كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)يأكل كلَّ الأصناف من الطعام، مع أهله وخدمه، ومع من يدعوه من المسلمين على الأرض، وعلى ما أكلوا عليه وممّا أكلوا، إلاّ أن ينزل به ضيف فيأكل مع ضيفه. وكان (صلى الله عليه وآله) إذا وضعت المائدة بين يديه يقول: بسم الله، اللَّهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنّة، وإذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله، بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أفطر قال: اللّهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبّله منّا، ذهب الظمأ، وابتلّت العروق، وبقي الأجر. وقال (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أكل عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار. وقال (عليه السلام): ما أكلرسول الله (صلى الله عليه وآله) متكئاً منذ بعثه الله (عزّ وجلّ) نبيّاً، حتّى قبضه إليه متواضعاً لله (عزّ وجلّ) . وكان (صلى الله عليه وآله) كثيراً إذا جلس يأكل بين يديه، ويجمع ركبتيه وقدميه، كما يجلس المصلّي في اثنتين، إلاّ أنّ الركبة فوق الركبة، والقدم على القدم، ويقول: أنا عبدٌ آكلُ كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أكل سمّى، ويأكل بثلاث أصابع وممّا يليه، ولا يتناول من بين يدي غيره، ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثمَّ يشرعون، وكان يأكل بأصابعه الثلاث: الإبهام والتي يليها والوسطى، وربّما استعان بالرابعة، وكان يأكل بكفّه كلّها، ولم يأكل بإصبعيه، وكان (صلى الله عليه وآله) لا يأكل الثوم والبصل والكرّاث، ولا العسل الذي فيه المغافير ـ ما يبقى من الشجر في بطون العسل، فيلقيه في العسل، فيبقى له ريح في الفم ـ. وما ذمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)طعاماً قطّ، كان إذا أعجبه أكله، وإذا كرهه تركه، وما ترك من شيء فإنّه لا يحرّمه على غيره ولا يبغضه إليه، وكان (صلى الله عليه وآله) يلحس الصحفة ويقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، وإذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها، فان بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتّى يتنظّف، ولا يمسح يده بالمنديل حتّى يلعقها واحدة واحدة ويقول: لا يدري في أي الأصابع البركة، وكان يغسل يديه من الطعام حتّى ينقّيهما، فلا يوجد لما أكل ريح. وكان (صلى الله عليه وآله) لا يأكل وحده ما يمكنه، وقال: ألا أُنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وآله): من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنّ النبي أُتي بطعام حارّ جدّاً، فقال: ما كان الله ليطعمنا النار، أقرّوه حتّى يبرد ويمكن، فإنّه طعام ممحوق البركة، وللشيطان فيه نصيب. وكان (صلى الله عليه وآله) يفطر على التمر، وإذا وجد السكر أفطر عليه، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ما زال طعامرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشعير حتّى قبضه الله إليه. وكان (صلى الله عليه وآله) يأكل القثّاء بالرطب، والقثّاء بالملح، وكان يأكل الفاكهة الرطبة، وكان أحبّها إليه البطيخ والعنب، وكان يأكل البطيخ بالخبز، وربّما أكل بالسكر، وربّما أكل البطيخ بالرطب، وكان يأكل العنب حبّة حبّة، وربّما أكله فرطاً، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء، وكان التمر والماء أكثر طعامه، وكان يتمجّع اللّبن والتمر ويسمّيهما الأطيبين. وكان أكثر ما يأكل الهريسة ويتسحّر بها، ويأكل اللّحم طبيخاً وبالخبز، ويأكله مشويّاً بالخبز، وكان أحبّ الطعام إليه اللّحم، ويقول: هو يزيد في السمع والبصر، وكان يقول: اللّحم سيّد الطعام في الدنيا والآخرة، وكان يأكل الثريد بالقرع واللّحم ويحبّ القرع ويقول: إنّها شجرة أخي يونس. وكان (صلى الله عليه وآله) يأكل الدجاج ولحم الطير الذي يصاد، وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف، ومن الصباغ الخلّ، ومن البقول الهندباء والباذروج ـ الريحان الجبلي ـ وبقلة الأنصار، ويقال لها: الكرنب، وكان يعجبه النظر إلى الأُترج الأخضر والتفّاح الأحمر.
آدابه (صلى الله عليه وآله) في المشرب
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا شرب الماء قال: الحمّد لله الذي سقانا عذباً زلالاً، ولم يسقنا ملحاً أُجاجاً، ولم يؤاخذنا بذنوبنا. وكان يشرب في الأقداح الشامية يجاء بها من الشام وكان يقول: هذا أنظف آنيتكم، وكان إذا شرب بدأ فسمّى وحسا حسوة وحسوتين، ثمَّ يقطع فيحمد الله، ثمَّ يعود فيسمّي، ثمَّ يزيد في الثالثة، ثمَّ يقطع فيحمد الله، وكان له في شربه ثلاث تسميات، وثلاث تحميدات، ويمصّ الماء مصّاً، ولا يعبّه عبّاً، ويقول: إنّ الكباد من العبّ. وكان لا يتنفس في الإناء إذا شرب، فإذا أراد أن يتنفّس أبعد الإناء عن فيه حتّى يتنفّس، وكان يشرب في الأقداح التي تتّخذ من الخشب وفي الجلود والخزف وبكفّيه، ويقول: ليس إناء أطيب من اليد، ويشرب من أفواه القرب والأداوي ولا يختنثها اختناثاً ويقول: إنّ اختناثها ينتنها. ولقد جاءه (صلى الله عليه وآله) ابن خولّى بإناء فيه عسل ولبن، فأبى أن يشربه فقال: شربتان في شربة؟، وإناءان في إناء واحد؟ فأبى أن يشربه ثمّ قال: ما أُحرّمه ولكنّي أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدّاً، وأُحبّ التواضع، فإنّ من تواضع لله رفعه الله.