|
الخطبة ١٦٣: الخالق جلّ وعلا |
البحث
الرقم: 164
المشاهدات: 4702
قائمة المحتويات
ومن خطبة له عليه السلام الخالق جلّ وعلا الْحَمْدُ لله خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ (1)، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ (2)، وَمُخْصِبِ النِّجَادِ (3)، لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، هُوَ الْأَوَّلُ لَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقي بِلا أَجَلٍ. خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ، حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إبَانَةً لَهُ (4) مِنْ شَبَهِهَا، لاَ تُقَدِّرُهُ الْأَوْهامُ بِالْحُدُودِ وَالحَرَكَاتِ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ، لاَ يُقَالُ لَهُ: «مَتَى؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى»، الظَّاهِرُ لاَ يُقالُ: «مِمَّ؟» وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ؟»، لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ (5)، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ (6)، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْل دَاجٍ (7)، وَلاَ غَسَق سَاجٍ (8)، يَتَفَيَّأُ (9) عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ (10)، وَتَقْلِيبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وَإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ، قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةٍ، وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَةٍ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ كمنعه ـ: نسبه اليه.">(11) الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ (12)، وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ (13)، وَتَأَثُّلِ (14) الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ؛ فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ.ابتداع المخلوقينلَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ (15)، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ، عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السماوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.منها: أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيّ (16)، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِىُّ (17)، فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ، بُدِئْتَ (مِنْ سُلاَلَةٍ (18) مِنْ طِينٍ)، وَوُضِعْتَ ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾(19) * ﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ (20) فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ (21) دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا؛ فَمَنْ هَدَاكَ لِإِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ، وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!
الهوامش
1- ساطح المهاد: جاعله سطحاً سهلاً وباسطه للعمل فيه. والمِهاد: الأرض.
2- الوهاد ـ جمع وَهْدَة ـ: ماانخفض من الأرض ومُسيلها فاعل من أسال، أي مُجري السيل فيها.
3- النِّجاد جمع نَجْد: ما ارتفع من الأرض.
4- الإبانة: هاهنا التمييز والفصل، والضمير في «له» يرجع إليه سبحانه أي تمييزاً لذاته تعالى عن شبهها أي مشابهتها.
5- شخوص لحظة: امتداد بصر بلا حركة من جفن.
6- ازدلاف الرّبْوة: تقربها من النظر وظهورها له لأنه يقع عليها قبل المنخفضات.
8- الغَسَق: الليل. وساج: أي ساكن لا حركة فيه.
9- عبّر عن نسخ نور القمر له، بالتفيؤ تشبيهاً له بنسخ الظلّ لضياء الشمس، وهو من لطيف التشبيه ودقيقه.
10- الأفول: المغِيب. والكُرُور: الرجوع بالشروق.
11- نَحَلَهُ القولَ ـ كمنعه ـ: نسبه اليه.
12- صفات الإقدار: جمع قَدْر ـ بسكون الدال ـ وهو حال الشيء من الطول والعرض والعمق ومن الصغر والكبر.
13- نهايات الأقطار: هي نهايات الأبعاد الثلاثة المتقدم ذكرها.
15- أقام حدّه: أي ما به امتاز عن سائر الموجودات.
16- السّوِي: مستوي الخلقة لا نقص فيه.
17- المنشأ: المبتدع. والمَرْعي: المحفوظ المعنيّ بأمره.
18- السُلالة من الشيء: ماانسلّ منه.
19- القرار المَكِين: محل الجنين من الرحم.
21- لا تحيرُ: من قولهم: ما أحار جواباً، أي لم يستطع ردّاً.
|
|