البحث الرقم: 532 التاريخ: 3 ذو الحجّة 1429 هـ المشاهدات: 11980
سُمِّيت بذلك لأنَّ ـ قائدة الجيش ـ فضَّلت ركوب الجمل على البغال والحمير، وكانت الواقعة في 4 كانون الأوَّل سنة 646م، [فضائل الإمام عليٍّ (عليه السلام): 128، عن بروكلمن في ـ تاريخ الشعوب الإسلامية ـ]، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36هـ، [فضائل الإمام عليٍّ (عليه السلام): 128، عن الواقدي والمسعودي]. وكانت الوقعة خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد، [سير أعلام النبلاء: سيرة الخلفاء الراشدين: 254]، وكان عسكر الإمام عشرين ألفاً، وعسكر عائشة ثلاثين ألفا، ً [الكامل في التاريخ: 3/241 ـ 242]. ولمَّا التقى الجمعان قال الإمام (عليه السلام) لأصحابه: لا تبدأوا القوم بقتال، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح، وإذا هزمتموهم فلا تتَّبعوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثِّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً.. ولا تهيجوا إمرأةً بأذى، وإن شتمن أعراضكم وسَبَبنَ أمراءكم وصلحاءكم، [الكامل في التاريخ: 3/242 ـ 243]. وقيل: إنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني، أمره عليٌّ (عليه السلام) فحمل مصحفا، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله فقُتل، [سير أعلام النبلاء؛ سيرة الخلفاء الراشدين: 259]. ثمَّ أخذ أصحاب الجمل يرمون عسكر الإمام بالنبال، حتى قُتل منهم جماعة، فقال أصحاب الإمام (عليه السلام): عقرتنا سهامهم، وهذه القتلى بين يديك. عند ذلك استرجع الإمام (عليه السلام) وقال: اللَّهمَّ اشهد، ثُمَّ لبس درع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وتقلَّد سيفه، ورفع راية رسول الله السوداء المسمَّاة بالعقاب، فدفعها إلى ولده محمَّد بن الحنفية. وتقابل الفريقان للقتال، فخرج الزبير، وخرج طلحة بين الصفَّين، فخرج إليهما عليٌّ، حتى اختلفت أعناق دوابِّهم، فقال عليٌّ (عليه السلام): لعمري قد أعددتما سلاحاً وخيلاً، ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً، فاتَّقيا الله، ولا تكونا (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنكَاثاً)، [سورة النحل: 92]، ألم أكن أخاكما في دينكما، تُحرِّمان دمي، وأُحرِّم دمكما، فهل من حدثٍ أحلَّ لكما دمي؟! . قال طلحة: ألَّبت على عُثمان. قال عليٌّ (عليه السلام): (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقّ)، يا طلحة، تطلب بدم عُثمان؟!، فلعن الله قتلة عُثمان، يا طلحة، أجئت بِعرس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تقاتل بها، وخبَّأتَ عرسك في البيت؟!، أما بايعتني؟! . قال: بايعتك والسيف على عنقي!. فقال عليٌّ (عليه السلام) للزبير: يا زبير، ما أخرجك؟، قد كنَّا نعدُّك من بني عبد المطَّلب حتى بلغ ابنك، ابن السوء، [يريد ابنه عبد الله]، ففرَّق بيننا، وذكَّره أشياء، فقال: أتذكر يوم مررت مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في بني غنم، فنظر إليَّ، فضحك، وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك: ليس به زهوٌ، لتقاتلنَّه وأنت ظالم له؟ . قال: اللَّهمَّ نعم، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أُقاتلك أبداً. فانصرف الزبير إلى عائشة، فقال لها: ما كنتُ في موطن منذ عقلت إلاّ وأنا أعرف فيه أمري، غير موطني هذا. قالت: فما تريد أن تصنع؟. قال: أُريد أن أدعهم وأذهب. قال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين، حتى إذا حدَّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟!، لكنَّك خشيت رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنَّها تحملها فتيةٌ أنجاد، وأنَّ تحتها الموت الأحمر، فجبنت!. فأحفظه ـ أي: أغضبه ـ ذلك، وقال: إنِّي حلفتُ ألاّ أُقاتله. قال: كفِّر عن يمينك، وقاتله. فأعتق غلامه ـ مكحولاً ـ، وقيل: سرجيس. فقال عبد الرحمان بن سلمان التميميُّ: لم أرَ كاليوم أخا إخوانِ * أعْجَبَ من مُكَفِّرِ الإيمان بالعتق في معصية الرحمان، [تاريخ الطبري: 5/200، الكامل في التاريخ: 3/239، مستدرك الحاكم: 3/366 ـ 367]. وقيل: إنَّه عاد ولم يقاتل الإمام (عليه السلام)، [الإمامة والسياسة: 73]. واحتدمت المعركة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً لم يشهد تاريخ البصرة أشدَّ منه، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمى طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ (عليه السلام)!