بسم الله الرحمن الرحيم من الدراسات الحديثة جداً، فرع جديد من المعرفة يعنى بالبيئة والمحافظة عليها، ودرء الأخطار عنها. ولقد ركز كثير من العلماء في أبحاثهم المعاصرة على هذا الجانب فتأسست مراكز وجمعيات، وأقسام خاصة في بعض الجامعات لمعالجة هذا الموضوع وتوجيه أنظار المسؤلين على الصعيدين القطري والدولي نحوه. وعلى الصعيد الإعلامي نجد السنة الدولية للمحافظة على البيئة والطوابع التذكارية التي توجه اهتمام الجماهير، وبرامج التليفزيون وما شابه ذلك.
موقف الشريعة من سلامة البيئة
وحين نحاول أن نستأنس بالموقف التشريعي الإسلامي من مسألة البيئة نجد أن الاعتناء بها، وعدم تلويثها، من أساسيات السلوك الاجتماعي للإنسان المسلم. ففي حديث عن الرسول الأعظم (ص) أنه: (نهى أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها) وسائل الشيعة ج1/229. هذا الحديث يؤكد على ضرورة عدم تلويث الأنهار والعيون، والمنطقة التي تحيط بالشجرة المثمرة، ومثل ذلك ما ورد في وصية النبي (ص)لعلي (ع): (وكره البول على شط نهر جار، وكره أن يحدث إنسان تحت شجرة أو نخلة أثمرت) وسائل الشيعة ج1/230. وسأل رجل على بن الحسين (ع): أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة. وسائل الشيعة ج1/228. من هذه النصوص نفهم مدى اهتمام المشرع الإسلامي بنظافة البيئة، وسلامة الأنهار والعيون، ووقاية الطبيعة الجميلة من التلوث، وهي تلمح أيضاً إلى أن المسلم حين يكلف بالنظافة الشخصية حيث (النظافة من الإيمان)، لا يعني ذلك السماح له بأن يقوم بذلك على حساب تلويث ما حوله، أو إلحاق الضرر بالبيئة. هذا فيما يتعلق بخارج المنزل، أما داخل المنزل فنجد النصوص الآتية: 1- في حديث مناهي النبي (ص): (لا تبيتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهاراً) من لا يحضره الفقيه ج4/3. إن التغافل عن القمامة والنفايات وتركها متراكمة في البيت أمر لم يرض به الرسول الأعظم (ص) بل حث المسلمين على إخراج هذه النفايات من البيت نهاراً، حيث تؤخذ إلى الأماكن المخصصة لها. 2- قال أمير المؤمنين (ع): (لا تؤوا التراب خلف الباب فإنه مأوى الشياطين) المحاسن للبرقي ص624. ويحسن بنا أن نفهم أن التعبير عن القذارات وكل ما يؤدي إلى الظلمة في الباطن والدرن في الظاهر، قد ورد بلفظ الشيطان في كثير من النصوص الدينية. 3- عن الإمام الصادق (ع): (لا تدعوا آنيتكم بغير غطاء، فإن الشيطان إذا لم تغط الآنية بزق فيها) المحاسن للبرقي ص584. مما تقدم يتضح أن المشرع الإسلامي أولى عناية بالغة بمسألة البيئة وأكد على أهمية نظافتها وسلامتها. ولا بأس أن نستأنس هنا بفتوى فقهية لسماحة آية الله العظمى السيد الخوئي (قده) حيث وجه إلى سماحته السؤال التالي: (قد يضع بعض الناس ما يضر بالمارة في الشوارع العامة والطرقات، وكذلك يرمي بعضهم القاذورات في الشوارع وليس في الأماكن المخصصة لها فهل يجوز للشرطي أن يسجل عقوبة ردعاً لهؤلاء؟) فأجاب سماحته بما يلي: (لا يجوز لأي أحد أن يضع في الشوارع والطرقات العامة ما يضر بالمارة ونحوهم، ولا بد من منع ذلك بأية وسيلة ممكنة، ولو بتسجيل عقوبة مادية عليه لحفظ المصالح العامة، وكذا الحال في وضع القذارات فيها).
