العزاء الحسيني غير ان الوضع تغير عند مجيء الصفويين الى السلطة اذ اعطوا للشيعة مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم ولكن ما ان جاء العثمانيون واستلموا مقاليد الحكم حتى اصدروا أوامرهم بمنع اقامة العزاء الحسيني فاضطر الشيعة الى اقامة مجال العزاء في البيوت بصورة سرية بالرغم من المنع الذي فرضته السلطات العثمانية والعقاب الشديد الذي يواجهونه جراء اقامتهم لهذا العزاء.
وحينما غزا الوهابيون مدينة كربلاء ذلك الغزو البربري الوحشي عام 1802م واستباحوها قتلا ونهباً وتدميراً واحرقوا المرقد المقدس بعد ان سرقوا كل ما فيه من كنوز ونفائس وقتلوا كل من وجدوه فيه حتى وصل عدد القتلى الى اكثر من خمسمائة شخص كانت صدور الشيعة موغرة جراء المظالم التي يتعرضون لها والتكتم الشديد على اقامة شعائرهم فزاد ذلك الحادث الاليم الذي اعاد مأساة كربلاء عليهم مرة ثانية من حزنهم وغضبهم وتمسكهم بالشعائر الحسينية فافرغوا فيها ما اعتمل في صدورهم من غضب في خطبهم وقصائدهم ومراثيهم التي امتزجت بشعائر العزاء الحسيني فألهبت حماس الاهالي في الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم وما ان أعاد الوهابيون الكرة عام 1807م حتى تصدى لها اهالي كربلاء وطردوهم بعد ان تحصنوا تحصيناً منيعاً ردوا بها الهجمات الوهابيين واستبسلوا في الدفاع عن ارضهم المقدسة.
كان الوالي العثماني على العراق داود باشا والذي حكم من (1817-1831) من اشد الولاة تضييقاً على الشيعة وقد شدد من منعه اقامة العزاء الحسيني وقد اضطر الشيعة انذاك الى اقامة مجالس التعزية في السراديب بعيداً عن العيون والاسماع وقد عرف في ذلك الوقت الشاعر الخطيب محمد نصار النجفي الذي نظم الكثير من قصائد الندب والرثاء التي القاها وأنشدها بنفسه في المجالس الحسينية وقد بقيت قصائده التي كتبها بالفصحى والعامية تتداول في مجالس العزاء الحسيني من قبل القراء والخطباء وبعد الاطاحة بالمماليك وسقوط داود باشا تم تعيين علي رضا واليا على العراق وكان هذا الوالي يميل الى التشيع ويحب الامام علي (ع) وولده فسمح باقامة مجالس العزاء الحسيني الذي اخذ بالنمو والتطور تدريجاً حيث كان هذا الوالي يحضر بنفسه مجالس التعزية التي تقام في البيوت وبشكل علني مما اعطى دفعاً قوياً لتطورها وانتشارها ثم امتدت اقامة المجالس الحسينية بعد ذلك الى المساجد والمدارس الدينية واضرحة والأئمة (ع).
وفي ذلك الوقت نشأت مواكب المسيرات الشعبية (اللطم) وكان اول موكب هو للشيخ محمد باقر اسد الله المتوفي سنة 1840 في الكاظمية اما في كربلاء فان أول من اللاطمين كان بأشراف آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي وعنه اخذت وتوسعت الى ما هو عليه الان واستمرت مجالس العزاء والمواكب وبقيت الشعائر الحسينية وتمارس بعد حكم الوالي علي رضا اذ كان الولاة بعده على خطه حتى جاءت مدحت باشا الذي حاول منع هذه الشعائر ولكن محاولته باءت بالفشل وقد ترسخت هذه الشعائر واخذت طابعاً جماهيرياً وخاصة في المدن المقدسة (النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية) فإلى جانب مجالس التعزية اقيمت مواكب اللطم وضرب الزنجيل والتطبير والتشبيه أي التمثيل واقعة الطف ومقتل الإمام الحسين (ع).
وفي عام 1876م بنيت أول حسينية في الكاظمية هي حسينية الحيدرية وفي كربلاء تم بناء أول حسينية عام 1906 ثم تعددت الحسينيات في المدن المقدسة واستمرت المواكب العزاء الحسينية خلال الاحتلال الانكليزي للعراق وبعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921 اعلنت الحكومة العراقية يوم عاشوراء عطلة رسمية في عموم العراق لاول مرة وسمحت باقامة مجالس العزاء والشعائر الباقية ولكن مع بداية كل محرم كانت الانفعلات تشتد مع اشتداد مراسيم العزاء الحسيني الذي يتحول الى تظاهرة ضد الظلم فكانت السلطات بدورها تحاول السيطرة على مواكب العزاء ومنع البعض منها واتخاذ اجراءات صارمة ضد خطباء المجالس الحسينية الذين يرفعون اصواتهم منددين بالظلم.
