حنين واد بين مكّة والطائف، بينه وبين مكّة ثلاث ليال.
تاريخ الغزوة
خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى حنين لثلاث ليال خلون من شوال، سنة ثمان من الهجرة، ووصل إليها لعشر ليال خلون من شوال.
سبب الغزوة
لمّا فتح الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله)مكّة، أطاعته قبائل العرب إلاّ هوازن وثقيفاً، فإنّهم كانوا طغاة عتاة مردة، فلما سمعت هوازن بفتح مكّة على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلّها، واجتمعت نصر وجشم كلّها، وكانوا اجتمعوا حين بلغهم خروجه (صلى الله عليه وآله) من المدينة، فظنّوا أنّه إنّما يريدهم، فلمّا بلغهم أنّه أتى مكّة عمدوا لحربه بعد مقامه بمكّة نصف شهر. فجاءوا حتّى نزلوا بحنين، وحطّ مالك معهم النساء والصبيان والأموال، وفي ثقيف رئيسان لهم، قارب بن الأسود، وذو الخمار سبيع بن الحارث، وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير أعمى، ليس فيه شيء إلاّ التيمن برأيه، ومعرفته بالحرب وتجربته، وهو على هودج له يقاد به، فلما نزل بأوطاس ـ وهو مكان بقرب حنين ـ قال: بأي واد أنتم؟. قالوا: باوطاس، قال: ما لي اسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاة، وخوار البقر؟، قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فقال دريد لمالك: لم فعلت هذا؟، قال: سقت مع الناس أموالهم ونسائهم وأبناءهم، ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشدّ لحربه. وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أجمعت عليه هوازن من حربه، فتهيأ لقتالهم.
عدد الجيش
خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر ألفاً، عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكّة، وألفان من مسلمة الفتح، وخرج جيش العدو بثلاثين ألفاً.
تعبئة الجيش
عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين، وكمنوا في شعاب الوادي بإشارة دريد بن الصمة، فإنّه قال لمالك: اجعل لك كميناً، إن حمل عليك القوم جاءهم الكمين من خلفهم، وكررت أنت بمن معك، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد. وعبّأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه في السحر، وصفّهم صفوفاً، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وراية يحملها سعد بن أبي وقّاص، ومع الأنصار لواء للأوس مع أسيد بن حضير، ولواء للخزرج مع سعد بن عبادة، ومع قبائل العرب ألوية ورايات، وانحدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وادي حنين على تعبئة، وركب بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة.
وقوع الحرب
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: لمّا استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة، اجوف حطوط، إنّما ننحدر فيه انحداراً، وذلك في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إليه، فكمنوا لنا في شعابه واحنائه ومضايقه، فما راعنا ونحن منحطّون، إلاّ الكتائب قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد، وانهزم الناس فانشمروا لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين. ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): أيّها الناس، هلمّوا إليّ أنا رسول الله محمّد بن عبد الله، فلا يأتيه أحد. وقال (صلى الله عليه وآله) للعباس ـ وكان صيتاً جهوري الصوت ـ: ناد القوم وذكّرهم العهد، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفرّون؟، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد وصلت الهزيمة إلى مكّة، وسرّ بذلك قوم من مكّة، واظهروا الشماتة، وقال قائل منهم: ترجع العرب إلى دين آبائها.
الذين وثبوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله)
إنّ الذين ثبتوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم حنين، بعد هزيمة الناس هم: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والعباس بن عبد المطلّب، والفضل بن العباس بن عبد المطلّب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلّب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلّب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلّب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أمّ أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحاضنته، وقد قتل يوم حنين. وقال العباس بن عبد المطلّب في ذلك: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر منهم واقشعوا وقولي إذا ما الفضل شدّ بسيفه * على القوم أُخرى يا بني ليرجعوا وعاشرنا لاقى الحمام بسيفه * بما مسّه في الله لا يتوجّع يعني أيمن بن عبيد. وقال الشيخ المفيد: لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصّة، والعاشر أيمن ابن أمّ أيمن.
هزيمة العدو
قال الشيخ المفيد: واقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين اكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه، وهو يرتجز ويقول: أنا أبو جرول لا براح * حتّى نبيح القوم أو نباح فصمد له علي (عليه السلام) فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال: قد علم القوم لدى الصباح * إنّي في الهيجاء ذو نطاح فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم الناس، وصفّوا للعدو، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً، فاذق آخرها ذلك، وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبي (صلى الله عليه وآله) قام في ركابي السرج حتّى أشرف على جماعتهم، ثم قال: الآن حمي الوطيس. أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب قال سلمة بن الأكوع: نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فما خلي الله منهم إنساناً، إلاّ ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم. ولمّا انهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم باوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة. ثمّ جمعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا حنين وأموالها، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسبايا والأموال إلى الجعرانة، فحبست بها، وأخّر قسمتها حتّى رجع من حصار الطائف.
نزول آيات
وحول ما حصل في حنين من فرار الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انزل الله تعالى قوله: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا) [التوبة: 25 ـ 26]. قال الشيخ المفيد: يعني بالمؤمنين علياً ومن ثبت معه من بني هاشم، أو عامّة المؤمنين الذين رجعوا بعد الهزيمة، وكان رجوعهم بثباته (عليه السلام) ومن معه، ومحاماته عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وحفظه من القتل.
غزوة أوطاس والطائف
قال الشيخ المفيد: لمّا فض الله جمع المشركين بحنين تفرّقوا فرقتين، فأخذت الأعراب ومن تبعهم إلى أوطاس، وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف، فبعث النبي (صلى الله عليه وآله) أبا عامر الأشعري إلى أوطاس، في جماعة منهم أبو موسى الأشعري. وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف، فأمّا أبو عامر فإنّه تقدّم بالراية، وقاتل حتّى قتل دونها، فقال المسلمون لأبي موسى: أنت ابن عمّ الأمير وقد قتل، فخذ الراية حتّى تقاتل دونها، فأخذها أبو موسى فقاتل هو والمسلمون حتّى فتح الله عليهم. وأمّا أبو سفيان فإنّه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه، فانهزم ورجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: بعثتني مع قوم لا يدفع بهم البلاء، ولا يرفع بهم الدلاء، من هذيل والأعراب فما أغنوا عنّي شيئاً. فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) وأبو سفيان الذي اغتبط بهزيمة المسلمين يوم حنين، لم يكن يسعى لنصرهم يوم الطائف. ثمّ سار النبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه إلى الطائف، فحاصرهم أيّاماً، وانفذ علياً (عليه السلام) في خيل، وأمره أن يطأ ما وجده، ويكسر كلّ صنم وجده، فخرج حتّى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش من الصبح. فقال: هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من له؟ ، فلم يقم إليه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فوثب أبو العاص بن الربيع، فقال: تكفاه أيّها الأمير، فقال: لا ولكن إن قتلت فأنت على الناس، فبرز إليه علي (عليه السلام) وهو يقول: إنّ على كلّ رئيس حقّاً * إن يروي الصعدة أو يدقا ثمّ ضربهوقتله، ومضى في تلك الخيل حتّى كسر الأصنام، وعاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو محاصر لأهل الطائف، فلمّا رآه النبي (صلى الله عليه وآله) كبّر للفتح، وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً.
خلوة النبي (صلى الله عليه وآله) بعلي (عليه السلام)
عن جابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا خلا بعلي يوم الطائف، أتاه بعض المهاجرين فقال: أتناجيه دوننا، وتخلو به؟. فقال (صلى الله عليه وآله): ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه، فاعرض وهو يقول: هذا كما قلت لنا قبل الحديبية، لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فلم ندخله، وصددنا عنه، فناداه النبي (صلى الله عليه وآله): لم أقل لكم أنّكم تدخلونه من ذلك العام.
تقسيم الغنائم
رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الجعرانة، بمن معه من الناس، وقسّم بها ما أصاب من الغنائم يوم حنين، وهي: ستة آلاف من الذراري والنساء، وأربعة وعشرين ألف بعير، وأكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضّة. ثمّ قسّمها (صلى الله عليه وآله) على المؤلّفة قلوبهم من قريش، ومن سائر العرب، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، ومعاوية ابنه مائة بعير، وحكيم بن حزام من بني أسد مائة بعير، وأعطى النضير بن الحارث مائة بعير، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بين زهرة مائة بعير، وأعطى الحارث بن هشام من بني مخزوم مائة، وجبير بن مطعم من بني نوفل مائة، ومالك بن عوف النصري مائة، فهؤلاء أصحاب المائة. ولم يكن للأنصار من الغنائم شيء قليل ولا كثير، وقيل: إنّه جعل (صلى الله عليه وآله) للأنصار شيئاً يسيراً، فغضب قوم من الأنصار وتكلّموا في ذلك، وقالوا: لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قومه، فبلغه (صلى الله عليه وآله) ذلك، فجمعهم. وجاء يتبعه علي (عليه السلام) حتّى جلس وسطهم، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم، وموجدة وجدتموها، إنّي سائلكم عن أمر فأجيبوني، ألستم كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؟، ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله بي؟، ألم تكونوا قليلاً فكثّركم الله بي؟، وعالة فأغناكم الله بي؟، وأعداء فألّف بين قلوبكم بي؟ . قالوا: بلى والله، فلله ورسوله المنّ والفضل، ثمّ سكت هنيهة، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): ألا تجيبوني بم عندكم؟ ، قالوا: بما نجيبك فداك آباؤنا وأمّهاتنا، قد أجبناك بأنّ لك الفضل والمنّ والطول علينا، قال (صلى الله عليه وآله): أمّا لو شئتم لقلتم فصدقتم. ثمّ قام شيوخهم وساداتهم إليه (صلى الله عليه وآله)، وقبّلوا يديه ورجليه، ثمّ قالوا: رضينا بالله وعنه وبرسوله وعنه، وهذه أموالنا بين يديك، فإن شئت فاقسمها على قومك، وإنّما قال من قال منّا على غير وغر صدر، وغل في قلب، ولكنّهم ظنّوا سخطاً عليهم، وتقصيراً بهم، وقد استغفروا الله من ذنوبهم، فاستغفر لهم يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم، ورجعتم أنتم وفي سهمكم رسول الله؟ . قالوا: بلى رضينا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) حينئذ: الأنصار كرشي وعيبتي، لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار. وأدرك وفد هوازن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله لنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا من الله عليك.
من السبايا
وقد كان فيما سبي أُخته بنت حليمة، فلمّا قامت على رأسه قالت: يا محمّد، أُختك شيماء بنت حليمة، فنزع رسول الله (صلى الله عليه وآله) برده فبسطه لها فأجلسها عليه، ثمّ أكبّ عليها يسائلها، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه.
شهداء الغزوة
استشهد في ذلك اليوم من المسلمين أربعة، وهم: 1ـ أيمن بن عبيد، من بني هاشم. 2ـ يزيد بن زمعة بن الأسود، من بني أسد. 3ـ سراقة بن الحارث بن عدي، من الأنصار. 4ـ أبو عامر الأشعري، من الأشعريين.