البحث الرقم: 2571 التاريخ: 2 ربيع الآخر 1430 هـ المشاهدات: 9964
لم يكن بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين يهود خيبرٍ عهدٌ، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة، فقد كان بينه (صلى الله عليه وآله) وبينهم عهد، ومعنى ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) توجَّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام، أو قبول الجزية، أو الحرب، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم. وكان يهود خَيْبَر مضاهرين، ليهود غطفان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان هذا سبب خروج النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم. فقد ذكر ابن الأثير وغيره، أن يهود خَيْبَر كانوا مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليضاهروا اليهود فيها، ثم خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا. وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ومعهم مِائتي فرس، فلما نزلوا بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة، حتى طلعت الشمس، وأصبح اليهود، وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم. فلما نظروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا: محمد والخميس ـ أي: الجيش ـ، وولّوا هاربين إلى حصونهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين. فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وكان أول حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم، ثم القموص، ثم حصن الصعب بن معاذ، ثم الوطيح والسلالم، وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن خَيْبَر. وفي خيبر بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر برايته، وكانت بيضاء، وعقد له، فرجع ولم يَكُ فتح وقد جهد. ثم بعث في الغد عمر بن الخطاب برايته، وعقد له أيضاً، ومعه الناس، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبِّنُونَه ويجبِّنُهم كسابقه. وخرجت كتائب اليهود يتقدمهم ياسر أو ناشر ـ أخ مرحب ـ، فكشفت الأنصار حتى انتهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاشتدَّ ذلك على رسول الله، وقال (صلى الله عليه وآله): لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبَّانه، لا يولي الدبر، يفتحُ الله على يَدَيه. فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً، ورجا كل واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً. وكان الإمام علي (عليه السلام) أرمد شديد الرمد، فدعاه (صلى الله عليه وآله)، فقيل له أنه يشتكي عينيه. فلما جاء الإمام علي (عليه السلام) أخذ (صلى الله عليه وآله) من ماء فمه، ودَلَّك عينيه، فَبَرئَتَا، حتى كأنْ لم يكن بهما وجع. ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد، فما اشتكى من عينيه، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً. فعَقَد (صلى الله عليه وآله) للإمام (عليه السلام)، ودفع الراية إليه، وقال له: قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتى يَفتح اللهُ عليك. فقال الإمام علي (عليه السلام): يَا رَسولَ الله، عَلامَ أقاتِلُهُم؟ . فقال (صلى الله عليه وآله): عَلى أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله، وأنِّي رسول الله، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحِسابُهُم عَلى اللهِ (عزَّ وَجل) . فقال سلمه: فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه، نتَّبع أثره، حتى ركز رايته تحت الحصن، فاطَّلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟، قال الإمام (عليه السلام): أنَا عَلي بنَ أبِي طَالِب. فقال اليهودي: علوتم أو غلبتم. وخرج إليه أهل الحصن، وكان أول من خرج إليه منهم الحارث ـ أخ مرحب ـ، وكان فارساً شجاعاً، مشهوراً بالشجاعة، فانكشف المسلمون، وثَبَتَ الإمام علي (عليه السلام)، فتضاربا، فقتله الإمام عليٌّ (عليه السلام)، وانهزم اليهود إلى الحصن. فلما علم مرحب أخاه قد قتل نزل مسرعاً، وقد لبس درعين، وتقلَّد بسيفين، واعتمَّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفراً وحَجَراً قد أثقبه قدر البيضة لعينيه، ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار، وهو يرتجز ويقول: قَدْ علِمَت خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ * شَاكي السِّلاح بَطلٌ مُجرَّبُ أطعنُ أحياناً وحِيناً أضرِبُ * إذا اللُّيوث أقبلَتْ تَلتَهِبُ فردّ عليٌّ (عليه السلام) عليه، وقال: أنَا الذي سَمَّتْني أمِّي حَيْدَرة * أكِيلُكُم بالسَيف كَيل السَّـندَرَة لَيثٌ بِغابَاتٍ شَديد قَسْـوَرَة * وحيدرة: اسم من أسماء الأسد. فاختلفا ضربتين، فبدره الإمام علي (عليه السلام) فضربه، فقدَّ الحَجَرَ والمغفر ورأسه، حتى وقع السيف في أضراسه، فقتله. فكبَّر الإمام علي (عليه السلام)، وكبَّر معه المسلمون، فانهزَم اليهود إلى داخل الحصن، وأغلقوا بابَ الحِصْن عَليهم، وكان الحِصْنُ مُخَندقاً حوله، فتمكَّن الإمام علي (عليه السلام) من الوصول إلى باب الحصن، فعالجه وقلعه، وأخذ باب الحصن الكبيرة العظيمة، التي طولها ثمانون شبراً، أي: أربعون ذراعاً، فجعلها جِسراً فَعبر المسلمون الخندق، وظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم. ولما انصرَفَ المسلمون من الحصن أخذ الإمام علي (عليه السلام) الباب بيمناه، فَدَحى بِهَا أذرعاً من الأرض ـ أربعون ذراعاً ـ، وكان الباب يعجزُ عن فَتحِه أو غَلقِه اثنان وعشرون رجلاً منهم.