نهضة كربلاء الحسين
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » نهضة كربلاء الحسين

 البحث  الرقم: 357  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 6309
قائمة المحتويات

نهضة كربلاء الحسين (عليه السلام)

نهضة كربلاء الحسين
ألا تثير فينا دراما فاجعة كربلاء وأسباب اتخاذها هذا المنحى التراجيدي شيئا ما؟
قبل الدخول في مثل هكذا استفهام، أود الإشارة إلى فحوى طرحته إحدى المفكرات الغربيات ورأيها في الأحداث الدامية التي انطوت عليها واقعة الطف الخالدة
عام (61) للهجرة على ثرى كربلاء، وانتهاءها بفاجعة الإراقة لدم الإمام الحسين الطاهر ودماء أهل بيته الأخيار وصحبه الأبرار، بكل تلك البشاعة والدموية وهي تقول بما معناه إنها قصة مأساة لا يمكن لكل من يطلع على تفاصيلها؛ إلا أن يتأثر بها ويتعاطف مع الحسين وأصحابه
إن مثل هذا الكلام أو المعنى عندما يصدر من امرأة غربية، بعيدة كل البعد عن تقاليدنا ومعتقداتنا الدينية ومواريثنا الثقافية، فإن لذلك دلالاته الكبيرة، التي ينبغي التوقف عندها للتأمل، وهنالك الكثير مما قيل بحق أبي الأحرار الامام الحسين الخالد ونهضته المباركة عبر التاريخ، ومن ثم تناقلته الكتب وهو مالا يمكن الإحاطة التامة به؛ شعرا ونثرا ودراسات وبحوث وكلمات لسنا هنا بصدد عدها.
فإذا ما كان البعيدون يصفون الفاجعة بهذا الاسلوب الطافح بصدق العاطفة؛ فما بال تأثيرها على الاقربين من الشيعة والأتباع وكيف سيكون وقعها عليهم؟ وقد تغلغلت لحقب متعاقبة من الزمن في ضمائرهم لأنها عاشت طويلا في واقعهم، وترسبت تأثيراتها عميقا في صميم تكوينهم الروحي والنفسي عبر تناقل الأجيال المتعاقبة لدقائق تفاصيلها، وتفاعل معطياتها مع وقائع الحاضر عبر الزمن، بدموية مشاهدها البشعة وتجدد المأساة حية نابضة في كل عام بكل حرارة الذكرى ومرارتها.
إن مأساة كربلاء قد اختزلت كل جماليات القيم النبيلة في الشجاعة والتضحية والإباء من أجل المبادئ الإلهية، بالمنظور العام؛ لشمولها جوانب متنوعة بيد انها متناغمة مع صميم الطبيعة الإنسانية، فلم تترك فراغا أو عتمة في زاوية ما، إلا وأقامت دليلها المادي ووضعت له دلالاته المعنوية في ثنايا المتن الحكائي للواقعة، بحرارة الحدث الحي النابض بدفق الحياة المعاشة، والقريبة من المتخيل الإنساني؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، مسألة الحرية في اختيار المصير وبقاء أبواب الرحمة والمغفرة مفتحة لآخر لحظة، كما في قصة توبة الحر الرياحي وعودته المباركة الى جادة الصواب في آخر لحظة، وكذا في مسألة العبودية وقد خلق الله الإنسان حرا كما في قصة استشهاد جون التركي والشجاعة والاقدام كما في قصة أم وهب ودخولها المعركة وسقوطها شهيدة (رضوان الله عليهم) وغيرها من الشواهد الواقعية وهي كثيرة جدا.
فمن ذا الذي لا يتعاطف مع قصة ذبح رضيع عطشان أصيب بحرارة سهم غادر حزَ منه المنحر وسقاه بدل الماء دما، أو دفع أم لصبيها الصغير للقتال وقد ألبسته لامة حربه، أو في تحول خضاب عريس شاب في ليلة فرحه إلى دم عبيط إغتسل به بدنه الطاهر ورأسه الشريف، أو في بشاعة قتل شيخ طاعن بالسن من صحابة رسول الله ومن حفظة كتابه، معروف بفضله وتقواه وإحسانه، أو في ترويع أمومة ثكلى في فلذات كبدها وهي تتلقاهم مجزرين كالأضاحي الواحد تلو الآخر.