، يرميه فيرديه ويقول: لا أطلب بثأري بعد اليوم، [سير أعلام النبلاء ـ ترجمة الإمام عليٍّ ـ: 255، وانظر؛ الكامل في التاريخ: 3/128]. واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ، لم يرَ سوى الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي، فتتهاوى أجساد المسلمين على الأرض. ولمَّا رأى الإمام هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً مادام الجمل واقفاً على قوائمه قال: ارشقوا الجمل بالنبل، واعقروه وإلاّ فنيت العرب، ولا يزال السيف قائماً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض، فقطعوا قوائمه، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف، فهوى إلى الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه، فتفرَّق مَن كان حوله كالجراد المبثوث، وبقيت قائدة المعركة لوحدها في ميدان الحرب!، وانتهت المعركة بهزيمة المتمرِّدين من أصحاب الجمل. أمَّا الإمام (عليه السلام) فقد هاله موقف المسلمين منه، حتى ساقهم هذا العصيان والتمرُّد على الحقِّ إلى مثل هذا المصير، فوقف بين قتلاه وقتلى المتمرِّدين، تحيط به هالة القلق والتمزُّق فقال: هذه قريشٌ، جَدَعْتُ أنفي وشفيتُ نفسي، لقد تقدَّمت إليكم أُحذِّركم عضَّ السيوف، وكنتم أحداثاً لا علم لكم بما ترون، ولكنَّه الحَين، [الحين: الهلاك]، وسوء المصرع، فأعوذ بالله من سوء المصرع، [الإرشاد: 1/254 [. ثمَّ أمر عليٌّ (عليه السلام) نفراً، أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلى، وأمر أخاها محمَّد بن أبي بكر أن يضرب عليها قُبَّةً، وقال: انظر هل وصل إليها شيء من جراحة؟ ، فأدخل رأسه في هودجها، فقالت: مَن أنت؟، قال: أبغض أهلك إليك، قالت: ابن الخثعمية؟، قال: نعم، قالت: بأبي، الحمد لله الذي عافاك!، [الكامل في التاريخ: 2/140]. فلمَّا كان الليل، أدخلها أخوها محمَّد بن أبي بكرالبصرة، في دار صفية بنت الحارث، ثمَّ دخل الإمام (عليه السلام) البصرة، فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة.. ثمَّ جهَّز عليٌّ (عليه السلام) عائشة بكلِّ ما ينبغي لها من مركبٍ وزادٍ ومتاعٍ وغير ذلك، وبعث معها كلَّ مَن نجا، ممَّن خرج معها، إلاّ مَن أحبَّ المقام، واختار لها أربعين امرأةً من نساء البصرة المعروفات، وسيَّر معها أخاها محمَّد بن أبي بكر، [الكامل في التاريخ: 2/144]. وقيل: إنَّه لمَّا أُخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل، فتكلَّم فيه الحسن والحسين (عليهما السلام) فخلَّى سبيله، فقالا له: يبايعك، يا أمير المؤمنين؟ ، فقال (عليه السلام): ألم يبايعني بعد قتل عُثمان، لا حاجة لي في بيعته، أما إنَّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأُمَّة منه ومن ولده موتاً أحمراً، فكان كما قال (عليه السلام)، [إعلام الورى: 1/340]. ورُبَّ سائل يسأل: ما هي الآثار التي تركتها فتنة الجمل؟ فيُجيب الأستاذ محمَّد جواد مغنية بقوله: لولا حرب الجمل لَما كانت حرب صفِّين والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين الزبيريِّين والأُمويِّين، ولا بين الأُمويِّين والعباسيِّين، ولَما افترق المسلمون إلى سُنَّة وشيعة، ولَما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون على التفريق والشتات، ولَما صارت الخلافة الإسلامية مُلْكاً يتوارثها الصبيان، ويتلاعب بها الخدم والنسوان. لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص، لأنَّها السبب لضعف المسلمين وإذلالهم، واستعبادهم وغصب بلادهم، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس المسلمين بينهم، يقتل بعضهم بعضاً، بعد أن كانوا قوَّةً على أعدائهم، كما فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية، التي أودت بكيان المسلمين ووحدتهم، ومهَّدت لحكم الترك والديلم والصليبيِّين وغيرهم، وباختصار: لولا فتنة الجمل لاجتمع أهل الأرض على الإسلام، لأنَّ رحمته تشمل الناس أجمعين، (وَمَا أرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين)، وقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّما أنا رحمة مهداة، [فضائل الإمام عليٍّ: 138 ـ 139]. [اقتباس شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)، من كتاب: الإمام علي (عليه السلام) سيرة وتاريخ، إعداد: مركز الرسالة، ص200 ـ 205].