البحث الرقم: 2551 التاريخ: 18 ربيع الأول 1430 هـ المشاهدات: 6858
ورثنا عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) كلماتٍ من نورٍ ومواقف مضيئة؛ هي من غاية المطلوب في الاقتداء بهداهم، إذ يلزم على محبيهم الامتثال لأقوالهم الثابتة، والاقتداء بأفعالهم وسلوكياتهم قدر المستطاع، وذلك من حقيقة حبهم والمعرفة بهم وتقدير مكانتهم، ومن سعادة الإنسان أن تكون شخصيته قائمة على أسس معارفهم قولاً وفعلاً. كثيرون يكترثون بمتى ولد الإمام الفلاني، وكيف استشهد، ولكن الأهم هو الاهتمام بما قدمه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من أقوالٍ ومواقف تمثل دستوراً أصيلاً في بناء شخصية الإنسان والسمو به وبعلاقاته مع الذات الإلهية ومع نفسه والآخرين. لقد طرق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كل باب وكل جانب من جوانب الحياة، صغيرها وكبيرها، وقدموا دروسًا وخططًا كمالية للحياة في كل اتجاه، حتى لا يجد المسلم نفسه تائهًا عن مرشدٍ يرشده إلى جادة الطريق، فتتلقفه أفكار الآخرين يتخبط فيها ويتذبذب. لنأخذ مثالاً؛ تراث الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وهو تراث عظيم بما فيه، خصوصًا وأن الإمام الرضا استثمر وضعه السياسي ـ أتم الاستثمار ـ، ولذلك فقد أتاح الفرصة لنفسه ليبين للناس العلوم الحقة ويردّ على التساؤلات والشبهات، ابتداء من منزله وانتهاء بقصر الخليفة العباسي آنذاك، والمطلع على المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) يجد فيه معارف وعلوم كثيرة، وإجابات عن استفهامات قد تكون مثارة لديه. ومن أكثر ما يُلفت المتأمل في تراثه، الجرأة والهدوء والثقة في التعاطي مع المخالفين لرأيه، كما أن المتتبع لتراث الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يجد أثر القرآن الكريم واضحًا في أقواله وأفعاله، كيف لا، وأهل البيت (عليهم اسلام) هم القرآن الناطق، والترجمان الحقيقي له، بل الثقل الآخر المكمّل له، ولا يستقيم الدين بالقرآن وحده دونهم، كما يستحيل فصل أهل البيت (عليهم السلام) عن القرآن الكريم، فهو الذي يجري في دمهم ويظهر في تحركاتهم وبين ألسنتهم. وفي زمنه كان حجم التساؤلات القرآنية كبيرًا، كما يبدو أن تفسير القرآن الكريم والاستشهاد بآياته له قيمته في الحجة آنذاك، وبالطبع لا مرجعية أعلى من مرجعية الكتاب، وفي ظني أن الإمام الرضا (عليه السلام) ساهم في صنع هذه الحالة من التوجه نحو القرآن الكريم عند أبناء زمنه. قال إبراهيم بن العباس ـ وهو أحد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ـ: ما رأيت الرضا (عليه السلام) يسأل عن شيء قط إلا علِم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاثة ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت، ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام [عيون أخبار الرضا: 2/193]. وإليك هذا النص من عيون أخبار الرضا [2/137ـ138] عن محمد بن موسى الرازي، قال: حدثني أبي، قال: ذكر الرضا (عليه السلام) يومًا القرآن، فعظم الحجة فيه والآية والمعجزة في نظمه، قال: هو حبل الله المتين وعروته الوثقى وطريقته المثلى، المؤدي إلى الجنة والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة ولا يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان والحجة على كل إنسان، (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]. وهذا هو غاية المطلوب منا أيضًا، بأن نجعل القرآن الكريم طريقنا المؤدي إلى الجنة والمنجي من النار، ليس بتلاوته فحسب، وإنما بالاهتداء بهديه. وإلى جانب النصوص التي تضم معارف مركزة معتمدها القرآن الكريم؛ نجد في تراث الإمام علي الرضا (عليه السلام) الكثير من الكلمات والتوجيهات التي لو امتثلنا لها لارتقينا بأنفسنا؛ روحًا وجسدًا، نذكر بعض صورها على نحو الإيجاز، وعلى القارئ أن يرجع إلى كتب الرواية للوقوف على مزيدٍ من الروايات والتوجيهات، وإن كنتُ أنصح بضرورة قراءة كتاب (عيون أخبار الرضا) للشيخ أبي جعفر الصدوق، أو كتاب (مسند الإمام الرضا) من تأليف الشيخ عزيز الله العطاردي، والكتابان مطبوعان ومتوفران. ومن كلماته القصار: 1. حسن الظن بالله سبحانه وتعالى وأثره: أحسن الظن بالله، فإن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن بي، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا [مسند الإمام الرضا: 1/273]. 2. المعصية تذهب بالنعم: اتقوا الله أيها الناس في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على نعمه وأياديه [مسند الإمام الرضا: 1/304]. 3. أثر البكاء على مصائب أهل البيت (عليه السلام): من تذكر مصائبنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسًا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلب [عيون أخبار الرضا: 1/264]. 4. تكفير الذنوب بالصلاة على النبي وآله: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله، فإنها تهدم الذنوب هدمًا، وقال: الصلاة على محمد وآله تعدل عند الله عز وجل التسبيح والتهليل والتكبير [عيون أخبار الرضا: 1/265]. 5. الدعوة إلى الحلم والعلم والصمت: من علامات الفقه: الحلم والعلم والصمت [مسند الإمام الرضا: 1/264]. 6. عدم الاستهانة بصغائر الذنوب: الصغائر من الذنوب طرق إلى الكبائر، ومن لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير، ولو لم يخوف الله الناس بجنة ونار لكان الواجب أن يطيعوه ولا يعصوه لتفضله عليهم وإحسانه إليهم وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه [عيون أخبار الرضا: 2/193]. 7. الإحسان للذات وغفران الله: إن أحسنتم.. أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها رب يغفر لها [عيون أخبار الرضا: 1/267]. 8. الكتمان والمداراة والصبر: لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربه، وسنَة من نبيه (صلى الله عليه وآله)، وسنّة من وليه (عليه السلام).. فأما السنّة من ربه فكتمان السر، وأما السنّة من نبيه (صلى الله عليه وآله) فمدارة الناس، وأما السنّة من وليه (عليه السلام) فالصبر في البأساء والضراء [تحف العقول: 442]. 9. إعانة الضعيف: عونك للضعيف من أفضل الصدقة [تحف العقول: 446]. 10. صلة الرحم: صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها [مسند الإمام الرضا: 1/264]. 11. العقل والجهل: صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله [تحف العقول: 443]. 12- النظافة والتطيب: لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم، فإن لم يقدر فيوم ويوم لا، فإن لم يقدر ففي كل جمعة، ولا يدع ذلك [عيون أخبار الرضا: 1/252].