البحث الرقم: 647 التاريخ: 27 ذو الحجّة 1429 هـ المشاهدات: 7082
بعد فاجعة شهادةأمير المؤمنين (عليه السلام) تولَّى الإمام الحسن (عليه السلام) دفنه. وبعد أن انتهى المسلمون من مراسم العزاء قام الإمام الحسن (عليه السلام) في المسجد خطيباً، وقال: أيُّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطَهَّرهم تطهيراً. وأنا من أهل بيت افترض الله مودَّتهم على كلِّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيِّه (صلى الله عليه وآله): (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) [الشورى: 23]، فاقتراف الحسنة مَوَدَّتُنا أهل البيت. وهكذا انهالت الجماهير إلى بيعة الإمام الحسن (عليه السلام)، عن رضاً وطيب نفس، لأنهم رأوا فيه المثال الفاضل لمؤهلات الخليفة الحق. وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يكون إمام المسلمين مختاراً من قبل الله تعالى، منصوصاً عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله). فيجب أن يكون قِمَّة في المكرمات والفضائل، أكفأ الناس وأورعهم وأعلمهم والحسن (عليه السلام) كذلك. قد توفرت فيه شروط والي أمر المسلمين بأكمل وجه وأحسنه، وهو صاحب النص المأثور عن الرسول العظيم: (الحَسَن والحسين إمامان قَامَا أو قعدا). وبايعه الناس بعد أن حضَّهم عليها خيار الصحابة والأنصار، فقد قال في ذلك عبيد الله بن العباس: معاشر الناس هذا ابن نبيِّكم، ووصي إمامكم فبايعوه. وكان للإمام الحسن (عليه السلام) حُبٌّ في القلوب نابعٌ عن صميم قلوب المسلمين. وقد اتَّخذ أصله عن حُبِّ النبي (صلى الله عليه وآله) له، وحُبِّ الله تعالى لمن أَحَبه النبي (صلى الله عليه وآله). أضف إلى ذلك، ما كانت تقتضيه الظروف، من رجل يقابل معاوية ومن التفَّ حوله من الحزب الأموي الماكر، وله من كفاءة القيادة، وسداد الرأي، والمودة في قلوب المسلمين. لذلك أسرع المسلمون إلى بيعته قائلين: ما أَحَبُّه إلينا، وأوجب حقَّه علينا، وأحقه بالخلافة. وجاء في مقدمة الزعماء المجاهدين الأنصاري الثائر، قيس بن سعد، فبايعه وهو يقول: أبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسُنَّة نبيه، وقتال المحلين. فقال له الإمام (عليه السلام): عَلى كتاب الله وسنّة نبيه، فإنهما يأتيان على كلِّ شرط. وكلما دخل فوج يبايعونه قال لهم: تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت. وتمَّت البيعة في العقد الثالث من شهر رمضان المبارك، بعد أربعين عاماً من الهجرة النبوية.