الإصلاح والصلاح.. على خطى الإمام الحسين عليه السلام
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » الإصلاح والصلاح.. على خطى الإمام الحسين عليه السلام

 البحث  الرقم: 470  التاريخ: 19 ذو القعدة 1429 هـ  المشاهدات: 12953
قائمة المحتويات

الإصلاح والصلاح.. على خطى الإمام الحسين عليه السلام

توطئة:
﴿ ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ﴾ «هود 88». صدق الله العلي العظيم. لا زلنا في رحاب عاشوراء نستلهم منها ما امكننا من الدروس والتي تعيننا على اجتياز ما تمر به الامة الإسلامية من محن ومصاعب وعقبات وعوائق. من هذه الدروس الاصلاح فان أول شعار اطلقه الامام الحسين ليكون عنوانا لحركته المباركة هو قوله: «اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر».
فــالاصلاح في حركة الامام الحسين المركزية والمحورية التي تليق بهذا العنوان في مثل تلك الحركة ويستفاد من تلك الآية التي صدرت بها كلامي وهي قوله تعالى على لسان شعيب ان من أهم وظائف الأنبياء والرسل إصلاح أحوال الامم وإصلاح الدنيا والسعي في الأرض بالإصلاح وإصلاح ذات البين. وقد تكرر في القران الكريم عنوان الاصلاح وقرن بتقوى الله عز وجل: ﴿ فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ﴾ «الانفال، 1». والإصلاح في هذه الآية لا يختص بمثل الاصلاح بين اثنين من المؤمنين متشاجرين بل يشمل اصلاح ذات البين في عامة ما يرتبط بشؤون المؤمنين والناس من بيع وشراء ونكاح واجتماع وانتخاب وحكم وإدارة ووظائف وشركات وأسواق ومستشفيات.
اصلاح كل هذه الأمور بينٌ تحت عنوان اصلاح ذات البين. ولما قال أمير المؤمنين: «الله الله في نظم اموركم» كان ينطلق من مبدأ الاصلاح الذي تتوقف عليه سعادة الإنسان في هذه الدار.
هنا مطالب أود ان أتعرض لها باختصار فيما يرتبط بمسألة الاصلاح:
المطلب الأول: العلاقة بين الاصلاح والدين:
بيان العلاقة بين الاصلاح والدين أو بين الاصلاح والتوجه العبادي في منظومة الفكر الديني. اين هو الاصلاح في سلسلة الأفكار الدينية التي جاء بها الرسل. كيف نقوم الاصلاح بالنسبة الى غيره من الأمور. كيف نرجح بين مثل الاصلاح ومثل الصلاة، والإصلاح ومثل الصيام، والإصلاح وأداء حقوق الناس الشرعية.
هنا توجد نظريات اذكرها بنحو السرد والاختصار:
النظرية الأولى: أصالة الفرد:
هي ان الأصل فيها الفرد، ويعبر عن ذلك في علم الاجتماع بأصالة الفرد. وهذه النظرية تقوم على ان فكرة الحياة الدنيا والمجتمعات البشرية والتمدن والحضارة، كل هذه الأمور مجعولة لخدمة الفرد.
فلو تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة المجتمع، قدم مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع. وهذا لا على شكل القانون بهذه العبارة، لأنه لا يوجد مجتمع يقول بمثل هذا القانون، لكن توجد مجتمعات تجعل رأس المال هو الذي يتولى تقنين وتشريع الأوضاع الاجتماعية فيما يتوافق مع مصلحة هذا القطاع الخاص، وذلك المالك الخاص.