وفي عام 1928حاولت السلطات منع الشعائر الحسينية لكن الجماهير التي تعودت حناجرها على الهتاف يا حسين كسرت طوق المنع وخرجت الجماهير والمواكب لتؤكد ان ثورة الحسين لم تكن مجرد معركة بين فئتين في انعزال عن المجتمع بل انها كانت تمثل رفضاً قاطعاً وتحدياً لكل انواع الظلم والاستبداد وموقفاً ثورياً اعاد الى الانسان كرامته المهدورة فكانت هذه الشعائر تزيد مبادئ الثورة رسوخاً في الواقع الاجتماعي والسياسي.
وبعد سلسلة من المحاولات اليائسة في العهد الملكي للتضييق على الشعائر الحسينية عادت مواكب العزاء عام 1958 وفي عام 1968 اظهرت السلطات تسامحاً تجاه العزاء الحسيني في محاولة لاستمالة الجماهير واحتواء مشاعره لكنهم بعدها بدؤا يضيقون الخناق تدريجيا في محاولات دنيئة لطمس الشعائر الحسينية وتقيد حركتها ومراقبتها وتحديد مدة اللطم في المواكب وكذلك تحديد مكبرات الصوت التي تنصب في الحسينيات ومواكب للعزاء كما كانت هناك محاولات لتمرير شعاراتهم البغيضة من خلال الشعائر الحسينية.
وفي عام 1975 منعت السلطات البعثية جميع المواكب الحسينية من القيام بشعائرها ليلة العاشر من محرم غير ان المواكب في النجف الاشرف ضربت القرار البعثي عرض الحائط وخرجت بعد منتصف الليل الى الصحن الحيدري الشريف لاداء مراسيم العزاء فحصلت مواجهات مع السلطة تم خلالها اعتقال عدد من الاشخاص وفي العشرين من صفر من العام التالي قامت السلطة البعثية بمنع مسيرة السير على الاقدام من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة لزيارة الاربعين غير ان الجماهير تحدت السلطة فخرج الالاف وواصلوا مسيرتهم الى كربلاء وهي تهتف يا حسين يا حسين وتكرر المنع في العام التالي ولكن الجماهير ابت الا ان تقيم هذه الشعيرة المقدسة فخرجت تظاهرة عارمة من مدينة النجف الاشرف وهي تهتف لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين, وقد احيطت هذه التظاهرة بالجنود والدبابات وافراد من الجيش الشعبي وعندما وصلت الى منطقة خان النص على طريق كربلاء اصدمت بمجموعة من الجنود التي حاولت ان تمنع التظاهرة من مواصلة مسيرتها وقد سقط عدد من القتلى والجرحى وتم اعتقال مئات من الاشخاص وصدرت بحق عدد كبير منهم بالاعدام كما تم قتل بعض المعتقلين تحت التعذيب.
وبالرغم من الاصدامات الدموية تلك فقد نزلت مواكب النجف الاشرف مرة اخرى الى صحن الامام الحسين في كربلاء وقامت بمراسيم العزاء وفي السنوات التالية اتخذت السلطة البعثية اجراءات صارمة وقمعية مشددة لمنع المواكب والضغط عليها وتقييد وحريتها في الحركة حتى تم منع جميع انواع الشعائر التي تقام عادة في شهر محرم وصفر في كل عام سنة 1980 وبدأت السلطة باعتقال عدد كبير من مقيمي المواكب والخطباء والشعراء والرواديد واعدام الكثير منهم كما قامت باغلاق الحسينيات والمدارس الدينية.
واخيراً انتهت هذه الفترة المظلمة التي كانت اشد فترة عاشتها الشعائر الحسينية على امتداد التاريخها عام 2003 بسقوط الصنم فعادت الحناجر العاشقة والقلوب الوالهة التي عشقت الحسين (ع) تهتف باسمه لتؤكد للتاريخ ان هذه الشعائر التي استمدت من ثورة سيد الشهداء (ع) ديمومتها واستمراريتها لن تموت ابداً ما دام فيها ذكره (ع) وسيتوارثها الموالون جيلاً يعد جيل.
الشعائر الحسينية وسيلة لرفض الظلم
لقد بقيت الثورة الحسينية رغم مضي اربعة عشر قرناً وستبقى ابد الدهر شمساً للحرية تنير درب الثائرين والمقهورين الذين وجدوا فيها خير معبّر عن آلامهم وآمالهم في اقامة العدل ورفع الظلم وقد اتخذوا من الشعائر الحسينية افضل وسيلة للرفض والتحدي والمقاومة وجسراًَ للتعبير عن الذات والدفاع عنها وحمايتها مستمدين من هذه الثورة المباركة قوتهم واستبسالهم فهي النبع الصافي الذي تستقي منه الثورات على طول التاريخ رفضها للظلم والاستبداد لتوكد ان كل زمان ومكان يحملان حسيناً ويزيداً وهما في صراع أزلي بين الحق والباطل..
بقلم: محمد طاهر محمد
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية

الروابط
المقالات: النياحة على الإمام الحسين (عليه السلام) *،
الشعائر الحسينية في الدول الإسلامية *
مفاتيح البحث: السير الى كربلاء،
اول من رثى الحسين من الشعراء،
هيهات منا الذله،
الوهابيون وغزو كربلاء،
كربلاء قبلة الثوار،
الشعائر الحسينية والحكومة البعثية في العراق،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة