حين نطالع آيات القرآن الكريم نجد أنَّ الله تعالى نسب العبد والعباد إلى نفسه، فقال: عبادي، وبعبده، وعباد الله، وعبادُ الرحمن.. إلى غير ذلك من التعابير، والتي تنسب العباد إلى الله تعالى.. وقد تتبَّعتُ آيات الذكر الحكيم، فوجدتُ أنَّ عددَ مرَّاتِ نسبة العبد أو العباد إلى الله تعالى، تبلغ: (85) مرة، وذلك على التفصيل التالي: بعبادي: 3 مرَّات، بعبدِه: 1 مرَّة واحدة، عبادَ الله: 6 مرَّات، عبادِ: 4 مرَّات، عبادُ الرَّحمن: 3 مرَّات، عبادُ الله: 1 مرَّة واحدة، عبادَُِنا: 11 مرَّة، عبادَِه: 25 مرَّة، عباديَْ: 12 مرَّة، عبدُ الله: 2 مرَّتان، عبدَِنا: 5 مرَّات، عبدَِه: 6 مرَّات، لعبادِنا: 1 مرَّة واحدة، لعبادِه: 3 مرَّات، لعباديَْ: 2 مرَّتان. وهذه النسبة، أي نسبة العبد أو العباد إلى الله تعالى، قضية تتَّفق مع المرتكز التوحيدي في ذهنية جميع المعتقدين بالله تبارك وتعالى، وبأنَّه تعالى المعبود الوحيد، ولا شريك له في العبادة. إلاَّ أنَّنا نجد في القرآن الكريم تعبيراً ينسب العباد إلى غير الله تعالى، وذلك في قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة النور: 32] وهذه النسبة تبدو غريبة؛ إذْ نسبةُ العباد إلى الله مفهومة، ولكن ما معنى نسبة العباد إلى الناس؟ وهل هذا من التناقُض في القرآن الكريم؟ إجابة عن هذا الاستفهام نقول: من أوضح الواضحات لدى كلِّ مسلم أنَّ القرآن الكريم لا يمكن أن يشتمل على تناقض؛ لأنَّه كلام الله تعالى، والتناقُض إنَّما يحصل بسبب الجهل أو الغفلة، والله تعالى منَزَّهٌ عن ذلك، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.. إذاً ما هو التفسير الصحيح للنسبتين: نسبة العباد إلى الله، ثمَّ نسبتهم إلى الناس؟ الجواب: أنَّ العبودية على نحوين: 1- عبودية العبادة. 2- وعبودية الرِّق. فالمعنى الأول يرتبط بمجال الألوهية، حيث تعني: الارتباط مع الله برابطة الطاعة المطلقة والخضوع التامِّ، بوصفه – أي المعبود - ربَّ العالمين. وفي هذا المجال نقول: العبادة، ونقول: فلانٌ يعبُدُ، ونقول: فلانٌ عابدٌ.. بينما المعنى الثاني يرتبط بمجال المولى العُرفي، حيث تعني أنَّ العبد مملوكٌ، أي غير حُرٍّ، بحيث عليه أن يُنفِّذ أوامر مالكه بوصفه يملك أمره مادام لم يُعتِق رقبَتَهُ، أو لم يبعه لآخر، أو لم ينعتق العبدُ بسبب آخر من أسباب الانعتاق. وفي المعنى الثاني لا يصحُّ أن نقول: العبادة، ولا أن نقول: فلانٌ يعبُدُ، ولا أن نقول: فلانٌ عابدٌ.. والآيات التي نسبت العبد والعباد إلى الله تعالى، كانت تعبِّر بالمعنى الأوّل، أي العبودية في مجال العبادة والعلاقة بين العبد وربِّه تبارك وتعالى. في حين أنَّ آية سورة النور، حين نسبت العباد إلى الناس، كانت تُعبِّر بالمعنى الثاني، أي العُبوديَّة في مجال الرقِّ، أي مجال المملوك والمالك. وقفة مع التسمية بـ عبد الحسين ونحوه: كثير من أتباع ومحبِّي النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم، يتسمَّون بـ عبد النبي، أو عبد الزهراء، أو عبد الحسين... ونحوها، فتجد قليلي الاطِّلاع يتَّهمونَهم بالشرك، بدعوى أنَّ العبودية لله فحسب، والعبودية لغيره شرك.. ونحن نقول لهؤلاء الأشخاص: كلامكم صحيح في مجال العبودية بالمعنى الأوّل، أي عبودية العبادة في مجال الله تعالى وعباده.. إلاَّ أنَّ هناك معنًى آخر للعبودية، وهو عبودية الرِّقِّ، التي ترتبط بالمالك والمملوك من الناس، وقد عبَّر القرآن عن ذلك بقوله تعالى في سورة النور: (... عِبَاْدِكُمْ...)، وهذا يعني أنَّه يجوز التسمِّي بالعبودية لغير الله تعالى إذا كان المقصود بالعبودية معنى الرِّق. والمؤمنون يقصدون هذا المعنى – أي الثاني – حين يختارون هذه الأسماء ويرضونَها. وقد يُطرح اعتراض آخر مضمونه: العبودية بمعنى الرِّق لا معنى لها وقد توفِّي النبي والحسين وغيرهم.. فنجيب: إنَّ معنى عبودية الرِّق هنا معنى تشريفي إيماني، بمعنى أنَّ صاحب هذه التسمية – انطلاقاً من مشاعره الإيمانية - يعبِّر عن رغبته في أن يكون –تحصيلاً للشرف- عبداً مملوكاً خادماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو للحسين عليه السلام، أو لغيرهما من أولياء الله تبارك وتعالى. فهذه التَّسمية عنوانٌ يُجسِّد عُمقَ الْمَحبَّةِ الراسخة للنبي وآله صلوات الله عليه وآله، وهذه المحبَّة من أُسُس الإيمان، وممَّا دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (... قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...) (سورة الشورى: 23). والحمد لله ربِّ العالمين. بقلم: صوت الاستقامة