وهذه النظرية هي التي يقوم عليها المجتمع الرأسمالي، والتي تقوم فكرته على ان الإنسان حر، ولا حد لهذه الحرية. بل له ان يفعل في أمواله ما يشاء مادام ينطلق في هذا التصرف من منطلق الملكية الخاصة. لذلك نحن نجد بعض القوانين التي تصطدم مع التشريعات التي نؤمن بها في الدين مثل ما يطلق عليه حقوق الملكية الفكرية ولا نقصد اصل هذا المبدأ لأنه محل خلاف عند الفقهاء وحتى عندنا نحن. لكن بعض التشريعات الخاصة التي كلفت شركات كبرى في العالم مليارات الدولارات بمجرد إطلاق عنوان الاحتكار عليها.
عرض استشهادي:
مثل ما وجدناه في الصحف والتقارير والمحاكم التي تتولى ادارة هذا الصراع. هذا المبدأ ينطلق من مسألة الملكية الخاصة، ومن مسألة ان الحرية للإنسان. وتجعل له الحق في ان يقيد حرية الآخرين. مثلا ولتوضيح الفكرة النزاع الذي وقع بين ميكروسوفت وغيرها من الشركات خلاصته ان ميكروسوفت ابتكرت برنامج خاص ووضعت هذا البرنامج في الوندوز وهو البرنامج الذي يستعمله 95% من الحاسبات الآلية، فأقامت الشركات الأخرى دعوى على ميكروسوفت بأنك إذا وضعت هذا البرنامج في الويندوز لم يحتاج أي إنسان الى السعي في السوق للبحث عن البرنامج المناسب. وبالتالي أنت تحتكرين سوق المنافسة علينا. لاحظوا كيف طبقت الملكية الفكرية بهذا النحو الذي استلزم تقييد ملكية ميكروسوفت في املاكها بأنها استطاعت بأموالها ونفوذها في السوق ان تحد وتقيد من قدرة الشركات الأخرى على المنافسة.
فلو استرسلنا وراء هذا المبدأ لكان باستطاعة الشركات العظمى ان تتدخل في ملكية الاسواق الأخرى المستهلكة بعنوان الملكية الفكرية لتجريد هذه الاسواق من القدرة على المنافسة. وذلك لان هذا القانون يكون صادر من القوة والنفوذ ولولا قدرة الشركات المنافسة لميكروسوفت ونفوذها في الاسواق الأمريكية لاستطاعت ان تصل الى صيغة قانونية من ميكروسوفت بالتعويض أو التدارك وغير ذلك من المنافع التي تعود على الشركات المنافسة.
سيطرة المستنفذ:
ففي الواقع هذا القانون يصدر من النفوذ ليس الا، لا واقع له الا بنفوذ المتخاصمين. أي المتخاصمين كان قادرا ونافذا كانت دعواه هي المسيطرة على النزاع فبالتالي يلزم الطرف الآخر بالتعويض والخضوع لرغبة الطرف الأول. لذلك نحن نجد ان المجتمعات الأخرى التي تسعى دولها للانخراط في منظمة التجارة العالمية تشهد تظاهرات عجيبة وغريبة من قبيل ما نجده في كوريا وغيرها من الدول. ونجد ان المحللين الاقتصاديين ينبهون الي ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية للدخول في منظمة التجارة العالمية. لان هذه المنظمة في الواقع تكون خاضعة لقدرة الشركات والدول العظمى لتمرير مصالحها بالنسبة للأطراف الأضعف.
المجتمع الرأسمالي يقوم على أصالة الفرد. والأصالة هنا بالمعنى الاجتماعي لا الفردي. وهي تقديم مصلحة الفرد على المجتمع وهناك في المقابل:
النظرية الثانية: نظرية أصالة المجتمع:
وهي التي يؤمن بها المجتمع الاشتراكي والشيوعي. فان هذا المجتمع يؤمن بان الملكية للأفراد تكون في إطار ملكية المجتمع، فتكون ملكية زيد وعمرو منبثقتين من ملكية الدولة، ومن ملكية المجتمع الخاص التي تمثلة الدولة او الحكومة وهذا الطرح وهذه النظرية وصل كثير من أهلها الى اليأس والإحباط والقناعة بان هذه النظرية خاطئة ولا يمكن ان يتمسك بها المجتمع ليعيش بها بشكل دائم. وحتى المجتمعات الاشتراكية من قبيل الصين الشيوعية الآن في الواقع لا يكون لها من الاشتراكية الا العنوان وإلا في الواقع هي رأسمالية لكن مع شئ من الاستبداد والبطش لتمرير القوانين العقائدية التي لا تضر بالمصلحة الاقتصادية العظمى. وإلا في الواقع الصين لم تبلغ هذه الدرجة من القوة الاقتصادية الا بعد رفع اليد عن كثير من القوانين النظرية الاشتراكية والشيوعية.
نظرية الدين الإسلامي:
والصحيح ان النظرية لاهي أصالة الفرد، ولا أصالة المجتمع. بل هي النظرية التي يطرحها الدين الإسلامي الذي ورد في التعبير عنه في لسان الأئمة: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه». وورد التعبير عنها بعد ضم هذه الرواية الي قوله تعالى: ﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ «التوبة، 71». الحق ان مصلحة الفرد لا يمكن ان تصطدم بمصلحة المجتمع، ومصلحة المجتمع هي عين مصلحة الفرد، ولا يوجد بين المصلحتين ازدواجية حتى نبحث عن الميزان الذي يرجح به هذا الطرف وذاك الطرف.
لذلك اقترنت البعثات والرسل بدعوى الاصلاح. نحن نجد ان شعيبا أهم ما ذكر القران الكريم من عناصر رسالته اصلاح الكيل والموازين ﴿ اوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ﴾ «الشعراء، 181». ونجد ان القران نبه على ان الذين خالفوا شعيبا كانوا هم الاخسرين، لان الله عز وجل انزل عليهم العذاب الأليم. فالقران والدين والرسالات السماوية عندما تنبه على المصالح الدنيوية تجد في هذا التنبيه ما يدل عل ان المصلحة الدنيوية التي يقررها القران هي عين ما ذكره القران في خلافة ادم. الله عز وجل جعل الإنسان خليفة في الأرض ليعمر هذه الأرض، وليبعث هذه الأرض على الازدهار، وليحي هذه الأرض لا ليلهث وراء مصلحته بحيث يكون ذلك إفسادا في الأرض: ﴿ ولا تعثوا في الارض مفسدين ﴾ «الأعراف، 74». فالإصلاح حقيقته هو العبادة لكن باتباع الأنظمة التي جاء بها الرسل والأنبياء ومنهم نبينا محمد.
الأخذ على أيدي المفسدين:
ورد في حديث خاص رواه العامة في كتبهم - وأنا انقله بتصرف - ان مثل المجتمع مثل السفينة ذات الطابقين. في الطابق الأول أناس صلحاء، وفي الطابق الأسفل أناس يعيثون في الارض فسادا فان ترك أهل الطابق الأول اهل الطابق الاسفل هلك اهل الطابق الاسفل واهل الطابق الاول، لانهم ان خرقوا السفينة غرقت السفينة بكلا الطابقين. وان اخذ اهل الطابق الاعلى على ايدي اهل الطابق الاسفل ونهوهم وزجروهم ومنعوهم من الافساد نجوا وانجوا.
وهكذا حال المجتمع الواحد ان تركنا المجتمع يمشى على هوى افراده والهوى لا يمكن ان يأمر الا بالشر. هلك الصلحاء والاتقياء وغيرهم. وان امر اهل المعروف بالمعروف ونهوا عن المنكر نجى المجتمع كله. لذلك من النتائج التي وجدانها في حركة الامام الحسين انها منعت نزول العذاب على هذه الامة، وهو عذاب الكفار. لولا حركة الامام الحسين لاستأصلت هذه الامة لانه لم يبق من الاسلام الا رسمه وعنوانه. وإذا وصل المجتمع الى هذا الحد بحيث لا يكون هناك جماعة تامر بالمعروف وتنهي عن المنكر استحقوا العذاب لان هذا المجتمع لن يلد الا فاجرا او كفارا حسب ما ورد في القران الكريم: ﴿ ولا يلدوا الا فاجرا كفارا ﴾ «نوح، 27».
المسألة الثانية: إتباع مسلك الامام الحسين في الاصلاح:
ان الاصلاح ينبغي ان يكون على مسلك الامام الحسين. ورد في الروايات ان الامام الحسين في طريقه الي كربلاء نزلت عليه ملائكة من السماء وعرضت عليه النصر، فاختار الامام الحسين المضي والاتكال على الله سبحانه وتعالى من دون الاستعانة بهم. فأمر الله عز وجل هؤلاء الملائكة ان يبقوا عند قبره يستغفرون لزواره، ومنتظرين لخروج الامام الطالب بثأره عجل الله فرجه الشريف.
الأخذ بالأسباب الطبيعية في عملية الاصلاح:
ان مثل هذا المضمون في هذا الحديث ورد في حق نبينا. النبي عرضت عليه كنوز الارض وخير بين ان يكون ملكا رسولا، وبين ان يكون عبدا رسولا. فاختار ان يكون عبدا رسولا يجوع فيسأل الله مرة ويشبع فيشكر الله أخرى.
يستفاد من مثل هذه المواضيع وغيرها: ان الشريعة تريد منا ان الاصلاح بالاسباب الطبيعية، باتباع الاسباب والقوانين التي اودعها الله عز وجل في هذه الارض اعتمادا على قدراتنا الذاتية، من دون ان نسعى وراء القوى الغيبية والروحية وغير ذلك. فليس من الدين ولا من شأن الأنبياء والرسل ان يصلحوا المجتمع بدعوة في ظهر الغيب، وفي بطن النيل لينزل جبرائيل ويمسح على عقول الناس مرة واحدة ليهتدوا. الله عز وجل يقول: ﴿ ان الله على كل شئ قدير ﴾ «البقرة، 106».
استخراج الكنوز:
لو كانت المسألة ان الله سبحانه وتعالى يريد الصلاح بدون استئذان احد لكان سبحانه وتعالى اقدر على ذلك في اقل من لمح البصر. الله عز وجل اراد من وراء بعث الانبياء والرسل استخراج الكنوز الذاتية والطاقات الكامنة في نفوس الناس. وهذا لا يكون الا بالتشريع والطاعة. ولا يتم ذلك الا بالبسط والتعلم والسعي في مناكب الارض والسعي في طلب الرزق وغير ذلك. لذلك اكد الشارع المقدس على ضرورة التعليم وضرورة العمل، وضرورة اعقلها وتوكل.
اما ان يفهم التوكل على انه القبوع في صومعة العبادة وانتظار الفرج. فهذا تخلف وهذه خرافة, يجب السعي، ويجب المشاركة الايجابية، ويجب ان يسعى الانسان في الاصلاح. لكن بالاسباب الطبيعية، وهنا اود ان اشير الn ما انتشر اخيرا في مجتمعنا من الميل الي مسائل الابراج والنجوم والتأويلات الغيبية والبحث عن علامات الظهور وان فلان هو كذا وفلان هو كذلك. هذه مسائل لا تقدم ولا تؤخر.
وقد ذكرنا ذلك اكثر من مرة من قبل ان من لم يقتنع بشرعية تحرك الامام رحمه الله تعالى في إيران فانه لا يكون مؤمنا اذا امن بالامام نتيجة اعتماده على روايات رجل من اهل قم. هذه الرواية لا تفيد الا الظن فيكون إيمانك مبنى على الظن ولو فرضنا ان هذه الرواية لم تكن موجودة سوف يتزلزل ايمانك بالامام وشرعية تحركه لا يمكن. اذا في الواقع الروايات لا تزيدني ايمانا به، ولا تنقصني ايمانا به.
