شعّ في شبه الجزيرة العربية الإسلام بما يحمل من قيم وأخلاق وغيرها من الأمور، بحيث أصبح كل من تعاليمه طريق يسلك، ونموذج يحتذى، وقد كانت الجزيرة العربية مجموعة من المجموعات المختلفة، فمنهم الحنفاء والمشركين، واليهود والمسيحيين، وغيرهم.. فلما كان الإسلام عايشه اليهود في بادئ الأمر، لأنهم وجدوه قريباً منهم، ولكن كانت لهم محاولات يكيدون فيها لهذا الدين، ويحاولون أن يزلزلوا أركانه ويبددوا سلطانه.
المعاهدات بين المسلمين ويهود يثرب
كانت المشكلة التي واجهها الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) في المدينة غير يهود المدينة، هي اليهود الذين كانوا يقطنون المدينة وخارجها، بحيث كانوا يمسكون بأزمة التجارة والاقتصاد في تلك المنطقة. لقد كان الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) يدرك جيداً أنه ما لم تصلح الأوضاع الداخلية في المدينة وما لم يضم إلى صفوفه يهود يثرب، فطالما لم يستتب الأمن في مركز الحكومة الإسلامية لن يتمكن من الدفاع عنها ضد العدو. ولقد حصل بين يهود المدينة والمسلمين نوعاً من التفاهم في بداية هجرتهم، لأن كلا الجانبين كان موحدين لله ويرفضان الأوثان، فكان اليهود يتصورون أنهم يستطيعون أن يأمنوا حملات المسيحيين ويحافظوا على علاقتهم بالأوس والخزرج. ومن هنا حاول النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يقيم معاهدة تفاهم فيما بينهم، والمقصود بين يهود المدينة (الأوس والخزرج)، أما يهود بني قينقاع والنضير وقريظة فوقّع عقد معاهدة مستقلة، وجوهرها: عدم الخيانة بين المتعاهدين، مراعاة حقوق بعضهم البعض، عدم تضارب المصالح، وأن لا يأخذ مشرك بالمؤمن.
ممارسات اليهود التخريبية
أخذ المسلمون يتزايدون يوماً بعد يوم، وتزايدت بذلك قوتهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وهذا ما أحدث قلقاً في الأوساط اليهودية الدينية التي تفاجأت بهذا الأمر الغير متوقع، من هنا بدأت محاولاتهم التخريبية، مثل طرح الأسئلة الدينية وإثارتها على الرسول (صلّى الله عليه وآله) والمؤمنين، بغية زلزلة وزعزعة إيمان المسلمين فيما بينهم، فكان الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) ينطق بالحق، وقد ذكرت بعضها في سورة البقرة والنساء، وكانت هذه المناظرات سبب يقظة بعض اليهود الذين كانوا يدخلون بالإسلام، وقد أسلم عدد من علمائهم وغيرهم.
محاولة اليهود للقضاء على الإسلام
لم تكن هذه المحاولات إلا لإظهار الرسول (صلّى الله عليه وآله) بموقف الضعيف، ولكنها كانت مقوية له ومظهرة للجانب الغيبي في شخصيته، ففي أجواء هذه المحاولات كانت بعض المحاولات لتفريق المسلمين فيما بينهم، وهكذا ونحن نعرف قصة الأوس والخزرج المشهورة قبل الإسلام، ومن هنا أرسلوا أحد الغلمان يذكرهم بما حدث، ويؤاجج نفوسهم نار الجاهلية وحرب داحس، وانشد بعض الأشعار، فتتازعوا فيما بينهم وتواعدوا، حتى وصل ذلك إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فخرج إليهم وهو يذكرهم بنعمة الإسلام، فعاد كل فريق إلى موقعه، وكانت محاولات يهودي اسمه شاس، وهناك محاولة قتلالرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولكن الإرادة الإلهية لم تشأ ذلك.
أعمال اليهود والغزوات عليهم
أخذ اليهود يضايقون بعض القوافل التجارية وينهبوها، وأخذوا يتعرضون للنساء المسلمات في الأسواق، وكثيراً ما تعرف قصة المرأة المسلمة التي دخلت إلى السوق فعلقوا ردائها فانكشف، فقُتل اليهودي فقَتلوا المسلم، ومن ثم إخراجهم من المدينة بني قينقاع، وبني النضير بعد ذلك في غزوة الأحزاب، فسكنوا خيبر أو وادي القرى أو نزلوا في الشام. وقد كانت خيبر تشكل خطراً على الإسلام بشكلٍ كبير، وكانت أرضها خصبة، ومنها سبع حصون لليهود كانت قبل البعثة، وكانت مجهزة بكل الوسائل الاقتصادية من زراعة وصناعة وغيرها، وكان فيها ما يقارب العشرين ألف نسمة، بينهم عدد كبير من المقاتلين الشجعان. ولقد شجع اليهودُ القبائلَ على محاربة المسلمين، وهذا ما حصل في معركة الأحزاب لاجتياح المدينة، وحدث ما حدث من حكمة الرسول وفي أجداء الكثير من الأمور، وذهبوا إلى خيبر، حيث جهّز الرسول جيشاً كبيراً لذلك، وبرز عليهم إلى باب الحصن، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): برز الإيمان كله للشرك كله، فكان النصر بأن دخل إلى الحصون واستولى على ما فيها، وقتلوا الرجال وسبوا النساء وغير ذلك.. فكان إخراج بني القينقاع والنظير في المدينة الخطوة الأولى، والقضاء عليهم في خيبر الخطوة الثانية.
الخاتمة
كان اليهود كما هم ناكثو العهود والمواثيق متخاذلين، لا يراعون ما عهد وغير ذلك، يحاولون في كل مرة أن يطفؤوا نور الإسلام الساطع، ولكنهم كانوا يبوؤون بالفشل الذريع، لأن إرادة الله عزوجل قوة كل إرادة، وهكذا لم يستطع اليهود دائماً ان يفعلوا شيئاً أمام قوة الإسلام المتمادية، بل أصبحوا مشردين أذلاء مفرقين في البلدان، لا وجود لهم بشكل فعلي في الجزيرة العربية، وكانت أساليبهم تقوم على كثير من الأساليب، منها: دعم المنافقين، دس الخلافات بين القبائل، وخاصةً بين الأوس والخزرج، اعتراض القوافل المتجهة إلى الشام، مما أدى إلى تفاقم الوضع وثم محاربتهم وتشريدهم في بقاع الأرض.