مقدّمة إخوتنا الأعزّاء.. من البديهيّ، أنّ العظماء من الرجال، وكذلك العظيمات من النساء، يمتازون على غيرهم بمميّزاتٍ خصّهم الله تبارك وتعالى بها، ومنحَهم من الفضائل والخصائص والمواهب دون سائر الناس. وتلك المواهب تكون علامةً لهم من الباري جلّ ولعا، وآيةً منه على تفوّقهم ورفعتهم، وهي تلازمهم حتّى قبل ولادتهم أحياناً. وزينب بنت أمير المؤمنين عليّ عليه وعليهما السلام، هي إحدى تلك العظيمات في التاريخ، وقد سجّل لها قلم الحياة صفحاتٍ غرّاءَ باهرة في جميع الآفاق.. في: نسبها وشخصيّتها، وخصالها ومواقفها، ومكارمها وآثارها المباركة على الحياة الإسلاميّة إلى يومنا هذا، وإلى ما يشاء الله عنّ شأنه. الحزن المقدّس المتعارَف بين الأمّهات أن يقارنهنّ الفرح والسرور عند الحمل، لكنّ الصدّيقة الزهراء عليها السلام كانت تعيش الحزنَ والهم كلّما رُزقت حملاً؛ لأنّها مطّلعة على ما سيجري على وليدها من مصائب وبلايا. وقد أُخبرت عليها السلام ـ عندما حملَتْ بابنتها زينب عليها السلام ـ بما سيجري عليها من أهوال كربلاءوشهادة إخوتها وبنيها وأعزّتها على صحراء الطفّ، وما سيكون عليها بعد ذلك من الأسْر والسبي، وهي زينب حفيدة رسول الله سيّد الأنبياء صلّى الله عليه وآله، وابنة أمير المؤمنين سيّد الأوصياء صلوات الله عليه، وابنة فاطمة سيّدة نساء العالمينصلوات الله عليه، وهي عزيزتهم ووريثتهم.. لذا لازمَ أمَّها الهمُّ والغـمّ، وازداد باقتراب ولادتها، كما كان ذلك عندما أخبرت الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها مِن قبل ذلك حين حملت بالحسن والحسين عليهما السلام، وبعد ذلك حين حملت بأمّ كلثوم والمحسن عليها السلام. بشارة.. ودموع ما أن وقع نظرُ النبيّ صلّى الله عليه وآله على حفيدته الطاهرة زينب عليها السلام.. حتّى ترقرقت عيناه الشريفتان بالدموع، وبكى، كما بكى من قبل على حبيبه الحسين عليه السلام حين جيء به إليه. • رُويَ أنَّ زينب بنت الإمام عليّ عليهما السلام لمّا وُلِدت، أُخبِر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجاء إلى منزل ابنته فاطمة عليها السلام يناديها: يا بنتاه، إيتيني بنيّتَكِ المولودة، فلمّا أخضرتْها أمُّها أخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله وضمّها إلى صدره الشريف، ووضع خدَّه المنيف على خدّها.. فبكى بكاءً حارّاً، وسالت دموعُه على كريمته المقدّسة. فسألته ابنته فاطمة: مِمّ بكاؤك، لا أبكى اللهُ عَينيك يا أبتاه! فأجابها: يا بنيّة يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت ـ بعدَكِ وبعدي ـ تُبتلى ببلايا فادحة، وتَرِد عليها مصائبُ ورزايا مفجعة. هنا بكت فاطمة صلوات الله مرّةً أخرى، ثمّ كان منها هذا السؤال: يا أبه، فما ثوابُ مَن يبكي عليها وعلى مصائبها؟ فقال صلّى الله عليه وآله يبشّر محبّيها: يا بضعتي ويا قُرّةَ عيني، إنّ مَن بكى عليها وعلى مصائبها كان ثواب بكائه كثواب مَن بكى على أخَوَيها. • ومن طبيعة كلّ أب، إذا بُشّر بمولودٍ له، ابتهج قلبه وامتلأ فرحاً وسروراً، لكنّ أمير المؤمنين عليّا ً عليه السلام كان كلّما بُشّر بمولودٍ تذكّر ما سيجري عليه، فحزن عليه. جاء في بعض الكتب مأثوراً: أنّه لمّا وُلِدت السيّدة زينب عليها السلام، استقبله الإمامُ الحسين عليه السلام ـ وكان عمره الشريفَ في حدود السنة الخامسة ـ فبشّر أباه وهو متوجّه نحو البيت: ابه يا ابه، إنّ الله تبارك وتعالى قد وهب لي أختاً. ثمّ نظر الحسين عليه السلام في وجه أبيه ليرى أثر البشارة عليه، فإذا به يرى عينَي أبيه قد اغرورقت بالدموع ثمّ تقاطرت على محيّاه المبارك. تأثّر الحسين سلام الله عليه بحزن أبيه، فتسائل: فديتُك بنفسي يا أبه، لقد جئتكم بالبشارة فرددتم بشارتي بالبكاء! فما سبب بكائكم، وعلى مَن تبكون يا أبه، لا أبكي اللهُ عينَيكم؟ كفكَفَ أمير المؤمنين عليه السلام دموعه بكفَّيه الكريمتين، ثمّ أخذ ولدَه الحسين وضمّه إلى صدره ومسح دموع عينيه وحدّثه: نورَ عيني يا حسين، سأكشف لك بعد قليل سرَّ هذا البكاء، وأُعلمك بآثاره.. ثمّ أخذ عليه السلام يقصّ عليه ما سيكون من قصّة كربلاءووقعة الطفّيوم عاشوراء: مِن قتلِ الرجال، وسَبْي النساء، وفيهنّ هذه السيّدة الوليدة الطاهرة زينب عليها أفضل الصلاة والسلام. نزول الاسم المبارك لا يخفى.. أنّ رضيعة ثّدْي الرسالة والعصمة، وربيبة الوحي والقرآن، وأوّل ابنةٍ لقسيم الجنّة والنار وساقي الكوثر يوم الحشر، كان اسمها «زينب»، فمِن أين جاء هذا الاسم؟ في اللغة: زينب، اسم شجرٍ حسَنِ المنظر طيّب الرائحة، وبه سًمّيت المرأة (لسان العرب، لابن منظر ـ مادّة «زنب». فإذا كان الأصل في اسم زينب الكبرى عليها السلام، فهو يناسبها؛ لأنّ في الكنايات اللغويّة والاستعارات الأدبيّة قد تعارف إطلاق اسم الشجرة على ذوي الشخصيّات الكبيرة، بل وإطلاقه على كلّ شيءٍ نفيس وذي خيرٍ كثير. وحيث أن زينب عليها السلام مِن ذوي الشخصيّات والبيوت الشريفة، وأولي الأيدي والخير الكثير، لذا سًمّيت «زينباً» اسماً على مُسمّى. ولكن هنالك رأي آخر، ذلك هو أنّ اسم «زينب» مأخوذ من: زَينُ أب، يعني زينة أبيها، وبهذا الاعتبار عبّر البعض بأنّها زينُ أبيها كما كانت أمُّها الزهراء مِن قبل «أمَّ أبيها»، كذلك كنّاها أبوها المصطفى صلّى الله عليه وآله، وهو تقابلٌ حسَنٌ بين الأمّ والبنت صلوات الله عليها. وعليه.. فلو كان اسم زينب من: زين أب، بعد تخفيفه وكثرة استعماله فصار زينباً، فهو يناسب العقيلة زينباً عليها السلام؛ إذ كانت ـ بحقّ ـ زينَ أبيها أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، بإيمانها وتقواها، وعلمها وفضلها، فهي مفخرته عليه السلام حقّاً، بل ومفخرة أهل البيت أجمعين.. وكيف لا، وقد دافعت عن أهدافهم، وحمت حريمهم، وضحّت بنفسها من أجلهم، حتّى أبقت ذِكْر أخيها الإمام الحسين عليه السلام، وأحيت نهضته العظمى رغم تعاقب الدهور، وبذلك أبقت ذِكْرَ جدِّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأحيت به الإسلام وتعاليمه الكبرى. وقدّمت زينب عليه السلام من التضحيات ما أذاب حياتها، فلم يكن لها عليها السلام من العمر بعد أخيها سيّد الشهداء عليه السلام إّلا سنة ونصف. والآن.. ماهي قصّة تسمية زينب عليها السلام؟ في خبر.. أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان في سفر خارج المدينة المنوّرة، فلمّا ولدت زينب عليها السلام سألت فاطمةُ الزهراءأميرَ المؤمنين عليها السلام أن يختار لوليدتهما اسماً؛ مخافةَ أن يُبطئَ رسول الله صلّى الله عليه وآله في سفره، فكان منه عليه السلام: إنّي لا أسبق أباكِ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في ذلك، وإني آمِلُ أن يرجع من سفره قريباً إن شاء الله، ويختار لها اسماً. فما انقضت إلّا ثلاثة أيّام حتّى قَدِم رسو الله صلّى الله عليه وآله، فأتى ذار ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام على عادته، فبشّره أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول الله إنّ الله قد وهب لابنتك فاطمة بنتاً، فاختَرْ لها اسماً. فكان جوابه صلّى الله عليه وآله على هذا الطلب: إنّ ذرّية فاطمة ـ وإن كانوا ذرّيّتي، إلّا أنّ أمرَهم إلى الله تعالى، وإنّي انتظر وحيَ ربّي في تسميتها. وإذا بجبرئيل ينزل من السماء على رسول الله صلّى الله عليه وآله: السلام يخصّك بالسلام، ويقول لك: سَمِّ هذا المولودَ باسم «زينب»؛ فقد كتبناه لها في اللَّوح المحفوظ. فضمّها رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى صدره وقبّل ما بين عينَيها، وسمّاها باسم «زينب». فسلامٌ على المنسوبة لأُسرة النبوّة والإمامة، والموهوبة وسامَ الشرف والمجد والكرامة. وسلامٌ على الأخت التي واست أخاها في مهمّته، وشاركته في نهضته، وتباهت بالإسلام وعزّته. وسلامٌ على مَن أصبح حرمها موئلَ آمال الآملين، وملتقى وفود الزائرين، ويتمسّك بضريحها جميع المحبّين المحتاجين، ويؤمّ قبرَها الخلائقُ في كلّ حين. المصدر: شبكة الإمام الكاظم عليه السلام