الغبطة: هي تمني ما مثل للمغبوط، من غير ان يريد زواله عنه، وهي ليست مذمومة، بل هي في الواجب واجبة، وفي المندوب مندوبة، وفي المباح مباحة. قال تعالى: «وفي ذَلكَ فليتنافس المتنافسون» [سورة المطففين: 26]. وعليها يُحمَل قول النبي (صلّى الله عليه وآله): «لا حسد إلاّ في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على ملكه في الحقّ، ورجل آتاه الله علماً فهو يعمل به ويعلّمه الناس» [جامع السعادات: 2/7]، أي لا غبطة إلاّ في ذلك، وسُمّيت الغبطة حسداً كما يسمّى الحسد منافسة، إتساعاً لمقارنتهما.
سبب الغبطة
سبب الغبطة هو: حبُّ النعمة التي للمغبوط، فإن كانت أمراً دينيّاً فسببها حبُّ الله وحبُّ طاعته، وإن كانت دنيويّة فسببها حبُّ مباحات الدنيا والتنعّم فيها، والأول لا كراهة فيه بوجه، بل هو مندوب إليه، والثاني وإن لم يكن حراماً، إلاّ أنّه ينقص درجتَه في الدين، ويحجب عن المقامات الرفيعة، لمنافاته الزهد والتوكل والرضا.
حدود الغبطة
لو كانت الغبطةُ مقصورة على مجرد حبّ الوصول إلى مثل ما للمغبوط، لكونه من مقاصد الدين والدنيا، من دون حبّ مساواته له وكراهة نقصانه عنه، فلا حرج فيه بوجه، وإن كان مع حبّ المساوات وكراهة التخلف والنقصان، فهنا موضع الخطر، إذْ زوال النقصان إمّا بوصوله إلى نعمة المغبوط أو بزوالها عنها، فإذا انسدت احدى الطريقتين تكاد النفس لا تنفك عن شهوة الطريقة الأخرى، إذْ يبعد ان يكون الإنسان مريداً لمساواة غيره في النعمة فيعجز عنها، ثمَّ لا ينفك عن ميل إلى زوالها، بل الأغلب ميله إليه، حتى إذا زالت النعمة عنه كان ذلك عنده أشهى من بقائها عليه، إذْ بزوالها يزول نقصانه وتخلفه عنه، فإن كان بحيث لو ألقيَ الامر إليه وردَّ إلى اختياره، لسعى في ازالة النعمة عنه، كان حاسداً حسداً مذموماً. وإن منعه مانع العقل من ذلك السعي، ولكنه وجد من طبعه الفرح والارتياح بزوال النعمة عن المغبوط، عن غير كراهة لذلك ومجاهدة لدفعه، فهو أيضاً من مذموم الحسد، إن لم يكن في المرتبة الاولى، وإن كره ما يجد في طبعه من السرور والانبساط بزوال النعمة بقوة عقله ودنيه، وكان في مقام المجاهدة لدفع ذلك عن نفسه، فمقتضى الرحمة الواسعة ان يُعفى عنه، لأن دفع ذلك ليس في وسعه وقدرته إلاّ بمشاق الرياضات، إذ ما من إنسان إلاّ ويرى من هو فوقه من معارفه واقاربه في بعض النعم الإلهية، فإذا لم يصل إلى مقام التسليم والرضا، كان طالباً لمساواته له فيه، وكارهاً عن ظهور نقصانه عنه، فإذا لم يقدّر ان يصل إليه، مال طبعه بلا اختيار إلى زوال النعمة عنه، وارتاح به حتى ينزل هو إلى مساواته.
مراتب الغبطة
(1) أن يشتهي الوصول إلى مثل ما للمغبوط، من غير ميل إلى المساوات وكراهة للنقصان، فلا يُحبُّ زوالها عنه. (2) ان يشتهي الوصول إليه، مع ميله إلى المساوات وكراهته للنقصان، بحيث لو عجز عن نيله وجد من طبعه حبّاً خفيّاً لزوالها عنه، وارتاح من ذلك ادراكاً للمساواة ودفعاً للنقصان، إلاّ أنّه كان كارهاً لهذا الحبّ، ومغضباً على نفسه لذلك الارتياح، وتسمى هذه المرتبة: «الحسد المعفوُّ عنه».