س: شيخنا الكريم وردت من طرقنا روايات مفادها النهي عن الجزع ولطم الوجه والصدر عند المصيبة وأن من ضرب يده على فخده عند المصيبة حبط أجره، فإذا صحت هذه الروايات فإنها تكون معبرة عن عدم مشروعية الجزع على الحسين (ع) أو على الأقل مرجوحية ما اعتاد الشيعة على ممارسته أيام عاشوراء من إظهار الجزع باللطم على الرأس والصدر فكيف تعالجون هذه الإشكالية؟ ج: إن الجزع معناه إظهار الحزن والتعبير عنه بمثل اللطم والبكاء بصوت عالٍ وهو مرجوح بلا ريب عندما تكون المصيبة شخصية وأما عندما يكون الجزع على الحسين (ع) فذلك راجح ومندوب، وذلك للروايات الكثيرة والتي تفوق حدَّ التواتر حيث أفادت هذه الروايات راجحية إظهار الحزن على الحسين (ع) بل صرَّح بعضها باستحباب الجزع على الحسين (ع). وعليه تكون هذه الروايات مخصَّصة لعموم النهي عن الجزع عند المصيبة كما هو مقتضى الجمع العرفي وصناعة حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد. فقد ثبت في أصول الفقه ان كل فعل ورد فيه خطابان أحدهما ينهي عنه بنحوٍ مطلق والآخر يأمر به في حالات خاصة فإن الجمع بين مفاد الخطابين يُنتج استظهار عدم إرادة الإطلاق من خطاب النهي وانَّ الإرادة الجدية للمتكلِّم انما تعلَّقت بالنهي عن الفعل في غير مورد الأمر، وهذا هو معنى الجمع العرفي. فلو ورد نهي عن غيبة المسلم وورد في خطاب آخر الأمر بغيبة المسلم المتجاهر بالفسق فإن العرف يفهم من الخطابين ان الغيبة المنهي عنها هي غيبة المسلم غير التجاهر بالفسق، وأما غيبة المسلم المتجاهر بالفسق فهي غير مشمولة للنهي وانَّ المتكلِّم لم يكن مريداً للإطلاق من خطابه الأول وذلك بقرينة الخطاب الثاني والذي يُحدِّد الإرادة الجدية بحدود الخطاب الأول. والأمر كذلك فيما يتصل بالنهي عن الجزع عند المصيبة فالنهي في الخطاب وان كان مطلقاً إلا أن الإطلاق غير مرادٍ قطعاً بالإرادة الجدية وذلك بقرنية الخطاب الثاني المتضمن للأمر بالجزع على الحسين (ع). ولا بأس في المقام في نقل بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والمعبِّرة عن رجحان الجزع على الحسين (ع). 1 ـ جعفر بن محمد بن قولويه في (المزار) عن أبيه، عن سعد ابن عبد الله، عن أبي عبد الله الجاموراني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور. 2 ـ وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد، عن الاصم، عن مسمع بن عبد الملك قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ـ في حديث: ـ أما تذكر ما صنع به يعني بالحسين عليه السلام؟ قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: أي والله، وأستعبر بذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الام الشفيقة على ولدها (إلى أن قال:) ما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سال دموعه على خده، فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لاطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر، وذكر حديثا طويلا يتضمن ثوابا جزيلا، يقول فيه: وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقيت منه مع من أحبنا. 3 ـ محمد بن الحسن، في (المصباح) عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة عن أبيه، عن علقمة (1)، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث زيارة الحسين عليه السلاميوم عاشوراء من قرب وبعد ـ قال: ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة باظهار الجزع عليه، وليعز بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين عليه السلام، وأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزوجل جميع ذلك يعني ثواب ألفي حجة، وألفي عمرة، وألفي غزوة ـ قلت: أنت الضامن لهم ذلك والزعيم؟ قال: أنا الضامن والزعيم لمن فعل ذلك، قلت: وكيف يعزي بعضنا بعضا؟ قال: تقول: عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه والإمام المهدي من آل محمد، وإن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل. 4 ـ الحسن بن محمد الطوسي، عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الأنصاري، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام). 5 ـ وفي (الخصال): عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني (2)، يرفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله)، وعلي بن الحسين (عليه السلام)، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: (تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين) (3)، وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار، وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما. وأما فاطمة (عليها السلام) فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابرالشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين (عليه السلام) فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله مالا تعلمون» إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. وفي (الأمالي): عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، مثله. وثمة روايات أخرى نقلنا بعضها في بحث مشروعية النياحة على الحسين (ع) وهي بالاضافة إلى ذلك معتضدة بالسيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السلام.
الهوامش
1- الوسائل: باب 66 من أبواب المزار، ح 13 كامل الزيارات 100. 2- الوسائل: باب 66 من أبواب المزار، ح 16 كامل الزيارات 101. 3- الوسائل: باب 66 من أبواب المزار، ح20، مصباح المتهجد ص913. 4 – الوسائل: باب 87 من أبوب الدفن، ح9، آمالي الطوسي 1: 162. 5 - الوسائل: باب 87 من أبواب الدفن ح7، الخصال: 272، أمالي الصدوق 121/5.