أجل.. فإن للقصص ذات الوقع المأساوي - كما يبدو- تأثيرا أثبت داخل النفس البشرية وأكثر تركيزا وديمومة في الوجدان، وربما كان تلقي الأحداث السعيدة والانفعال بها له طابع آني لن يستطيع الصمود طويلا مع تعاقب الأزمان؛ لذا إتخذت نهضة الإمام الحسين لنفسها هذا المسرى الدموي، لتأصيل الواقعة وتجذيرها في أرض الواقع ومن ثم نفوس الاجيال.
ومن هذا المنطلق فان أحداث الفاجعة- واقعة كربلاء- قد تسامت عن كونها مجرد قصة أو حكاية كما المئات بل الآلاف من القصص المحزنة الأخرى في تناولها مآسي الإنسان وفواجعه وما أكثرها منذ فجر التا ريخ البشري على الارض بقصة قتل قابيل لأخيه هابيل ومن ثم ما جاء بمتون التراجيديات اليونانية والأساطير القديمة وغيرها، وكذا فإنها ارتفعت كثيرا – أعني واقعة الطف - عن كونها قصة بطولة فرد واستبساله حتى النهاية واستشهاده مضحيا بكل ما يملك؛ بنفسه وعياله وصحبه من اجل المبادئ والقيم، كونها بالحقيقة فاجعة إنسانية عظمى، تسامت بأهدافها الإلهية عن الأطر الأرضية التي تظل ضيقة مهما رحبت واتسعت مساحتها البطولية.
نتيجة اتصال نهضة الإمام الحسين- من دون وقائع البطولة جميعا - بالمثل العليا، وتشربها بإفاضات الوحي - وهو أبن نبي الرحمة- بعظمة الأهداف الكونية التي قامت عليها ثورة كربلاء ونهلت من معينها البشرية، بما مثلته من مشتركات إنسانية نبيلة يلتقي حتما عندها الجميع بصرف النظر عن جنسهم ولونهم وانتمائهم ولغتهم، ومن ثم فإنها قد أطربت الطبيعة البشرية؛ بما انطوت عليه منظومتها القيمية من أريحية فذة بمعاني الشجاعة والإيثار والكرم والتضحية، وما إليها من ميزات نبيلة وصفات أصيلة أخرى، يتعذر قراءتها في إستقراء بسيط كهذا؛ كونها تمثل الحياة برمتها بكل تفصيلاتها وتشعباتها وتعقيداتها.
فهذه الميزات وتلك الصفات التي رسختها حيثيات الواقعة، بطبيعتها تتناغم مع الفطرة النقية للإنسان، وتحاكي حاجته المتأصلة للتعايش وجدانيا مع الجمال، على العكس تماما من الكذب والغدر والظلم، كونها تصرفات قبيحة؛ يمجها الذوق وتأنفها النفوس وترفضها النواميس، ولأنها مخالفة لقوانين الخلق والطبيعة والإنسان.
فالوفاء على سبيل المثال؛ جميل بداهة في كل زمان ومكان وعكسه الغدر فهو قبيح في كل زمان ومكان أيضا، ولا يمكن أن يكونا بغير هذه الصورة بالقياسات الطبيعية؛ من هنا كان تعاطف الآخر وسيبقى مع عدالة قضية الإمام الحسين ورفضه منهج ظالميه تلقائيا، من خلال الانسياق خلف نداءات الحس الإنساني النبيل والفطرة النقية في ذاتها، ولا دخل للعقيدة في ذلك، بالرغم من كون الإسلام دين الفطرة قبل أن يكون دين الوجود؛ لذا شاء الله أن يكون الحسين حلم الإنسانية المعذبة التي مازالت مضطهدة.. بل وستبقى، ومظلوميته قضيتها المركزية المؤجلة.
بقلم: طالب عباس

الروابط
المقالات: القمم الشامخة في النهضة الحسينية،
حقيقة النهضة الحسينية،
الحسين.. موقف وقضية *،
دروس من واقعة كربلاء *
مواقع الإنترنيت: العتبة الحسينية المقدسة
مفاتيح البحث: الإمام الحسين (عليه السلام)،
الثوره الحسينيه والحريه،
اصحاب الامام الحسين،
قابيل،
أهداف الثورة الحسينيه،
الحر بن يزيد الرياحي،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة