الخصومة هي: لجاج في الكلام لاستيفاء مالٍ أو حق مقصود، وذلك تارة تكون ابتداءً، وتارة تكون اعتراضاً.
الخصومة المذمومة
إن كانت الخصومة بحق، أي كانت مما يتوقف عليه استيفاء مال أو حقّ ثابت، فهي ممدوحة معدودة من فضائل القوة الشهويّة، وإن كانت بباطل، أي تعلقت بما يدعيه كذباً أو بلا علم ويقين، فهي مذمومة معدودة من رذائل القوة الشهوية، فالخصومة المذمومة تتناول المخاصمة فيما يعلم قطعاً عدم استحقاقه، وفيما لا علم له بالاستحقاق، كخصومة وكيل القاضي، فإنه قبل ان يعرف أن الحق في أي جانب، يتوكل في الخصومة من أي جانب كان، ويخاصم من غير علم ويقين، فمثله خبّاط العثرات وركات الشبهات، يضرّ بالمسلمين بلا غرض، ويتحمل اوزار الغير بلا عوض، فهو أخسر الناس اعمالاً، واعظمهم في الآخرة اوزاراً ونكالاً. وتتناول أيضاً مخاصمة من يطلب حقّه ولكنّه لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد والعناد في الخصومة قصداً للتسلط والإيذاء، ومن يمزج بخصومته كلمة مؤذية لا يحتاج إليها في إظهار الحقّ وبيان الحجة، ومن يحمله على الخصومة محض العناد بقهر الخصم وكسره مع استحقاره لذلك القدر من المال، وربما صرّح بأنَّ قصده العناد والغلبة عليه، ويقول: إذا أخذت منه رميته ولا أبالي، فمثله غرضه اللدد واللجاج.
الخصومة الجائزة
تنحصر الخصومة الجائزة بمخاصمة المظلوم الذي يطلب حقه وينصر حجته بطريق الشرع، من غير قصد عناد وايذاء، مع الاقتصار على قدر الحاجة في الخصومة، من دون ان يتكلم بالزائد ولا بكلمات مؤذية، ففعله ليس بحرام، وإن كان الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً، إذْ أنَّ ضبط اللسان في الخصومة على حدِّ الاعتدال متعذر أو متعسر، لأنّها توغر الصدر وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب ذهب المتنازع فيه من البين، واشتدّ الحقد بين المتخاصمين حتى يحزن كل واحد بمسرة صاحبه، ويفرح بمساءته، فالخصومة مبدأ كل شر، فينبغي ألاّ يفتح بابها إلاّ عند الضرورة وعلى قدر الضرورة، ولا يتعدى عن الواجب، إذْ اقل درجاتها تشوش الخاطر، حتى أنّه في الصلاة ليشغل بمخاصمة الخصم، ويتضمن الطعن والاعتراض، أي التجهّل والتكذيب، إذْ مَنْ يخاصم غيره إمّا ان يجهله أو يكذّبه، فيكون آتياً بسوء الكلام، ويفوت به ضدّه، أي طيب الكلام، مع ما ورد من الثواب.
ذم الخصومة
الخصومة المذمومة هي: التخاصم بالباطل، لان الانسان إذا كان له حقاً فلابدَّ له من الخصومة، فأمّا الباطلة المذمومة فإنّها تمحق الدين، فعلى الانسان ان يحفظ اللسان والقلب من تبعات الخصومة، وذلك متعذرٌ جداً، فمن اقتصر على الواجب في خصومته سلم من الإثمّ، ولا تذمّ خصومةٌ إلاّ أنّه إن كان مستغنياً عن الخصومة فيه، لأن معه ما يكفيه فيكون تاركاً للأولى ولا يكون آثماً، أمّا ما ورد من الروايات الشريفة في ذمّ الخصومة فهو كثير جداً، نذكر مثالين من ذلك. عن النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ ابغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم» [الدر المنثور: 1/239]، وقال (صلّى الله عليه وآله): «ما أتاني جبرائيل قط إلاّ وعظني، فآخر قوله لي: إيّاك ومشادة الناس، فإنّها تكشف العورة وتذهب بالعز» [جامع السعادات: 1/70]. فمن تأمل في هذه الأحاديث وغيرها يلاحظ ما يدلّ على ذمّها وسوء عاقبتها، ومن خلال ذلك يمكنه ان يتركها ولا يدور حولها ولا يحتاجها إلاّ بالحق.
علاج الخصومة
ان يعلم ان الخصومة توجب التباعد والتباغض، وتزرع الفرقة، وتزيل الوحدة والألفة والمحبة، وان يعلم ما يفوته من الثواب في الكلام الطيب، وما ورد فيه من مدح وثناء، إذْ أنّ درجات طيب الكلام إظهار الموافقة. قال الرسول الاعظم (صلّى الله عليه وآله): «يمكّنكم من الجنة طيب الكلام وإطعام الطعام» [جامع السعادات: 2/71].