الحلقة الرابعة: ولادة الاِمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف كمال الدين: حدّثنا الحسين بن أحمد بن ادريس قال: حدّثنا ابي قال حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال حدّثني محمّد بن إبراهيم الكوفي قال حدّثنا محمّد بن عبدالله الطهوي قال قصدت حكيمة بنت محمد {ع} بعدمضي أبو محمّد {ع} أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة الّتي هم فيها فقالت لي اجلس فجلست ثمّ قالت يامحمّد إنّ الله تبارك وتعالى لا يخلي الاَرض من حجّة ناطقة أو صامته ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين {ع} تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الاَرض عديلهما إلاّ أنّ الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن كما خصّ ولد هارون على ولد موسى {ع} وإن كان موسى {ع} حجّة على هارون والفصل لولده إلى يوم القيامة ولابدّ للاَُمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون كي لا يكون للخلق على الله حجّة وإنّ الحيرة لابدّ واقعة بعد مضي أبي محمّد الحسن {ع} فقلت يا مولاتي هل كان للحسن {ع} ولد؟ فتبسّمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن {ع} عقب فمن الحجّة من بعده؟ وقد أخبرتك أنّه لا إمامة لاَخوين بعد الحسن والحسين: فقلت يا سيّدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته {ع} قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها فقلت له يا سيّدي لعلّك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمّه ولكنّي أتعجب منها فقلت وما أعجبك منها فقال {ع}: سيخرج منها ولدٌ كريم على الله عزّوجلّ الّذي يملاَ الله به الاَرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً فقلت فأرسلها إليك يا سيّدي فقال استأذني في ذلك أبي {ع} قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن {ع} فسلّمت وجلست فبدأني {ع} وقال ياحكيمة إبعثي نرجس إلى إبني أبي محمّد قالت: فقلت ياسيّدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك فقال لي يا مباركه إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الاَجر ويجعل لك في الخير نصيباً قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لاَبي محمّد {ع} وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثمّ مضى إلى والده {ع} ووجّهت بها معه. قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن {ع} وجلس أبو محمّد {ع} مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجائتني نرجس يوماً تخلع خفّي فقالت يا مولاتي ناوليني خفّك فقالت بل أنت سيّدتي ومولاتي والله لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني بل أنا أخدمك على بصري فسمع أبو محمّد {ع} ذلك فقال (جزاك الله ياعمّة خيراً) فجلست عنده إلى وقت غروبالشمس فصِحت بالجارية وقلت ناوليني ثيابي لاَنصرف فقال {ع} لا ياعمّتاه بيتي الليلة عندنا فإنّه سيولد اللّيلة المولود الكريم على الله عزّوجلّ الذي يحي الله به الاَرض بعد موتها فقلت ممّن ياسيّدي؟ ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحمل؟ فقال من نرجس لا من غيرها قالت فوثبت إليها فقلّبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر الحمل فعدّت إليه {ع} فأخبرته بما فعلت فتبسّم ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل لاَنّ مثلها مثل أُم موسى {ع} لم يظهر بها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لاَنّ فرعون كان يشقّ بطون الحُبالى في طلب موسى {ع} وهذا نظير موسى {ع}. قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا قالت حكيمة فلم أزل أرقبها الى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلّب جنباً إلى جنب حتّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها فصاح أبو محمّد {ع}. وقال: إقرأي عليها (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) فأقبلت أقراعليها وقلت لها ما حالك قالت: ظهر الاَمر الّذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلّم عليّ قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت فصاح بي أبو محمّد {ع}. لا تعجبي من أمر الله عزّوجلّ إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ويجعلناحجّة في أرضه كباراً فلم يستتمّ الكلام حتّى غيّبت عنّي نرجس فلم أرها كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمّد {ع}. وأنا صارخة فقال لي إرجعي يا عمّه فإنّك ستجديها في مكانها قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الّذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ماغشى بصري وإذا أنا بالصبي {ع} ساجداً لوجهه، جاثياً على ركبتيه رافعاً سبّابتيه وهو يقول (1): (أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ جدّي محمّداً رسول الله وأنّ أبي أمير المؤمنين، ثمّ عدّ الاَئمة إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه ثمّ قال (اللّهم أنجز لي ما وعدّتني وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي واملاَ الاَرض بي عدلاً وقسطاً) فصاح بي أبو محمّد {ع} فقال: يا عمّه تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه فلمّا مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن {ع} منّي وناوله لسانه فشرب منه (2) ثمّ قال: إمضي به إلى أمّه لترضعه وردّيه إليّ قالت: فتناولته أُمّه فأرضعته، فردّدته إلى أبي محمّد {ع} والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: إحمله واحفظه وردَّه إلينا في كلّ اربعين يوماً، فتناوله الطير فطار به في جوّ السماء وأتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد {ع} يقول «أستودعك الله الّذي أودعته أُمّ موسى موسى فبكت نرجس فقال لها: أسكتي فإنّ الرضاع محرّم عليه إلاّ من ثديك وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أُمّه وذلك قول الله عزّوجلّ: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ) قالت حكيمة: فقلت وما هذا الطير؟ قال هذا روح القدس الموكلّ بالاَئمة: يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوماً رُدَّ الغلام، وَوَجّه إليّ ابن أخي {ع} فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرّك يمشي بين يديه فقلت: ياسيّدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم {ع} ثمّ قال: إنّ أولاد الاَنبياء والاَوصياءإذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم وإنّ الصبي منّا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإنّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن أُمّه يقرأ القرآن ويعبد ربه عزّوجلّ وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساءاً. قالت حكيمة فلم أزل أرى ذلك الصبي في كلّ أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمّد {ع} بأيّام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي {ع} من هذا الّذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد {ع} بعد ذلك بأيّام قلائل، وافترق الناس كماترى ووالله إنّي لاَراه صباحاً ومساءً وإنّه لينبئني عمّا تسألون عنه فأخبركم. ووالله إنّي لاَريد أن أساله عن الشيء فيبدأني به وإنّه ليرد عليّ الاَمرفيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن أخبرك بالحقّ. {{ابن النجف}} الهوامش: ____________ (1) وفي طريق آخر عن السيّدة حكيمة نفسها (فإذا أنا به ساجداً يتلقّى الاَرض بمساجده وعلى ذراعه الاََيمن مكتوب (جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) وهو يقول (أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ جدّي محمداً رسول الله وأن أبي أميرالمؤمنين وليّ الله، ثمّ عدّ الاَئمة إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه ثمّ قال (اللّهم أنجزيلي ما وعدّتني وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي واملاَ الاَرض بي عدلاً وقسطاً) ثمّ رفع رأسه من الاَرض وهو يقول (شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأُولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم إنّ الدين عند الله الاِسلام) ثمّ عطس فقال (الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ولو أُذن لنا في الكلام لزال الشكّ. (2) وفي رواية موسى بن محمّد عن السيّدة حكيمة: ثمّ قال تكلّم يابني فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ثمّ صلّى على أمير المؤمنين وعلى الاَئمة: إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم) ثمّ قال أبو محمّد {ع} ياعمّه إذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها واتيني به، فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس... إلى أن قالت: فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال: هلمّي إلي ابني فجئت بسيّدي {ع} وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الاولى ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً ثمّ قال: تكلّم يابني فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وثنّى بالصلاةعلى محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الاَئمة الطاهرينصلوات الله عليهم أجمعين حتّى وقف على أبيه {ع} ثمّ تلا هذه الآية: (بسم الله الرحمن الرحيم ونريدأن نمنّ على الّذين استضغفوا في الاَرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين، ونمكّن لهم في الاَرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قال موسى: فسألت عقبه الخادم عن هذه فقالت: صدقت حكيمة.