البحث الرقم: 596 التاريخ: 17 ذو الحجّة 1429 هـ المشاهدات: 4659
القاسطون هم الظالمون، لأن الفعل حينما يأتي مجرداً: قَسَطَ، يقسِط، بمعنى: جَارَ، يَجور، أي: ظَلم، يظلم، وعلى هذا سمَّاهم الإمام علي (عليه السلام) بالظالمين. والقاسطون فئة دخلت الإسلام ظاهرياً لمصالحها الخاصة، ولم تكن تعترف بحكومة الإمام علي (عليه السلام) أساساً، ولم تُجدِ نفعاً كل الأساليب التي انتهَجها الإمام (عليه السلام) معهم. والتَفّتْ تلك الفئة حول محور بني أمية، الذي كان معاوية بن أبي سفيان أبرز شخصية فيه، ثم يأتي من بعده مروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، وغيرهم الذين شَكّلوا جبهة رفضت التفاهم والاتفاق مع الإمام علي (عليه السلام). ما بعد حرب الجَمَل: بعد حرب الجمل غادر الإمام علي (عليه السلام)البصرة مع قواته المسلحة، مُتّجها إلى الكوفة ليتخذها عاصمة ومَقرّاً له. وفور قدومه (عليه السلام) إليها، أخذ يستعد لمناهضة عدوّه معاوية في الشام، والذي كان يتمتّع بقوى عسكرية هائلة. وقبل أن يعلن الإمام (عليه السلام) الحرب على غول الشام، أوفدَ لِلُقْيَاه جرير بن عبد الله البجلي، يدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته. وقد زوّده (عليه السلام) برسالة إلى معاوية، دعاه فيها إلى الحق والحكمة الهادية لمن أراد الهداية. وانتهى جرير إلى معاوية فسلّمه رسالة الإمام (عليه السلام)، وألحّ عليه في الوعظ والنصيحة، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئاً، وإنما أخذ يطاوله ويسرف في مطاولته، فكان لا يجد لنفسه مهرباً سوى الإمهال والتسويف. ورأى معاوية انه لن يستطيع التغلب على الأحداث، إلا إذا انضمّ إليه داهية العرب عمرو بن العاص، فيستعين به على تدبير الحِيَل، ووضع المُخَطّطات التي تؤدي إلى نجاحه في سياسته، فراسله طالباً منه الحضور إلى دمشق. ولما انتهت رسالة معاوية إلى ابن العاص تَحيّر في أمره، وظل ليله ساهراً يفكر في الأمر، ولم يسفر الصبح حتى آثر الدنيا على الآخرة، فاستقرّ رأيه على الالتحاق بمعاوية، فارتحل إلى دمشق. ولما التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الإمام علي (عليه السلام)، فقال ابن العاص: أما علِي فَوَ الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإن له في الحرب لَحَظّاً ما هو لأحد من قريش، إلا أن تَظلمه. واندفع معاوية يبيّن دوافعه في حربه للإمام (عليه السلام) قائلاً: صدقْتَ، ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قَتَلَة عثمان. واندفع ابن العاص ساخراً منه، واستيقن معاوية أن ابن العاص لا يُخلص له، ورأى أنّ من الحِكمة أن يستخلصه ويعطيه جزاءه من الدنيا. فصارحه قائلاً: أَتُحبّني يا عمرو؟ فقال عمرو: لماذا، للآخرة؟! فو الله ما معك آخرة، أم للدنيا؟! فو الله لا كان حتى أكون شريكك فيها. فقال معاوية: أنت شريكي فيها. فقال عمرو: اكتب لي مِصر وكورها. فأجابه معاوية: لكَ ما تريد. وهكذا سجّل معاوية ولاية مصر لعمرو، وجعلها ثمناً لانضمامه إليه في مناهضته لوصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ظفر بداهية من دواهي العرب كان قد درس أحوال الناس، وعرف كيف يتغلب على الأحداث. رَدّ جرير: ولما اجتمع لمعاوية أمره وأحكم وضعه، رَدّ جرير وأرسل معه إلى الإمام رسالة حمّله فيها المسؤولية في إراقة دم عثمان، وعَرّفه بإجماع أهل الشام على حربه إن لم يدفع له قتلة عثمان، ويجعل الأمر شورى بين المسلمين. وارتحل جرير إلى الكوفة فأنبأ الإمام (عليه السلام) بامتناع معاوية عليه، وعظم له أمر أهل الشام. فرأى الإمام (عليه السلام) أن يقيم عليه الحُجّة مرّة أخرى، فبعث له سفراء آخرين يدعونه إلى الطاعة، والدخول فيما دخل فيه المسلمون، إلاّ أنّ ذلك لم يُجدِ شيئاً، فقد أصرّ معاوية على غَيّه وعناده حينما أيقن أن له القدرة على مناجزة الإمام ومناهضته. قميص عثمان: وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السُذَّج والبُسَطاء من أهل الشام، حزناً وأسىً على عثمان، فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر، فَيضجّون بالبكاء والعويل، واستخدم الوُعّاظ فجعلوا يهولون أمره، ويدعون الناس إلى الأخذ بثأره. وكان كلما فَتَر حزنهم على عثمان، يخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم، وقد أقسموا أن لا يَمسّهم الماء إلا من الاحتلام، ولا يأتون النساء، ولا ينامون على الفراش، حتى يقتلوا قَتَلَة عثمان. وكانت قلوبهم تَتَحرّق شوقاً إلى الحرب للأخذ بثأره، فقد شحن معاوية أذهانهم بأن علياً (عليه السلام) هو المسؤول عن إراقة دَمه، وأنه قد آوى قَتَلَة عثمان، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب، ويستعجلونه في ذلك.