طقوس عاشوراء... وتشكيك المرجّفين
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » طقوس عاشوراء... وتشكيك المرجّفين

 البحث  الرقم: 46  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 5112
قائمة المحتويات

طقوس عاشوراء... وتشكيك المرجّفين

عندما قدم شهر محرم الحرام لم أكن أتصور إني سأمسك قلمي لأكتب هذه الكلمات، بل كنت عازما على أن أتقدم أكثر باتجاه وصف ما يمكن الاستفادة من هذا الشهر في تقويم أنفسنا التي أهلكتها نوائب الدهر وتكالبها في السياسة الدنيوية، لكن ما رأيته من البعض من التقرب إلى (أربابهم) بقدح طقوس عاشوراء وذمها كما هو سابق عهدهم بالتقرب إلى (أوثانهم!) بسبّ علي وأولاد علي دفعني إلى أن أشهر قلمي بوجههم عساني استطيع أن ادفع بعض هذه التخرصات التي يسوقها هؤلاء الظلاميون ضد ابسط الطقوس الدينية.
فما أن شرع المسلمون بمراسيم العزاء بذكرى استشهاد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ترك البعض جميع أعمالهم الدنيوية والدينية ليستنفروا قواهم الخائرة بصب الاتهامات والخطابات على تلك الشعائر، ووصفها بما يروته سائرا على وفق أهواءهم، علهم يصيبون ما قد أخفقوا فيه من قبل في إثارة التفرقة بين الجسد الواحد أو التأثير على العقول الضعيفة.
لقد تصفحت الكثير من تاريخ الشعوب وعاداتها فوجدت ما يقف منه العقل من الغرائب في ممارسة طقوسهم الدينية ومشاعرهم المقدسة، ولكني احترمت حقهم في ممارسة تلك الطقوس لأنها تمثل بالنسبة لهم قداسا يحيى رمز من رموزهم ومساحة للنفس لتعبر عما بداخلها تجاه عقائدها، ولك أن تتصور على سبيل المثال لا الحصر ما تقوم به بعض الطوائف من طقوس عبادية وما يشابهها في بعض الطوائف الأخرى من عبادات خارقة للذهن، وهكذا في باقي الأديان بما فيها الطوائف الإسلامية.
فلم أجد تشكيكا من احد أو تهجما على تلك الطقوس في يوم من الأيام ولاسيما من هؤلاء المرجّفين، أم إن الدين أصبح سياسيا أيضا وطائفيا ويخضع لقاعدة تصفية المسلمين أولا، كونهم (حسب وجهة نظر هؤلاء) اخطر من الكفار!
لينتقل بعدها هؤلاء إلى الكفار ويصححوا مسارهم بعد أن ينهوا عملهم في تصفية الدين الإسلامي!، إننا لا نعترض في يوم من الأيام على من ينتقد باحترام وموضوعية ولسنا ممن يسير على طريق تكميم الأفواه أو إخراسها بل (إن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها) فنحن ننظر إلى ما يقول الشخص ولا ندقق بشخصه او هويته.
وهذا مما تعلمناه من ثورة سيد الشهداء، بان السيوف والقتل والتشويه لا يقتلان الفكر الصحيح والصوت الصادق وان بدا لبعض الناظرين قد سكن بعض الوقت بانتصار العسكري، ولكن في نهاية المطاف فأما الزبد فيذهب جفاء وان ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
وقد ورد هذا المعنى في جواب الإمام السجّاد عليه السلام على السؤال الذي عرضه عليه (إبراهيم بن طلحة) حين سأله: من الذي غلب في يوم عاشوراء؟ فقال له الإمام عليه السلام (إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف من الغالب..) وهي إشارة إلى بقاء دين رسول الله في ظل النهضة الحسينية.
ان تلك المراسيم هي أحياء لشعائر الله واعتزاز بما قدمه سبط النبي (ص) في تلك الواقعة الأليمة، حيث يبيّن هنا سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه): (... إن من مصاديق الإحياء أيضاً المجالس التي تُعقد لذكرى وفيات ومواليد الرسول الأعظم والأئمة الأطهار، فإن إحياءها يعتبر وبلا شك، من الشعائر التي قال عنها الله (عزوجل) في كتابه المجيد:) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج33.
