علم الحسين بالشهادة
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » علم الحسين بالشهادة

 البحث  الرقم: 205  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 6043
قائمة المحتويات

علم الحسين بالشهادة

العقل والشرع يرجحان الإقدام على الهلكة إذا تحققت هناك مصلحة تقاوم مفسدة الهلكة من إبقاء دين وشريعة أو إبراز حقيقة لا تظهر إلا به كمل في أمر الحسين (ع) يوم ذلك الموقف المدهش فتلا على الملأ صحيفة بيضاء رتلتها الحقب والأعوام.
فلقد عرف صلوات الله عليه بنهضته المقدسة الأمم الحاضرة والمتعاقبة أعمال الأمويين ومن سن لهم خرق نواميس الشريعة والتعدي على قداسة قوانينها، وقد استفادت الأمم من إقدام أبي الضيم (ع) على الموت وبذله كل ما لديه من جاه وحرمات في سبيل تأييد الدعوة المحمدية دروسا عالية وعرفوا كيفية الثبات على المبدأ وإنه يستهان في تحرير النفوس عن الجور وإنقاذها من مخالب الظلم كل غال ورخيص.
وإذا كان محمد بن الحسن الشيباني ينفي البأس عن رجل يحمل على الألف مع فقد احتمال النجاة أو النكاية بالعدو ولا يكون هذا الإقدام منه إلقاء بالتهلكة لأن فيه نفع المسلمين وتقوية عزائمهم وبعث روح النشاط فيهم للدفاع عن المبدأ والموت راية العز (1).
فأبو عبد الله الحسين (ع) يفضل كل أحد فإنه بإقدامه على أولئك الجمع المغمور بالأضاليل وإن أزهق نفسه المقدسة ونفوس الأزكياء من أهل بيته وصحبه وعرض حرم رسول الله (ص) للسلب والأسر إلا أنه سجل أسطرا نورية على جبهة الدهر في أحقية نهضته وبطلان تمويهات عدوه الحائد عن سنن الحق المتمرد في الطغيان فهو الفاتح المنصور وإن المتهجر عليه راسب في بحر الضلال هاتك لحرمات الله تعالى متعد على نظم الإسلام التي قررها صاحب الدعوة الإلهية.
وإني لأعجب ممن يذهب إلى أن الحسين (ع) كان يظن موافقة الكوفيين له وقد تخلف فأنا لو تنازلنا وقلنا بأن الحسين لم يكن عنده العلم العام لما كان ويكون وما هو كائن ولكن أين يذهب عنه العلم بما يقع من الحوادث بواسطة إخبار جده وأبيه الوصي بأنه مقتول بأرض كربلاء ممنوع من الورود ومعه ذووه وصحبه وقضاء محتوما، أليس هو الذي أعلم أم سلمة بقتله حين بدأت له خوفها من سفره هذا لأن الصادق المصدق الذي لا ينطق عن الهوى (ص) أعلمها بقتله بأرض كربلاء ممنوعا عن الورد.
وفيما يقال لها إني أعلم اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أقتل فيها وأعلم من يقتل من أهل بيتي وأصحابي أتظنين أنك علمت ما لم أعلمه وهل من الموت بد فإن لم أذهب اليوم ذهبت غدا.
وقال لأخيه عمر الأطرف إن أبي أخبرني بأن تربتي تكون إلى جنب تربته أتظن أنك تعلم ما لم أعلمه. وقال لأخيه محمد بن الحنفية شاء الله أن يراني قتيلا ويرى النساء سبايا.
وقال لابن الزبير: لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم وقال لعبد الله بن جعفر: إني رأيت رسول الله في المنام وأمري بأمر أنا ماض له. وفي بطن العقبة قال لمن معه: ما أراني إلا مقتولا فإني رأيت في المنام كلابا تنهشني وأشدها علي كلب أبقع ولما أشار عليه عمرو بن لوذان بالانصراف عن الكوفة إلى أن ينظر ما يكون عليه حال الناس قال (ع) ليس يخفى علي رأي ولكن لا يغلب على أمر الله وإنهم لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي.
إلى غير ذلك من تصريحاته وتلويحاته في المدينة ومكة والطريق إلى الكوفة فإنها شاهدة على أنه عليه السلام كان على علم ويقين بأنه مقتول في اليوم الموعود به بأرض كربلاء، ثم هل يتردد أحد في هذا وهو يقرأ خطبته بمكة حين أراد السفر منها إلى العراق التي يقول فيها: كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني اكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم.
فدلت هذه الأجوبة من الحسين (ع) لمن طلب التريث في السفر أو الذهاب في أرض الله العريضة على وقوف سيد الشهداء على أمره ولم تخف عليه نوايا الكوفيين ولكنه سر إلهي تعلق به خاصة ولاجل إلقاء الحجة على هذا الخلق المتعوس كانت استغاثاته وانتصاراته يوم الطف قبل نشوب الحرب وبعده.
وإنما لم يصار بما عنده من العلم لكل من رغب في إعراضه عن السفر إلى الكوفة لعلمه بالحقائق لا تفاض لأي متطلب بعد اختلاف الأوعية سعة وضيقا وتباين المرامي قربا وبعدا فلذلك (ع) يجيب كل أحد بما يسمعه ظرفه وتتحمله معرفته وعقليته فإن (أمر) علم أهل البيت (ع) صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان.
الحسين فاتح:
كان الحسين (ع) يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور لما في شهادته من إحياء دين رسول الله وأماته البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنهم الحق بالخلافة من غيرهم وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم: من لحق بنا منكم استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح (2).
فإنه لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المطهرة وإقامة أركان العدل والتوحيد وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.
وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدين لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله لما قال له حين رجوعه إلى المدينة ((من الغالب)) فقال السجاد (ع) إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف الغالب (3).
فإنه يشير إلى تحقق الغاية التي ضحى سيد الشهداء نفسه القدسية لأجلها وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء تنور الله تعالى وما أراد أبوه من نقض مساعي الرسول (ص) وإماتة الشهادة له بالرسالة بعد أن كان الواجب على الأمة في الأوقات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ذلك الذي هدم صروح الشرك وأبطل العبادة كالأصنام كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين وان الصلاة عليه بدون الصلاة على آله بتراء (4).
--------------------------------------------------------------------------------
1 - أحكام القرآن للجصاص ج1 ص309.
2 - كامل الزيارات ص75 وصائر الدرجات للصفار ج10 ص141.
3 - أمال الشيخ الطوسي ص66.
4 - الصواعق المحرقة ص87 وكشف الغمة للشعراني ج1 ص194لاحظ كتابنا ((زين العابدين)) ص371.

الروابط
الأشخاص: العلامة السيد عبد الرزاق المقرم [المترجم]
مواقع الإنترنيت: حوزة الهدى للدراسات الإسلامية
مفاتيح البحث: خروج الإمام الحسين،
عبد الله بن جعفر بن ابي طالب،
كربلاء،
عمر الأطرف،
عبد الله بن الزبير،
أهداف الثورة الحسينيه،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة