هو الإمام الثاني عشر، محمّد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، أمه نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وهي من ولد الحواريين تنسب الى وصي السيد المسيح (عليه السلام) شمعون [روضة الواعظين، للنيسابوري 1: 253]. كنيته: أبو القاسم، وألقابه: المهدي، صاحب الزمان، الحجة، الخاتم، المنتظر، والقائم. ولادته: كانت ليلة النصف من شعبان سنة 255 للهجرة في سر من رأى، أوصافه: ناصح اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، بخده الأيمن خال، له سمت ما رأت العيون أقصد منه. غيبته الصغرى: طالت تسعاً وستين سنة، كان له فيها سفراء أربعة: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان، وأبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وغيبته الكبرى: بدأت سنة 329 للهجرة (عجل الله تعالى فرجه). محل ظهوره: مكة المكرمة، محل بيعته: بين الركن والمقام. وهو حي يرزق، إذ لا بد لهذا العلم من وجود قائدٍ ديني روحي تنشدّ إليه القلوب المؤمنة، تواليه وتنتظر طلعته البهية، فقد أبى الله (عزّ وجل) أن يترك عباده بلا إمام معصوم يُقتدى ويُهتدى به. قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم (عليه السلام) إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله، وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرضُ بغير إمام حجة لله على عباده [أصول الكافي: 1 / 137، باب أن الأرض لا تخلو من حجّة، ح 8]. أما تكليفنا ـ نحن المسلمون ـ فهو: أن نعرف إمام زماننا لنواليه ونؤمن به، فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية [مسند أحمد: 2/83، و3/446، و4/96].
علامات ودلائل
بما أننا في زمن امتدّ عن عصر الرسالة وحياة المصطفى وآله (صلوات الله عليهم) دهراً طويلا ناهز أربعة عشر قرنا، بعقودها المشرقة والمظلمة.. كان علينا من أجل تشخيص الهالة المهدوية من خلال الروايات، أن نعرف من هو؟ وإلى من ينتسب؟ وعمّن ينحدر؟ وقد أغنتنا ـ ولله الحمد ـ أخبارُ الكتب على اختلاف أقلامها وانتماءاتها المذهبية بما لا تبقى حيرة في حائر ولا شك في شاك، وهذا بين أيدينا غيض من فيض: روى السيوطي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي منّا أهل البيت [الحاوي للفتاوي: 2]. وروى المتقي الهندي عن أم سلمة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: المهدي من عترتي، من ولد فاطمة [كنز العمال: 14/ح38662]. وروى محبّ الدين الطبري عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)لفاطمة (عليها السلام): نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين، وهما ابناك، ومنا المهدي [ذخائر العقبى: 44]. وروى ابن ماجة في سننه عن سعيد بن المسيب قال: كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي، فقالت: سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المهدي من ولد فاطمة [السنن لابن ماجة: 2/ح4086]. وكتب ابن حجر الهيتمي في كتابه المعروف الصواعق المحرقة تحت ظل الآية المباركة: (وإنه لعلم للساعة) [الزخرف: 61]: قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المهدي، وستأتي الأحاديث المصرحة بأنه من أهل البيت النبوي، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي (رضي الله عنها)، وإن الله ليخرج منهما كثيراً طيبا، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة. وفي فرائد السمطين روى الجويني عن عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لإثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي، قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهدي، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا [فرائد السمطين: 2/ح562]. وفي ذخائر العقبى ص 136، عن حذيفة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من ولدي، اسمه اسمي، فقال سلمان: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين (عليه السلام). وفي ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي باب 76 ج2 ص440 طبعة 1302 للهجرة، عن الحمويني في فرائد السمطين، عن ابن عباس، أن النبي (صلى الله عليه وآله) أجاب نعثلاً اليهودي على ما سأله عن أوصيائه: إن وصيي عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة المهدي، فهؤلاء إثنا عشر.
حجج مقنعة
إننا في هذا العصر مع تباعد التواريخ نستحضر الوقائع من خلال الكتب، مستدلين على وجود الأمم فيما قبل، وبعثة الأنبياء وتوارد الحوادث وحقيقة الشخصيات التي عاشت في الأزمان السالفة، وشخصية الإمام المهدي (عليه السلام) لم ينحصر ذكرها في مؤلفات الشيعة أبداً ـ كما أقر ذلك الكثير ـ، وذلك لأن الرواة بالعشرات، والمؤلفات بالعشرات، والروايات بالمئات، كلها تصرّح بذكره (صلوات الله عليه)، ولا يبقى مجال للشك أو التوهم أو التجاهل. لكن قد يحاول البعض الاحتيال على نفسه وعلى الحقيقة فيهرب من التحديد: هل ولد المهدي أم سيولد في آخر الزمان؟ هل هو من ذرية الإمام الحسن (عليه السلام) أم من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)؟ هل هو من عترة النبيّ وأهل بيته أم من بني أمية أو بني العباس؟ وكل هذه التساؤلات والتشكيكات لا تصمد أمام البراهين الروائية القاطعة، وأمام المؤلفات العديدة والصريحة، حتى لقد أفرد عشراتٌ من كبار أئمة الحديث وأعلام التاريخ ورؤساء المذاهب من أهل السنة كتباً ورسائل مستقلة حول ما يتعلق بشؤون الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف). على سبيل المثال لا الحصر نذكر: سنن ابن ماجة ج2، الفتوحات المكيةلابن عربي مج3، التذكرة في أحوال الموتى والآخرة للحافظ القرطبي، فرائد السمطينللجويني مج2، الفتن والملاحم لابن كثير الشافعي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائدلابن حجر الهيثمي ج7، عرف الوردي في أخبار المهديللسيوطي الشافعي، الحاوي للفتاوي للسيوطي ج2، اليواقيت والجواهر لعبد الوهاب الشعراني ج2، كنز العمال للهندي ج14، الإشاعة في أشراط الساعة للبرزنجي، نور الأبصار للشبلنجي، إسعاف الراغبين لابن الصبان الشافعي، إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدونلأحمد بن محمدالصديق، فتح المنان للمنيني الحنفي، القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر، وصحيح البخاري ج2 ص 178، وغيرها العشرات من المؤلفات التي نقلت عن عشرات الرواة، منهم: أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعائشة بنت أبي بكر، وأم سلمة، وابن عباس، والحسن والحسين (عليهما السلام)، وسلمان الفارسي، وجابر الأنصاري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، والإمام علي (عليه السلام)، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعمار بن ياسر، والصديقة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وغيرهم العشرات بل المئات، فضلاً عن التابعين الذين بلغوا أكثر من خمسين. وقد كانت للشيخ عبد المحسن العباد المدرس في الجامعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية محاضرة مهمة عام 1969 نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية في عددها الثالث من السنة الأولى ذي القعدة 1388 للهجرة / شباط 1969 ميلادي، فاتسعت ستاً وثلاثين صفحة من المجلة، وكان عنوانها (عقيدة أهل السنة والأثر، في المهدي المنتظر) [أورد نصها كتاب موسوعة الإمام المهدي، نشر مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة في أصفهان: 593/631]، أدرج فيها أسماء عشرات الصحابة والتابعين، وعشرات الكتب المعتمدة لدى أهل السنة، مصحوبة بالأدلة العقلية والنقلية على أن الإمام المهدي (عليه السلام) حقيقة تاريخية واعتقادية. طرح بحثه في هذا الموضوع الحساس واستدل عليه بما استعمله من أدوات البرهنة الحديثية، أثبت من خلال جهده على أن العقيدة المهدوية لا تختص بالشيعة فحسب، وإن كان قد زاغ عن بعض الحقائق، ولكنّه إجمالا أقرّ جملة من الأصول وافقه عليها مفتي الديار السعودية (ابن باز) وأقر كثيراً من حقائقها وإن زاغ عن البعض.