معرفة اهل الاختصاص بالروايات:
الروايات لا تزيدني ايمانا بشرعية مقاومة المؤمنين من جنوب لبنان، ولا تضرني اذا لم تكن صحيحة. انا مؤمن بان هذا النهج صحيح وان إسرائيل لا تريد بالأمة الإسلامية خيرا. وانها يجب ان تواجه بكل السبل سواء وجدت هذه الرواية او لم توجد هذه الرواية. فاذا لم يكن للرواية اثر فما الداعي لتقليب صفحات هذه الروايات!!!. نعم هذه الروايات لها اثر كبير يعرفها اهل الاختصاص وكذلك النجوم.
يتصل بي شخص من الاشخاص ويقول: شيخنا عندي مسألة ضرورية اريد ان تأخذ لي خيرة باستعجال المسألة مصيرية!!! المسالة المصيرية تعتمد فيها على الخيرة باستعجال فقط؟ هل استشرت؟ هل طلبت رأي اهل الاختصاص؟ هل تتبعت المسألة واطرافها، ورجحت بين هذا الجانب وذلك الجانب الاخر؟
البعد الأسطوري في السلوك:
نحن في الواقع نجد ان البعد الأسطوري في سلوك الناس يستشري وفي المقابل نجد ان هؤلاء الاسطوريين يطلبون الاصلاح في غير جانبه، برفع معول الاصلاح لضرب نظريات دينية لا ينبغي ان تفتح ملفاتها الان. المجتمع لا يحتمل اثارة تلك المسائل الخلافية وان هذه الشعيرة صحيحة ام لا!!!. تلك حقيقة ام مزورة!!!
هذه المسائل ينبغي ان يكون الهم الباعث عليها طلب الاصلاح حقيقة. لا ان يسجل في صحائف التاريخ إنني مصلح ولا ان يكتب عن فلان انه مصلح. ينبغي ان يكون الداعي هو الاصلاح ولا شك ان من اهم مراتب الاصلاح، اصلاح ذات البين، بينك وبين المؤمنين لا ان يكون في رايك تفرقة بينك وبينهم. الا ان يكون أولئك واقفين على بدعة لا يمكن السكوت عليها. ونرجو ممن اظهره الله على مثل ذلك ان ينبهنا عليها ورحم الله من أهدى الي عيوبي. اما ان تقف عند نص معين وتقول هذا النص غير ثابت عند هذا التاريخ، وتقول هذه الواقعة غير ثابتة ومع ذلك يوجد مثلها وأنت تؤمن بها فيكون دعوى الاصلاح في هذا المورد ليس إصلاحا انما هذا افسادا.
المسألة الثالثة: عمومية وقوع الشر:
الروايات التي وردت في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة. وكثير ورد بمثل هذا المضمون: «لتامرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم».. وأود ان اشير الى حقيقة تستفاد بشكل قطعي من ملاحظة سرد القران الكريم لقصص الامم السالفة وهي ان هوية المجتمع بغض النظر عن هوية الفرد. المجتمع لا يكون صالحا اذا كان اهل الرأي والسمع والطاعة فيه للجهلاء، ولا صالحا اذا كان اهل الرأي والسمع والطاعة فيه لاهل الفجور. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾ «الاسراء، 16».
لاشك ان هذه الآية المباركة تدل على ان عاقبة شيوع الفسق في القرية الواحدة هو تدمير كل القرية، وهذا امر لسنا بصدده. الكلام فقط ان القرية الفاسدة ما هي؟ القران الكريم يتكلم عن افساد القرية الفاسدة، تعذيب القرية الفاسدة. سؤال: يجب ان نواجه به انفسنا: ما هي القرية الفاسدة؟ هنا اعود لنظرية الاصلاح وانها عبادة. المجتمع الذي ينتشر فيه الفساد وتستشري فيه ظواهر الفسق والمجون لا ينجيه ان يقبع زيد وعمرو في المساجد ليقولا نهجر هذا المجتمع.