والذي يعيب على هذه الطائفة قضية محددة في جملة المراسيم (التطبير على سبيل المثال) هل سينتهي لو تركت هذه الممارسة من الشعائر أم سينتقل ليقول بان اللطم بدعة أيضا وهكذا دواليك ليصل إلى إن الدمعة محرمة بدليل حديثهم (... إذا بكى أهل الميت فانه يُعذب في قبره مادام البكاء قائما!).
وكأننا لم نقرأ ولم نطلع على حزن سيدة نساء العالمين (سلام الله عليها) بعد فقد أبيها رسول الله (ص) حيث بنى لها أمير المؤمنين دارا خاصة لها خارج المدينة والذي يعرف اليوم (ببيت الأحزان)، فهل كان علي جاهلا بالحكم الشرعي أو مداهنا (حاشاه) وهو إمام المتقين والذي يشهد له العدو قبل الصديق بعلمه ودينه وقوته في ذات الله (عزوجل)، حيث يقول معاوية بن أبي سفيان عندما ورده خبر استشهاد الإمام علي (ع) ما نصه (.. عقمت النساء أن تلد مثلك يا أبا الحسن).
ثم ما كان من الأئمة عليهم السلام بعد الامام الحسين (ع) من إبداء الحزن على واقعة كربلاء خير دليل على إقامة تلك الشعائر، حتى وصل الأمر إلى إنهم لم يسرجوا نورا في بيوتهم ليلا منذ واقعة عاشوراء حتى ثورة المختار التقفي.
وهكذا ظل المشككون والمتقمصون لدور علماء الأمة يطلقون ما بدا لهم وما تمليه عليهم شياطينهم، متناسين بأن التعبير عن الحزن وإبداء علاماته هي احتراما لتلك العلاقة الكبيرة بين الرسول وبين عترته الطاهرة في تجسيد (... قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) الشورى (23).
أما كان من الأفضل أن نجسد في هذه الأيام الوحدة الحقيقية في تعظيم شعائر الله، وجعلها شعيرة تجمع أبناء الدين الواحد على نهج العترة الطاهرة في رد الجميل لرسولنا الكريم، بدل إطلاق التهم والتحامل على طائفة تمثل جزءاً مناصفاً للمجتمع الإسلامي الكبير الذي يعتز بآل محمد كاعتزازه برسوله المصطفى اللهم إلا من كان يعبد الله على حرف.
ولكم تمنيت أن لا أطلق أي كلام في هذا الصدد تأسيا بقول إمامنا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء حين يقول لأحد أصحابه (.. إني اكره أن ابدأهم بقتال)، ولكني استأذنت بتتابع كلامه (عليه السلام) فيما بعد عندما انهمرت عليه السهام تترا كالمطر (.. قوموا إلى الموت الذي لابد منه يرحمكم الله، فهذه السهام رسل القوم إليكم).
ونحن في هذا المقام لا نريد الا القول بان شعائرنا وطقوسنا هي تكريما لرسول الله وال بيته واعتزازا بذلك الموقف العظيم لسبط رسول الله في دفع الضيم عن الأمة وبيان الخط المنحرف من الخط الصحيح، وكشف كل من تلبس برداء الإسلام وصور للناس على إن الدين لا يؤخذ الا من أصحاب الكراسي والعروش ومن علمائهم المطبلين لهم.
وبهذا المنظار فإن الإنسان الذي يتّبع الحقّ ويضحي في سبيل الله ودينه فهو منتصر على الدوام وينال إحدى الحسنيين، وكل من يتنكب عن مناصرة الحقّ فهو ليس بمنتصر ولا غانم حتّى وإن خرج سالماً، وقد صرح بذلك سيّد الشهداء بهذا في كتابه إلى بني هاشم والّذي جاء فيه: من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّا لم يبلغ الفتح, اللهم بلّغنا اللهم فاشهد.
بقلم: عدنان محمد
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية

الروابط
المقالات: نصوص مأساة كربلاء في ميزان النقد العلمي *
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة