بسم الله الرحمن الرحيم * القي في مركز أهل البيت الإسلامي – لندن 19 رمضان 1418
يتحدث القرآن الكريم عن الشورى في ثلاثة مواضع
1- حول الرضاع: البقرة / 233: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة… فإن أراد فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور، فلا جناح عليهما…}. موضوع المشاورة: الرضاع المتشاوران: الزوجان. 2- في غزوة أحد: آل عمران / 159: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين}. موضوع المشاورة: الحرب النتيجة: انكسار المسلمين موقف القائد: الرحمة، العفو، والاستغفار [ومشاورتهم]. 3-: الشورى / 38: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون}. راجع: تفسير الميزان 18/65، الدر المنثور 7/357. أهداف الشورى في ما مرّ من آيات: 1- الرضاع: 2- غزوة أحد: أ- أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم / وان القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على الرشدة. الدر المنثور، 2/358. ب- روى ابن عباس أنه لما نزلت {وشاورهم في الأمر} قال رسول الله (ص): (أما أن الله ورسوله لغنيّان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمّتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غيّاً) الدر المنثور، 2/359.
أحاديث في الحث على المشورة
1- قال رسول الله (ص): (استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا) الدر المنثور، 7/357، البحار 75/100. 2- وقال (ص): (المستشار مؤتمن) مسند أحمد بن حنبل، 5/274. 3- وعنه (ص): (من استشار أخوه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه) مسند أحمد، 2/321. 4- كما قال (ص): (من أراد أمراً فشاور فيه، اهتدى لأرشد الأمور) الدر المنثور، 7/357. 5- وقال الإمام علي (ع) (شاور ذوي العقول تأمن الزلل والندم) غرر الحكم. 6- قال الإمام الصادق (ع): (استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا يأمر إلا بخير، وإياك والخلاف فإن خلاف الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا). المحاسن ص602 والوسائل 8/426.
هل اختير القائد على أساس الشورى؟
1- انتخاب أبي بكر لم يتم على أساس الشورى، بل وصفه عمر بأنه كان (فلتة). 2- وانتخاب عمر للخلافة لم يتم على أساس الشورى، بل على أساس النص والتعيين. 3-أما عثمان فقد تم اختياره على أساس (الشورى)، لكن لننظر ملامح الشورى التي وضعها عمر، إن نظرة على الشروط التي قررها عمر توضح حقيقة الأمر: أ- كانت شورى بين ستة من أفراد الأمة، لم ينتخبوا من قبل الناس وإنما عينهم الخليفة وحده. ب- لا بدّ أن يتم اختيار الخليفة المرتقب من بين هؤلاء الستة. ج- إذا اتّفق أكثر الستّة على واحد وعارض الآخرون، ضربت أعناق الأقلية. د- لو حصل انشقاق واختلاف في وجهات النظر، يقدّم اختيار من مالوا إلى عبد الرحمن بن عوف، فإن وافق الباقون وإلا تضرب أعناقهم. هـ مدّة التشاور محدّدة بثلاثة أيام، فإن لم يتوصلوا إلى قرار خلال هذه المدة ضربت أعناقهم. و- أنيطت مهمة التنفيذ إلى خمسين مسلحاً يرأسهم أبو طلحة الأنصاري. الكامل في التاريخ ج3/66. إن النظرة الموضوعية لا تسمح لنا باعتبار هذه الشورى مستوفية شروطها الواقعية.
هل هناك مجلس للشورى في صدر الإسلام؟
طرح الأستاذ محمد عمارة في كتابه (الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية) سؤالاً كنّا نتمنى أن يجيب عليه إجابة علمية مدعومة بالبرهان، لكنّه خيّب ظنوننا في بحثه هذا. أما السؤال الذي طرحه فهو: ولكن هل خرجت الشورى على عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظم، إلى نطاق التنظيم المحكوم بمؤسسة من المؤسسات؟ ثم أجاب عنه بقوله: نعم، فهناك ما يشير إلى وجود مجلس للشورى في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضواً (الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص53)، وحين نسأله عن الدليل على هذا المدّعى فإنه يرجع إلى المستشرق (فان فلوتن) الذي وقع في خطأ فادح نتيجة جهله بالاشتقاقات اللغوية في العربية. إنه قرأ عن أصحاب الصفّة الذين كانوا يقيمون في المسجد، وكانت حالتهم المادية ضعيفة ولم يكن لهم مأوى يسكنون فيه فاتخذوا من المسجد مأوى لهم، وكان عددهم سبعين رجلاً، واختلط عليه الأمر فتصوّر أن الصفّة تعني الصفوة، واستنتج بناء على ذلك أن مؤسسة استشارية تضم سبعين من الصحابة كانت تجلس في المسجد النبوي الشريف للتداول في شؤون المسلمين. ما أفظعه من خطأ، وما أوهاه من استدلال!! ونعود لقصة الشورى التي أمر بها عمر حيث يبين الإمام علي (ع) موقفه منها بقوله: (فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر، لكني اسففت إذ أسفوّا، وطرت إذ طاروا) نهج البلاغة، خطبة 3.
الوقائع التي استشار الرسول (ص) فيها بعض أصحابه
1- أشار سلمان الفارسي على رسول الله (ص) يوم الأحزاب بحفر خندق حول المدينة، وقبل الرسول (ص) مشورته وأمر بحفر الخندق، وكان النصر للمسلمين. (تاريخ الطبري، 2/566). 2- بعد أن تم التوقيع على صلح الحديبية، أمر النبي أصحابه أن ينحروا ما معهم من الهدي فلم ينحر أحد، فبان الغضب بوجه النبي (ص) وعاد إلى خيمته، فقالت له أم سلمة: لو نحرت يا رسول الله لنحروا بعدك. فنحر صلى الله عليه وآله وسلم هديه، فنحروا بعده. (تاريخ الطبري، 2/637). 3- في أيام الخندق، أراد النبي (ص) أن يفرّق الأحزاب ويكسر شوكتهم، فقرر أن يصالح عيينة بن حصن – كبير غطفان – على سهم من ثمر المدينة لقاء انسحابه بمن معه من غطفان وهوازن. دعا النبي (ص) سعد بن عبادة – رئيس الخزرج – وسعد بن معاذ – رئيس الأوس – واستشارهما في ذلك، فقالا: يا رسول الله، إن كنت أمرت بشيء فافعله، وامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف. فقال النبي (ص): (لم أُمر بشيء، ولو أُمرتُ بشيء ما شاورتكما…) ثم أعلن أنه ليس بينه وبينهم إلا السيف. (سيرة ابن هشام، 3/234).
يقول الإمام لأهل الشورى
1- من كلام له (ع) لما عزموا على بيعة عثمان: (لقد علمتم أني أحق بها من غيري، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله…) نهج البلاغة خطبة 73. 2- مناقشته للشورى تجاه الخليفة الأول: لما قيل للإمام علي (ع) أن أبا بكر إنتُخب لأجل قرابته ولإجماع الشورى عليه قال: فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنــــبي وأقرب وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيــف بهذا والمشيرون غيّب؟! شرح ابن أبي الحديد للنهج ج4/319. 3- فيا لله وللشورى!! حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده، فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته / لشدّ ما تشطّرا ضرعيها!!
متطلبات القائد
1- (أيها الناس إن أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه) خطبة 173. 2- (أيها الناس، إني والله ما أحثّكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها) خطبة 175. 3- المعايير التي تقوم عليها القيادة: (يدخل ابن عباس فيجد الإمام يخصف نعله، فيبادر الإمام بالقول: - ما قيمة هذه النعل؟ - لا قيمة لها. - والله لهي أحب إليّ من أمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً) خطبة 33.