قصة أصحاب الفيل
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » قصة أصحاب الفيل

 البحث  الرقم: 522  التاريخ: 29 ذو القعدة 1429 هـ  المشاهدات: 10175
ذكر المفسِّرون والمؤرِّخون هذه القصة بأساليب مختلفة، واختلفوا في سنة وقوعها، لكن أصل القصة متوافرة، ونحن نذكرها ـ بتلخيص ـ استناداً إلى الروايات المعروفة في: (سيرة بن هشام: 1/38 ـ 62)، (بلوغ الأرب: 1/250 ـ 263)، (بحار الأنوار: 15/130 وما بعدها)، (مجمع البيان: 10/542).
ذو نواس ملك اليمن اضطهد نصارى نجران قرب اليمن، كي يتخلُّوا عن دينهم (ذكر القرآن قصة هذا الاضطهاد في موضوع أصحاب الأخدود في سورة البروج، وبيَّناها بالتفصيل هناك)، بعد هذه الجريمة نجا من بين النصارى رجل اسمه دوس، وتوجَّه إلى قيصر الروم، الذي كان على دين المسيح، وشرح له ما جرى.
ولمَّا كانت المسافة بين الروم واليمن بعيدة، كتب القيصر إلى النجاشي ـ حاكم الحبشة ـ، لينتقم من ذو نواس، لنصارى نجران، وأرسل الكتاب بيد القاصد نفسه.
جهَّز النجاشي جيشاً عظيماً يبلغ سبعين ألف محارب بقيادة ـ أرياط ـ، ووجَّهه إلى اليمن، وكان ـ أبرها ـ أيضاً من قوَّاد ذلك الجيش، اندحر ـ ذو نواس ـ، وأصبح ـ أرياط ـ، حاكماً على اليمن، وبعد مدة ثار عليه ـ أبرها ـ، وأزاله من الحكم وجلس في مكانه.
بلغ ذلك النجاشي، فقرَّر أن يقمع ـ أبرها ـ، لكن أبرها أعلن استسلامه الكامل للنجاشي ووفاءه له، حين رأى النجاشي منه ذلك، عفا عنه وأبقاه في مكانه.
وأبرها من أجل أن يثبت ولاءه، بنى كنيسة ضخمة جميلة غاية الجمال، لا يوجد على ظهر الأرض مثلها آنذاك، وقرَّر أن يدعو أهل الجزيرة العربية لأن يحجُّوا إليها بدل ـ الكعبة ـ، وينقل مكانة الكعبة إلى أرض اليمن.
ارسل أبرها الوفود والدعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز، يدعونهم إلى حج كنيسة اليمن، فأحسَّ العرب بالخطر، لارتباطهم الوثيق بمكَّة والكعبة، ونظرتهم إلى الكعبة على أنَّها من آثار إبراهيم الخليل (عليه السلام).
تذكر بعض الروايات أنَّ مجموعة من العرب جاؤوا خفية وأضرموا النار في الكنيسة، وقيل: إنَّهم لوَّثوها بالقاذورات، ليعبِّروا عن اعتراضهم على فعل أبرها ويهينوا معبده، غضب أبرها وقرَّر أن يهدم الكعبة هدماً كاملاً للانتقام، ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد.
فجهَّز جيشاً عظيماً كان بعض أفراده يمتطي الفيل، واتَّجه نحو مكَّة، عند اقترابه من مكَّة، بعث مَن ينهب أموال أهل مكَّة، وكان بين النهب مائتا بعير لعبد المطَّلب.
بعث أبرها قاصداً إلى مكَّة، وقال له: ابحث عن كبير القوم، وقل له: إنَّ أبرها ـ ملك اليمن ـ يدعوك ويقول لك: أنا لم آتِ لحربٍ، بل جئتُ لأهدم هذا البيت، فلو استسلمتم، حُقِنَت دماؤكم.
جاء رسول أبرها إلى مكَّة، وبحث عن شريفها، فدلُّوه على عبد المطَّلب، فحدَّثه بحديث أبرها، فقال عبد المطلب: نحن لا طاقة لنا بحربكم، وللبيت ربٌ يحميه.
ذهب عبد المطَّلب مع القاصد إلى النجاشي، فلمَّا قدِم عليه، جعل النجاشي ينظر إليه، وراقه حسنه وجماله وهيبته، حتى قام من مكانه احتراماً وجلس على الأرض، وأجلس عبد المطَّلب إلى جواره، لأنَّه ما أراد أن يجلس عبد المطَّلب على سرير ملكه، ثمَّ قال لمترجمه: أسأله ما حاجتك؟ قال عبد المطَّلب: نُهبت إبِلي، فمرهم بردِّها عليَّ، فاندهش أبرها وقال لمترجمه: قل له إنَّه احتل مكاناً في قلبي حين رأيته، والآن قد سقط من عيني، أنت تتحدَّث عن إبِلك ولا تذكر الكعبة!، وهي شرفك وشرف أجدادك، وأنا قدمت لهدمها، قال عبد المطَّلب: أنا ربُّ الإبل، وللبيت ربٌّ يحميه.
عاد عبد المطَّلب إلى مكَّة، وأخبر أهلها أن يلجأوا إلى الجبال المحيطة بها، وذهب هو وجمع معه إلى جوار البيت ليدعو، فأخذ حلقة باب الكعبة وانشد أبياته المعروفة:
لاهُمَّ إنَّ المرءَ يمنعُ رَحْ * لــه فـامـنع رحـالك
لا يَـغْلِبَنّ صليبُهم ومحا * لـهـم أبــداً مـحالك
جرُّوا جميع بلادهم والفي * ل كـي يـسبوا عـيالك
لاهُمَّ إنَّ المرءَ يمنعُ رَح * ْلــه فـامـنع عـيالك
وانـصر على آل الصلي * ب وعـابديه الـيوم آلك
ثمَّ لاذَ عبد المطَّلب وجمع من قريش بإحدى شِعاب مكَّة، وأمر أحد ولْده أن يصعد على جبل (أبو قبيس) ليرى ما يجري، عاد الابن مسرعاً إلى أبيه، وأخبره أنَّ سحابة سوداء تتَّجه من البحر (البحر الأحمر) إلى أرض مكَّة، استبشر عبد المطَّلب وصاح: يا معشر قريش، ادخلوا منازلكم! فقد أتاكم الله بالنصر من عنده.
من جانب آخر، توجَّه أبرها راكباً فيله المسمَّى ـ محموداً ـ، مع جيشه الجرَّار مخترقاً الجبال ومنحدراً إلى مكَّة، لكن الفيل أبى أن يتقدَّم، أمَّا حينما يوجِّهوه نحو اليمن، يهرول. تعجَّب أبرها من هذا وتحيَّر.
وفي هذه الأثناء وصلت طيور قادمة من جانب البحر كأنَّها الخطاطيف، وهي تحمل حجراً في منقارها وحجرين في رجلها، بحجم الحمُّصة، وألقوها على جيش أبرها، فأهلكتهم، وقيل: إنَّ الحجر كان يسقط على الرجل منهم، فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر.
ساد الجيش ذعرٌ عجيب، فهلك منه مَن هلك، وفرَّ مَن استطاع الفرار، صوب اليمن، وكانوا يتساقطون في الطريق، أصيب أبرها بحجر وجُرح، فأعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه، وهناك فارق الحياة، وقيل: إنَّ مرض الحصبة والجدري شُوهد لأوَّل مرَّة في أرض العرب في تلك السنة، وقيل: إنَّ أبرها جاء بفيل واحد كان يركبه، واسمه محمود، وقيل: بل ثمانية أفيال، وقيل: عشرة، وقيل: إثني عشر.
وفي هذا العام ولد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حسب الرواية المشهورة، وقيل: إنَّ بين الحادثتين ارتباطاً.
على أيِّ حال، فإنَّ أهمية هذه الحادثة الكبرى، بلغت درجة تسمية ذلك العام بـ: عام الفيل، وأصبح مبدأ تاريخ العرب.
المصدر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج20، ص465.

الروابط
الأشخاص: آية الله ناصر مكارم الشيرازي [المراسل]
مواقع الإنترنيت: شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)
مفاتيح البحث: أصحاب الفيل
المواضيع: تاريخ الإسلام

الفهرسة