حصلت غزوة تبوك في التاسع والعشرين من رجب 9 هـ، وهي آخر غزوة غزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتسمّى بغزوة العسرة.
سبب الغزوة
كان سبب الغزوة هو: أنّ الصيافة كانوا يقدمون المدينة من الشام ومعهم الدرموك والطعام، فأشاعوا بالمدينة المنوّرة، أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عسكر عظيم، وأنّ هرقل قد سار في جمع جنوده، وجلب معهم غسان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قدم عساكره البلقاء، ونزل هو حمص. فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه إلى تبوك، وهي من بلاد البلقاء، وبعث إلى القبائل حوله، وإلى مكّة، وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة، فحثّهم على الجهاد والغزو. وقد بيّن (صلى الله عليه وآله) للناس بعد السفر، وشدّة الحر، وكثرة العدو، ليتأهبوا، وأمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوّة به، ومن كان عنده شيء أخرجه، فتحملّوا صدقات كثيرة، وذلك في زمن عسرة من الناس، فسمّي ذلك الجيش جيش العسرة. وضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عسكره فوق ثنية الوداع بمن تبعه من المهاجرين، وقبائل العرب، وبني كنانة، وأهل تهامة ومزينة وجهينة وطي وتميم. واستعمل الزبير على راية المهاجرين، وطلحة بن عبيد الله على الميمنة، وعبد الرحمن بن عوف على الميسرة، وسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى نزل الجرف، فلمّا انتهى إلى الجرف لحقه الإمام علي (عليه السلام)، وأخبره بما قائله المنافقون في حقّه.
استخلاف الإمام علي (عليه السلام)
لمّا أراد النبي (صلى الله عليه وآله) الخروج إلى غزوة تبوك، استخلف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهله وولده وأزواجه ومهاجره. فقال له: يا علي إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فحسده أهل النفاق، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلموا أنّها تتحرّس به، ولا يكون للعدو فيها مطمع، فساءهم ذلك لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاف عند خروج النبي (صلى الله عليه وآله) عنها، فأرجفوا به (عليه السلام) وقالوا: لم يستخلفه رسول الله إكراماً له ولا إجلالاً ومودة، وإنّما استخلفه استثقالاً له. فلمّا بلغ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وفضيحتهم، فلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً، فقال رسول الله: إرجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي، ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي، فقال (عليه السلام): قد رضيت، فرجع إلى المدينة. وقيل: إنّما لم يستصحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) معه لما أخبره الله تعالى بأنّه لا يلقى حرباً، فكان بقاؤه (عليه السلام) في المدينة أهمّ للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين، وهذا أمر واضح جلي.
عدد المسلمين
أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ بطن من الأنصار، والقبائل من العرب أن يتّخذوا لواء أو راية، وخرج (صلى الله عليه وآله) في ثلاثين ألفاً من الناس، وعشرة آلاف فرس حتّى قدم تبوك.