الأشجار والطبيعة الخضراء
أهملت النظم القانونية في كثير من البلدان مسألة العناية بالطبيعة الخضراء وسمحت لمعامل الخشب وسائر الصناعات أن تقطع الغابات والأشجار لتحولها إلى خشب يستفاد منه في التجارة والصناعة. وعلى مر الزمن تحولت المناطق الخضراء الجميلة إلى ساحات فارغة، أو بنايات سكنية، وأفاق المعنيون بهذه المسائل فجأة ليجدوا أن الرئة التي تتنفس بها المدن الكبرى والعواصم صارت تفقد الهواء النقي، فبدأت التشريعات الوضعية تعالج هذه المسألة بحزم، وتصدر القوانين التي تمنع قطع الأشجار. وحين نرجع إلى النصوص الشرعية التي عالجت هذه المسألة نجد التأكيد على الزراعة والغرس، والمنع من قطع الأشجار والنخل بصورة خاصة: 1- عن رسول الله (ص): (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها) كنز العمال- رقم 9056. 2- وعنه (ص): (ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له به صدقة) كنز العمال- رقم 9051. 3- وعنه كذلك (ص): (من نصب شجرة وصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله) كنز العمال- رقم 9081. 4- قال الراوي للإمام الصادق (ع): (جعلت فداك، أسمع قوماً يقولون: إن الزراعة مكروهة؟ فقال له: ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحل ولا أطيب منه) وسائل الشيعة ج13/193. 5- وعن الإمام الصادق (ع): (مكروه قطع النخل) وسائل الشيعة ج13/198. وهكذا نجد النصوص متفقة على ضرورة المحافظة على (المنطقة الخضراء) والسعي لتوسيع رقعتها.
الرفق بالحيوان ورعايته
وما دمنا نتحدث عن البيئة ونظافتها والمنطقة الخضراء وحمايتها، فيجب أن نركز على موضوع آخر لا يقل أهمية عنهما، وهو الرفق بالحيوانات وعدم الإضرار بها. ويجدر بنا هنا أن نقسم النصوص الشرعية إلى قسمين: قسم يتعلق بحسن معاملة الحيوانات الأهلية التي يستخدمها الإنسان لمنافعه الخاصة، وقسم يتعلق بالحيوانات الطليقة والطيور، التي مضافاً إلى كونها جزءاً من جمال الطبيعة التي حولنا، فهي من مخلوقات الله تعالى التي أمرنا بعدم التعرض لها بالأذى. أ- الحيوانات الأهلية: 1- (نهى رسول الله (ص) عن ضرب وجوه البهائم، ونهى عن قتل النحل، ونهى عن الوسم في وجوه البهائم) من لا يحضره الفقيه ج4/5. 2- قال رسول الله (ص): (نظفوا مرابض الغنم وامسحوا رغامهن فإنها من دواب الجنة) المحاسن للبرقي ص642، وهنا نجد ذروة الرفق بالحيوان والاعتناء بمربضه. 3- أبصر النبي (ص) ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: (أين صاحبها؟ مروه فليستعد غداً للخصومة) من لا يحضره الفقيه ج2/191، فإذا كانت الناقة مكلفة بحمل الأثقال وهي سائرة فلا بد من وضع الأثقال عنها حين تتوقف عن المسير، فلها حق في الراحة أيضاً. 4- ولكي نفهم أثر حسن معاملة البهائم والحيوانات في التعبير عن المستوى التربوي للإنسان المسلم، لا بأس أن نقرأ للإمام الكاظم (ع): (من مروءة الرجل أن تكون دوابه سماناً) الكافي ج2/479. 5- (حجعلي بن الحسين (ع) على ناقة له أربعين حجة فما قرعها بسوط) الفقيه ج2/191. ب- سائر الحيوانات والطيور: 1- عن النبي (ص): (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) جامع أحاديث الشيعة ج16/922. 2- كما جاء عنه (ص) أنه قال: (من قتل عصفوراً عبثاً جاء يوم القيامة وله صراخ حول العرش، يقول: رب سل هذا فيم قتلني من غير منفعة؟) الكافي ج2/58. خلق الله تعالى الطيور والعصافير لتملأ الأجواء من حولنا بالجمال والزغاريد، ولتساهم في نظام المخلوقات بأتم وجوه الإبداع وإذا بأنانية بعض أفراد البشر تقضي على كل ذلك من دون مبرر، لذا تجد النص أعلاه وسيلة لردع الناس عن ممارسة الظلم ضد الطير.