مفهوم هجرة المجتمع:
الهجرة لا تكون كذلك، زيد وعمرو مخيران بين حالتين:
- اما ان يهاجروا كما قال الله تعالى: ﴿ قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها ﴾ «النساء، 97».
- واما ان يظهروا معارضتهم لتلك الظاهرة المنهي عنها.
لم؟ لانهم لو سكتوا عن هذه الظاهرة سوف يرسخ في هذا المجتمع رئاسة اهل الفساد والفسق. وبالتالي يكون حال هذا المجتمع ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا رأي لمن لا يطاع». فاذا وجد من له رأي ولكنه لا يطاع كان هذا المجتمع مجتمعا فاسدا يستحق العذاب. والعذاب درجات ومنه: الاستئصال، ومن درجاته ما ورد في الرواية: «لم يزل أمرهم في انفكاك» أي يزداد هذا المجتمع في انحطاط بمقدار انزواء اهل الصلاح، وتصدي اهل الفساد، وبذلك يزداد المجتمع انحطاطا. وهكذا ولا يكفي اهل الصلاح ان يقولوا قد اجتنبناهم. حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ واذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون ﴾ «الاعراف، 164».
المجتمع الصالح:
اما الذي ياخذ الجانب السلبي ويقول انني لم ارض. فقد ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام): «من لم ينصر الحق فقد خذله». ووجد في التاريخ عن بعض الصحابة من قبع في بيته بدعوى اجتناب الفتنة وان الساعي فيها شر من القاعد، والقاعد فيها شر من المضطجع وهكذا. وأسماؤهم معروفة في التاريخ هؤلاء يستحقون من العذاب ما استحقه من وقف في جه امير المؤمنين (عليه السلام)، لأن المآل والنتيجة واحدة. والذي ساعد المجتمع على ان يستعصي على مثل أمير المؤمنين (عليه السلام), هو هذه المسألة.
ولذلك نقول ان المجتمع الفاسد هو من يكون الرأس فيه لأهل الفسوق والطاعة فيه لأهل الفجور. واما المجتمع الصالح فليس هو المجتمع الذي يكون فيه صلحاء، بل المجتمع الذي يتبع الصلحاء، ويبتغي الصلاح ويرفض اأهل الفسق والفجور والإفساد.
لذلك لو طبقنا هذا على المجتمع النبوي، القران الكريم يقول: ﴿ ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين امنوا ﴾ «البقرة، 8-9». القران الكريم يقسم المجتمع في عهد النبوة الشريفة الى فريقين: فريق فساد، وفريق صلاح وايمان. هؤلاء المنافقون يقال لهم لا تفسدوا في الارض، قالوا انما نحن مصلحون. هؤلاء كان يواجههم فريقان: فريق مؤمن كان يرفضهم ويرفض مبايعتهم ومعاشرتهم وغير ذلك. وهؤلاء هم الذي وقفوا مع النبي الى ما بعد وفاته. وهناك اناس يخالطون هؤلاء ويقولون نحن معهم بألسنتنا وخلافهم في قلوبنا، هؤلاء زادهم الله مرارة وأصابهم بعض ما أصاب هؤلاء المنافقين من العذاب لانهم لم ينهوا المنافقين. والنهي ان يتمعر وجه الانسان كما ذكرنا ذلك سابقا. وان يغيره بيده وادنى مراتب التغيير ان يجتنب الانسان هؤلاء بحيث يوجد في المجتمع ظاهرة تكون معارضة لظاهرة الفساد.
نسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم الصلاح والإصلاح والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله.
بقلم: الشيخ جعفر النمر

الروابط
المقالات: أسباب ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) *
مواقع الإنترنيت: شبكة أنصار الصحابة المنتجبين
مفاتيح البحث: الإمام المهدي (عليه السلام)،
المجتمع الإسلامي،
عاشوراء،
الملائكة تستغفر لزوار الحسين،
كربلاء،
صلاح ذات البين،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة