البحث الرقم: 539 التاريخ: 6 ذو الحجّة 1429 هـ المشاهدات: 5105
الشوق إلى زيارة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علامة من علامات الحب والدين، والدين في أصوله الأصيلة هو الحب لله ولأنبياء الله وأوليائه المقرّبين، بما يستلزمه هذا الحب من المشايعة والمتابعة والاقتداء. والشعور بالعاطفة الروحية المتدفّقة للوقوف وقوف أدب في محضر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ـ تقديماً للتحايا والسلام والبوح بلواعج القلب ـ هو حالة إنسانية نبيلة مُعافاة.. ذلك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو حقيقة العبودية الكاملة لله، وهو المثل الأعلى، والوسيلة العظمى التي أمرنا الله سبحانه باتّخاذها إليه. ورسول الله الذي اصطفاه الله من بين الخلائق وفضلّه حتّى على أنبيائه وكبار ملائكته.. هو نفسه رسول الله في حياته وبعد وفاته. وإذا كان جسده المقدس قد غُيِّب عنّا.. فانّ روحه العظيمة روحٌ باقية بما فيها من التألّه والقداسة والحضور والحياة التي لا تعرف الموت.. لأنها روح من الله الذي هو فوق الآزال والآباد، ومرتبطة بالله الحي القيّوم الذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم. إنّ الارتباط الروحي بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) واستشعار محضره الأنور، يغذّي الإنسان بمعاني التوحيد والعبودية لله، ويملأه بفيضٍ إنساني كريم وببركات لا تعرف الحدود. من هنا ـ أيها الاصدقاء ـ تبدو ضآلة من لا يعتقد بالزيارة، ولا يمارسها. ومن هنا أيضاً تبدو تفاهة مَن يُعادي الأشواق الروحية المحلّقة إلى الروضة النبوية الشريفة.. فإذا هذا المُعرِض عن الزيارة المُعارِض لها «ميّت» الباطن، كأنّه خُشُب مُسنَّدة، كما يقول القرآن الكريم. الإنسان المقطوع عن الارتباط الروحي بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعن الزيارة ـ وإن ادّعى الإسلام ـ إنّما هو «شيء» نظري كألفاظ جوفاء معلّقة في الهواء، خالية من المعنى وفارغة من المضمون. «شيء» ليست له جذور في الواقع الإنساني، ولا الواقع الاجتماعي، ولا الواقع التاريخي. إنه إنسان بلا حضارة.. بلا لون ولا طعم ولارائحة.. إنسان بلا هويّة.. بلا إنسانية.. بلا معانٍ مقدسة تنبض في قلبه وتعطّر حياته. ومثل هذا الإنسان البائس المريض.. ما أسهلَ ما تعبث به الشياطين وتُدخِله في وثنيّة متحجّرة، ليست لروح الأشياء عندها من قيمة!في هذا الأفق ـ أيّها الأصدقاء ـ، نتابع بعضاً ممّن كانت تحدو بهم أشواقهم الروحية للتشرّف بزيارة البقعة النبوية الطاهرة، المتلألئة بالأنوار القدسية.. وهم يعبّرون عن أشواقهم وزياراتهم بالقول الشعري، أو بالممارسة العملية للزيارة، التي هي من أبرز شعائر الله عزّوجلّ. وهذه صور من ظاهرة الزيارة النبوية، التي هي من سيرة الملايين من المسلمين طيلة التاريخ. شِعر.. وأشواق • إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي بن جمال الثناة الشيباني البصري (ت 848 هـ)، قال وهو في مكة يتشوّق لزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ألاَ ليت شِعري.. هل أزور محمداً * وأدخُـلُ من باب السلام مُسـلِّما على صفوةِ الرحمنِ من آلِ هاشمٍ * نبيّ له اللهُ اصطـفى ثمّ كَلّـما؟ [الدر الكمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 1001: 2] • عليّ بن معمَّر بن سليمان البجائي المكي (781 ـ 852 هـ): ألاَ ليت شعري.. هل أزورَنّ روضةً * بها خيرةُ الله المهيـمنِ ذي الفـضلِ وألتمـسُ الأفـضالَ من بابِ بِـرِّهِ * فخيـرُ الورى أهل السماحةِ والبذلِ وأُنشـد مِن عِـظْم التشـوّقِ قائلاً: * أقِلْني من الأوزار يا سـيّدَ الـرُّسْلِ وهَـل أرِدَنْ من ماءِ زرقـاءَ شربةً * لِيَـبْرا بها سُقمي ويشفى بها غلّي؟ [الدر الكمين 170: 1] • أحمد بن أحمد بن محمد الزبيري البصري (ت 856 هـ): ألاَ ليت شعري.. هل أرى ليَ عَودةً * إلى المصطفى.. فهو البشيرُ محمدُ أُقـبِّـل مثـواهُ، وألثِـمُ تُـربَـهُ * وأشـكر ربّي عـند ذاك وأحمـدُ [الدر الكمين 433: 1] • عليّ بن إبراهيم بن علي بن راشد اليمني الإبّي (توفي بعد 856 هـ): ألاّ ليتَ شعري.. هل أزورنّ حجرةً * بهـا خيرُ هادٍ للـورى ورسولِ؟! محمّـدٌ المبعـوث من خيـر أمّةٍ * فقلـبيَ مِن ذاك الفـراقِ عليــلُ وله أيضاً: ألاَ ليت شِـعري.. هـل أرى قبّـةً * بها حبيب لـربّ العالمين رسولُ؟! محمدٌ المـختار من نسل هـاشـمٍ * وهل لي إلى تلك الديار وصولُ؟! [الدر الكمين 1001: 2] • إبراهيم بن أبي بكر بن يوسف بن جمال البصري (804 ـ 859 هـ): ألاَ ليت شعري.. هل أبيتنَّ ليلةً * بروضةِ خير المرسلينَ محمدِ؟! نبيّ له الله اصطفى مِن عِـبادهِ * وأرشَـدَنا منه إلى كلِّ مقصـدِ [الدر الكمين 591: 1] • عطاء بن عبد العزيز بن عبد الكريم القحطاني البصري (794 ـ 860 هـ): ألاَ ليت شعري.. هل أُصبِّحُ ليـلةً * وأُمسي نزيلاً في حمى سيّدِ البَشَرْ وألثـمُ تُربـاً فيه تُربـةُ أحمـدٍ * وأقضي بذاك الحِمى وَطـَرْ عليه سـلامُ الله ماهَـبّت الصَّـبا * وما لاحَ ضوءُ البرقِ وانهمَرَ المطرْ صـلاة يَفوحُ المسكُ منها ويغتدي * وعلى آله الأخيار وأصحابه الغُرَرْ [الدر الكمين 970: 2] • أحمد بن عبد القوي بن محمد بن عبد القوي البجائي المكي المالكي (ت 797 ـ 861 هـ): ألاَ ليت شعري.. هل أبيتَنَّ ليلةً * بطيبةَ حيث الطيِّـبونَ نُـزُولُ؟! وهـل أرِدُ الزرقاءَ رِيّاً وأنثـني * إلى روضةٍ.. فالظلُّ ثَمَّ ظَليلُ؟! [الدر الكمين 465: 1] • عبد القادر بن أبي القاسم الأنصاري السعدي المالكي (توفي بعد سنة 878 هـ): ألاَ ليـت شعري.. هل أبيتَـنّ ليلةً * بروضةِ خيرِ الخلقِ هادٍ ومُرسَلِ؟! وهـل أرِدَنْ عـذبَ المياهِ بطيـبةٍ * ويُنزلني فيـها بأبـركِ مَنـزلِ؟! [الدر الكمين 866: 2 ـ 867] • حسين بن محمد بن حسن بن عيسى بن نافع المكي الشافعي (794 ـ 885 هـ): ألاَ ليـت شعري.. هـل أبيتنّ ليلةً * وقد جَدّ لي نـحو النبيّ رحـيلُ؟! عـلى ضُمَّرٍ مثلِ القِسِــيِّ نواجزٍ * مراجيحَ.. أدنـى سيرِهـنَّ دَميـلُ وهـل أردُ الزرقاءَ زرقـاءَ طـيبةٍ * يحلّ بها صاحب الفؤاد عـليلُ وأدخـلُ من باب السـلام مسلّـماً * على المصطفى.. يا حبّذاكَ رسولُ شفيعٌ إذا لم يُلْقَ في الخلق شـافعٌ * له الجـاهُ في يومِ المعادِ طويـلُ [الدر الكمين 707: 1 ـ 708] زائرون من القرنين الثامن والتاسع للهجرة النبوية: • أبو بكر بن يَعَزّا بن محمد بن أبي بكر الحائري المغربي التادلي (736 ـ 827 هـ): نزيل مكة، وكان مولده بِتادل من بلاد المغرب، ونشأ بها وحفظ القرآن، وقدم إلى القاهرة سنة 779 هـ، وحجّ وزار النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وذهب إلى بيت المقدس، ثمّ عاد إلى مكة وقطن بها إلى وفاته. ولم يخرج منها بعدئذ إلاّ مرةً واحدة لزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله). [الدر الكمين بذيل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 1229: 2] • علي بن محمد بن عيسى بن عمر بن عطيف اليمني العدني الشافعي (812 ـ 886 هـ): درس في عدن على كبار العلماء، وانتقل إلى مكة فاستوطنها، ولم يخرج منها إلاّ مرّة لزيارة والده، ومرّة لزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله). وفي سنة 854 هـ ارتحل إلى مصر ولقي كبار العلماء. وزار بيت المقدس، ودخل الشام. وتصدّى لإقراء الفقه في مكة، فأخذ عنه جماعة. مات سنة 886 هـ ودفن بالمعلاّة في مكة بالقرب من الفضيل بن عياض. [الدر الكمين 1073: 2 ـ 1075] • عبد اللطيف بن أبي السرور محمد بن عبد الرحمن الحسني الفاسي المالكي (803 ـ 864 هـ): ولد بمكة ودرس بها وحدّث أيضاً. ولي إمامة مقام المالكية في المسجد الحرام سنة 872 هـ، ودخل القاهرة ودمشق وحلب وبلاد اليمن مرات. توجّه إلى القاهرة سنة 855 هـ، ثمّ إلى بيت المقدس والشام، ثمّ عاد إلى القاهرة، ومنها إلى بلاد المغرب سنة 857 هـ، فدخل تونس وقسنطينة وبجاية والجزائر ووهران وتلمسان وفاس ومكناسة، ثمّ عاد إلى مكة سنة 858 هـ، وتردّد منها مرات إلى المدينة الشريفة لزيارة جدّه سيدنا المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، فقُدّرت وفاته بها. [الدر الكمين 901: 2 ـ 903] • محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسني الايجي الشيرازي (790 ـ 855 هـ): السيد الشريف العالم الورع الزاهد. درس على والده وعلى أخيه وغيرهما. وصنّف ودرّس ونَظَم وحدّث، وأخذ عنه جماعة. أُجيز في القاهرة ومكة والمدينة. وحجّ وجاور مرّات كثيرة. وكان خيّراً مباركاً صاحب كرامات. استوطن مكة ولم يخرج منها إلاّ للزيارة النبوية، ومرة لبلاد العجم، ورجع إلى مكة. [الدر الكمين 103: 1 ـ 105] • محمد بن بركات بن حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي الحسني المكي: أمير مكة، ولد سنة 840 هـ وغدا حاكم مكة. في سنة 865 هـ توجه السيد محمد بن بركات زائراً النبيّ (صلّى الله عليه وآله). وفي ذي القعدة من هذه السنة وصل نائب جدّه الدوادار الكبير بعد زيارة المصطفى، وخرج الشريف للقائه... وفي سنة 885 هـ توجّه هو وأهله إلى الشرق، وتوجّه من هناك إلى المدينة وزار جدّه (صلّى الله عليه وآله). [الدر الكمين 103: 1 ـ 121] • عليّ بن محمد بن يحيى البعداني اليمني المكي (ت 831 هـ): محدّث قَدِم مكة وأقام بها اكثر من 40 سنة، أُجيز في الحديث إجازات عديدة. كان شيخاً صالحاً أجمع أهل الطوائف على محبّته، لأنه اتّسع خلقه لصحبتهم، وشملهم بخدمته وإنصافه وإيناسه. كثير العبادة والزيارة والتحمّل لمن يؤذيه، كثير السخاء والإحسان والبشاشة للصغار والضعفاء والفقراء وإدخال السرور عليهم بما يُفرحهم، خصوصاً أهل الحرمين بل أهل المدينة، لأن يوم وصوله إليهم كيوم عيد. وكان يعمل طعاماً للفقراء في شهر رمضان خاصة، وفي ربيع وفي الأعياد. شرع في عمارة ما انهدم من مسجد الخيف، ثمّ في بناء بئر عليّ (عليه السّلام) التي في درب الماشي، وكان قد انهدمت. وكان له محبة في قلوب سلاطين اليمن وشرفاء صنعاء ومكة وأمراء مصر، وكان صاحب مكة الشريف حسن بن عجلان يُجلّه ويعظّمه. [الدر الكمين 1091: 2 ـ 1093] • العباس بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن ظهيرة القرشي الشافعي (815 ـ 864 هـ): ولد بالقاهرة، وحُمل إلى مكّة وهو صغير، ونشأ بها ودرس، وأُجيز في مكة والمدينة. ودخل القاهرة مراراً وسمع بها، ثمّ ولي قضاء جدة سنة 857 هـ، وكان ذكياً شهماً كريماً فصيحاً. توجّه إلى المدينة الشريفة للزيارة، وتوفي بها سنة 864 هـ، ودفن في البقيع. [الدر الكمين 787: 2 ـ 788] • زينب ابنة علي بن أبي البركات محمد بن محمد بن حسين بن ظهرة القرشي (832 ـ 899 هـ): أمّها أمّ الخير بنت القاضي عز الدين النويري، أشقّاؤها قضاة، وهي والدة علماء. ولدت بمكة، وحصلت على إجازات عديدة في الحديث في مكة والمدينة والقاهرة. تزوّجها ابن عمّها القاضي جمال الدينمحمد بن نجم الدين سنة 850 هـ. توجّهت للزيارة النبوية غير مرة مع زوجها وأولادها، وكانت رئيسة حشمة متوددة بارّة بكثير من الفقراء والأرامل. توفيت عام 899 هـ وصُلّي عليها عند الحجر الأسود، ودُفنت بالمعلاّة. [الدر الكمين 1445: 2 ـ 1446]