الفرار من رحمة الله
ولكن كيف للبعض أن يتهرب من أمر جاءت به الرسالة المحمدية الشريفة، وهي تدعونا إلى الإيمان والعمل؟! وقد روى ابن حجر الهيثمي في كتابه (الفتاوي الحديثة) عن أبي بكر الإسكافي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من كذب بالمهدي فقد كفر.. وابن حجر عُرف برده على الشيعة واستهدافهم بأسوأ التعبيرات، ولكنه اعترف في كتابيه: (الصواعق المحرقة، الفصل الثاني منه) و (القول المختصر) بصحّة عقيدة الشيعة الإمامية في أمر المهدي (سلام الله عليه). كما اعترف المتقي الهندي بذلك في فصل خاص عقده في كتابه (كنز العمال)، وفي كتابيه: (تلخيص البيان)و (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان). ثم لماذا الهروب من الحقيقة؟ وإلى أين؟ أليس المهديّ هو بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله) لنا؟! أليس هو الأمل المنشود لنجاتنا؟! عن أبي سعيد الخدري كما نقل عنه الجويني في (فرائد السمطين، مج2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحا، فقال رجل: وما صحاحاً؟ قال: بالسوية بين الناس. وأخرج الحاكم النيسابوري [المستدرك على الصحيحين: 4/465] عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يُسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جوراً وظلما، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجيء إليه من الظلم، فيبعث الله تعالى رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض شيئا من بذرها إلا أخرجته، ولا السماء شيئا من قطرها إلا صبته [كنز العمال: الخبر 38708، الجزء 14]. وفي حلية الأولياء لأبي نعيم بسنده عن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا، كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان [حلية الأولياء: 3/184]. وفي فرائد السمطين بعد الخبر 594 روى الجويني عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: إذا اشتملت على اليأس القلوبُ * وضاق بما به الصدر الرحيبُ وأوطنت المكاره واطمأنت * وأرست في أماكنها الخطوبُ ولم ير لانكشاف الضر وجه * ولا أغنى بحليته الأريبُ أتاك على قنوط منك غوث * يجيء به القريب المستجيبُ وكل الحادثات إذا تناهت * فموصول به الفرج القريبُ وأخيراً.. لنقف عند ما قاله الشيخ البهائي في مدحه وشوقه لصاحب الزمان، حينما قال [يراجع شرح قصيدته في: فتح المنان في شرح الفوز والأمان، لأحمد بن علي أبي النجاح المنيني الحنفي]: سرى البرقُ من نجدٍ فجدّد تذكاري * عهوداً بحزوى والعذيب وذي قارِ وهيّج من أشواقنا كلَّ كامن * وأجّج في أحشائنا لاهبَ النارِ فيا جيرة بالحازمين خيامهم * عليكم سلام الله من نازح الدارِ خليلَيّ مالي والزمان كأنما * يطالبني في كل آن بآثارِ فأبعد أحبابي وأخلى مرابعي * وأبدلني من كل صفو بأكدارِ إلى أن يتخلص إلى موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) فيقول: ومعضلة دهماء لا يهتدي لها * طريقٌ ولا يُهدى إلى ضوئها الساري تشيب النواصي دون حلِّ رموزها * ويحجم عن أغوارها كل مغوارِ أجلّت جياد الفكر في حلباتها * ووجّهتُ تلقاها صوائب أنظاري أأضرع للبلوى وأُغضي على القذى * وأرضى بما يرضى به كل مخوارِ؟! وأفرح من دهري بلذةِ ساعةٍ * وأقنع من عيشي بقرصٍ وأطمارِ؟! إذن لا ورى زندي ولا عزّ جانبي * ولا بزغت في قمة المجد أقماري ولا بلّ كفي بالسماح ولا سرت * بطيب أحاديثي الركاب وأخباري ولا انتشرت في الخافقين فضائلي * ولا كان في المهديّ رائق أشعاري خليفة رب العالمين وظله * على ساكن الغبراء من كل ديارِ هم العروة الوثقى الذي من بذيله * تمسّك لا يخشى عظائمَ أوزارِ إمامُ هدىً لاذ الزمانُ بظله * وألقى إليه الدهر مقود خوارِ علوم الورى في جنب أبحر علمه * كغرفة كف أو كغمسة منقارِ فلو زار أفلاطون أعتابَ قدسه * ولم يعشه عنها سواطع أنوارِ رأى حكمة قدسية لا يشوبها * شوائب أنظار وأدناس أفكارِ بإشراقها كل العوالم أشرقت * لما لاح في الكونين من نورها الساري إمام الورى طود النهى منبع الهدى * وصاحب سر الله في هذه الدارِ به العالَم السفلي يسمو ويعتلي * على العالَم العلوي من دون إنكارِ أيا حجة الله الذي ليس جارياً * بغير الذي يرضاه سابقُ أقدارِ ويا من مقاليد الزمان بكفه * وناهيك عن مجدٍ به خصّه الباري اغث حوزةَ الإيمان واعمر ربوعَه * فلم يبق منها غير دارس آثارِ وأنقذ كتابَ الله من يد عصبةٍ * عصوا وتمادوا في عتو وإصرارِ وأنعش قلوباً في انتظارك قرحت * وأضجرها الأعداءُ أية إضجارِ وخلّص عبادَ الله من كل غاشمٍ * وطهّر بلادَ الله من كل كفارِ وعجّل فداك العالمون بأسرهم * وبادر على اسم الله من غير إنظارِ تجد من جنود الله خيرُ كتائب * وأكرمُ أعوانٍ وأشرف أنصارِ