المحاسبة
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » المحاسبة

 البحث  الرقم: 413  التاريخ: 18 ذو القعدة 1429 هـ  المشاهدات: 4058
قائمة المحتويات

محاسبة النفس ومراقبتها

المحاسبة: هي محاسبة النفس كل يوم عمّا عملته من الطاعات والمبرّات، أو اقترفته من المعاصي والآثام، فإن رجحت كفّةُ الطاعات على المعاصي والحسناتُ على السيئات، فعلى المحاسِب ان يشكر الله تعالى على ما وفّقه إليه وشرّفه به من جميل طاعته وشرف رضاه، وإن رجحت المعاصي، فعليه أن يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة الله تعالى.
وأمّا المراقبة: فهي ضبط النفس وصيانتها عن الاخلال بالواجبات ومقاومة المحرمات.
والجدير بالعاقل المستنير بالايمان واليقين، أن يروّض نفسه على المحاسبة والمراقبة، فإنّها أمّارة بالسوء، فمتى أُهملت زاغت عن الحق وانجرفت إلى الآثام والشهوات، وجرّت بصاحبها إلى مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى أخذت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء، «ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها» [سورة الشمس: 7 ـ 10].
هذا إلى أن للمحاسبة والمراقبة أهمية كبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة واهوالها الرهيبة، ومن ثَمَّ اهتمامه بالتزوّد من أعمال البرِّ والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه، لذلك طفقت النصوصُ تحرّض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكيمة البليغة.

دستور المحاسبة

لقد ذكر المختصّون بدراسة علم الأخلاق دستوراً خاصاً بالمحاسبة والمراقبة وبأسلوب مفصّل، وربّما يصعب على البعض تطبيقه، إلاّ أننا نعرضه بصورة أسهل وأجمل وفي أمرين مهمين:
الاول: أول ما يجدر محاسبة النفس عليه هو أداء الفرائض التي أوجبها الله تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الفرائض، فإن أدّاها المرءُ على الوجه المطلوب، شكر اللهَ تعالى على ذلك ورجّى نفسه فيما أعدَّ اللهُ للمطيعين من الثواب الجزيل والأجر العظيم، وإن أغفلها وفرّط في أدائها، خوّف نفسه بما توعّد اللهُ العصاةَ والمتمردين من عباده بالعقاب الأليم، وجدَّ في قضائها وتلافيها.
الثاني: محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على اقتران السيئات، ثمَّ الاجتهاد بمقابلة ذلك بالندم عليه والتوبة النصوح الصادقة.

اغتنام فرصة العمر

لو وازن الأنسانُ بين جميع مُتع الحياة ومباهجها وبين عمره وحياته، لوجد أن العمر أغلى وانفس منها جميعاً، وأنّة لا يعدله شيء من نفائس الحياة وامتعتها، إذْ من الممكن اكتسابها أو استرجاع ما نَفر منها.
أمّا العمر فإنه الوقت المحدّد الذي لا يستطيع الإنسان إطالةَ أمده وتمديد أجله المقدور المحتوم، كما يستحيل استرداد ما تصرّم من العمر، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة، وكان الإنسان غافلاً عن قيم العمر وجلالة قدره، فهو يسرف عابثاً في تضييعه وإبادته، غير آبه لما تصرّم منه، ولا مغتنم فرصته السانحة. من أجل ذلك جاءَت توجيهاتُ آل البيت (عليهم السّلام) موضّحة نفاسة العمر، وضرورة استغلالة وصرفه فيما يوجب سعادة الأنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.

السبيل إلى المحاسبة

على الإنسان أن يطالب نفسه أولاً بالفرائض كما قلنا، والتي هي بمنزلة رأس ماله، فإن أدّاها على وجهها شكر الله عليها ورغّبها بمثلها، وان فوّتها من اصلها طالبها بالقضاء، فإن أدتها ناقصة كلّفها الجبران بالنوافل، وإن ارتكبت معصية اشتغل بعتابها وتعذيبها ومعاقبتها، واستوفى منها ما يتدارك به ما فرّط، كما يصنع التاجر بشريكه، فكما أنّه يفتش في حساب الدنيا عن الحَبّة والقيراط، فيحفظ مداخل الزيادة والنقصان حتى لا يُغبن بشيء منها، فينبغي أن يتقي غائلة النفس ومكرها، فإنّها خدّاعة ملبسة مكّارة، فليطالبها أولاً بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طول نهاره، وليتكفل بنفسه من الحساب ما سيتولى غيره في يوم القيامة. وهكذا عن نظره، بل خواطره وافكاره، وقيامه وقعوده، وأكله وشربه ونومه، حتّى عن سكوته لِمَ سكت؟ وعن سكونه لِمَ سكن؟ فإذا عرف مجموع الواجب على النفس، وصح عنده قدر ما أدّى الحق منه، كان ذلك القدر محسوباً له، فيطهر له الباقي عليها، فليثبته عليها وليكتبه على صحيفة قلبه كما يكتب الباقي الذي على شريكه على قلبه وعلى صحيفته.
ثمَّ إنّ النفس غريم يمكن أن يستوفي منه الديون، أمّا بعضها فبالغرامة والضمان، وبعضها بردّ عينه، وبعضها بالعقوبة له على ذلك، ولا يكون شيء من ذلك إلاّ بعد تحقيق الحساب وتمييز الباقي من الحق الواجب عليه، فإذا حصل ذلك اشتغل بعده بالمطالبة والاستفياء.

الروابط
القاموس: محاسبة النفس،
مراقبة النفس
الأشخاص: السيد خالد الموسوي [المراسل]
مفاتيح البحث: محاسبة النفس،
مراقبة النفس
المواضيع: مكارم الأخلاق

الفهرسة