قائمة المحتويات
ومن خطبة له عليه السلام يحمد الله ويثني على نبيّه ويعظ بالتقوى
حمد الله
أَحْمَدُهُ شُكْراً لِإِنْعَامِهِ، وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ، عَزِيزَ الْجُنْدِ، عَظِيمَ الْمَجْدِ.
الثناء على النبي
وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ، وَقَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ، لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذلِكَ اجْتِماعٌ على تَكْذِيبِهِ، وَالْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ.
العظة بالتقوى
فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّ لَهَا حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ، وَمَعْقِلاً (1) مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ (2)، وَبَادِرُوا الموت: سبقه بالأعمال الصالحة.">(3) الْمَوْتَ وَغَمَرَاتِهِ (4)، وَامْهَدُوا كمنع ـ: معناه هنا عَمِلَ.">(5) لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ، وَكَفَى بِذلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ، وَمُعْتَبَراً لِمَنْ
جَهِلَ! وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الْأَرْمَاسِ
القبور ـ جمع رَمْس ـ وأصله اسم للتراب.">(6)، وَشِدَّةِ الْإِبْلاَسِ
حزن في خذلان ويأس.">(7)، وَهَوْلِ الْمُطَّلَعِ
(8)، وَرَوْعَاتِ
الْفَزَعِ، وَاخْتلاَفِ الْأَضْلاَعِ
(9)، وَاسْتِكَاكِ الْأَسْمَاعِ
(10)، وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ
(11)،
وَخِيفَةِ الْوَعْدِ، وغَمِّ الضَّرِيحِ، وَرَدْمِ الصَّفِيحِ
القبر.">(12).
فَاللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ! فَإِنَّ الْدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بكُمْ عَلَى سَنَنٍ
(13)، وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَنٍ
(14)، وَكَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا
(15)، وَأَزِفَتْ
(16) بِأَفْرَاطِهَا
(17)، وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِراطِهَا.
وَكَأنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلَازِلِهَا، وَأَنَاخَتْ بِكَلاَكِلِهَا
(18)، وَانْصَرَمَتِ
(19) الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا، وَأَخْرَجَتْهُمْ مَنْ حِضْنِهَا، فَكَانَتْ كَيَوْمٍ مَضَى وَشَهْرٍ انْقَضَى، وَصَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً
(20)، وَسَمِينُهَا غَثّاً
(21). فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ الْمَقَامِ، وَأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ، ونَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا
أكلٌ بلا شبع.">(22)، عَالٍ لَجَبُهَا
(23)، سَاطعٍ لَهَبُهَا، مُتَغَيِّظٍ
(24) زَفِيرُهَا
(25)، مُتَأَجِّجٍ سَعِيرهَا، بَعِيدٍ خُمُودُهَا، ذَاكٍ
(26) وُقُودُهَا،
مَخُوفٍ وعِيدُهَا، عُمٍ قَرارُهَا
(27)، مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا، حَامِيَةٍ قُدُورُهَا، فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً﴾. قَدْ أُمِنَ
الْعَذَابُ، وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ، وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدّارُ، وَرَضُوا المَثْوَى وَالْقَرَارَ.
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيةً، وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً، وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً، تَخَشُّعاً وَاسْتِغفَاراً، وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً، تَوَحُشّاً
(28) وَانَقِطَاعاً، فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً، وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً، (وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَها) في مُلْكٍ دَائِمٍ، وَنَعِيمٍ قَائِمٍ. فَارْعَوْا عِبَادَ اللهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ، وَبِإِضَاعَتِهِ
يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بأَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ، وَمَدِينُونَ بِمَا قدَّمْتُمْ.
وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ
الْمَخُوفُ، فَلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ، وَلاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ.
اسْتَعْمَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ. الْزَمُوا الْأَرْضَ
(29)،
وَاصْبِروُا عَلَى
الْبَلاءِ، وَلاَ تُحرِّكُوا بأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَلاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللهُ لَكُمْ. فَإِنّهُ مَنْ
مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ
مَاتَ شَهِيداً، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ، واسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَيْفِهِ
(30)، فإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةً وَأَجَلاً.
الهوامش
1- المَعْقِل ـ كمسجد ـ: الملجأ.
2- ذِرْوَة كل شيء: أعلاه.
3- مبادرة
الموت: سبقه بالأعمال الصالحة.
5- مَهَدَ ـ
كمنع ـ: معناه هنا عَمِلَ.
6- الأرماس:
القبور ـ جمع رَمْس ـ وأصله اسم للتراب.
7- الإبْلاس:
حزن في خذلان ويأس.
8- المُطَّلَع ـ بضم فتشديد مع فتح ـ: المنزلة التي منها يشرف الإنسان على أمور الآخرة، وهي منزلة البرزخ، وأصل المُطّلَع: موضع الإطلاع من ارتفاع إلى انحدار.
9- اختلاف الأضلاع: دخول بعضها في موضع الآخر من شدة الضغط.
10- استكاك الأسماع: صممها من التراب أو الأصوات الهائلة.
12- الرَدْم: السد. والصَفِيح: الحجر العريض، والمراد ما يسدّ به
القبر.
13- سَنَن: طريق معروف، والمراد: أن الدنيا تفعل بكم فعلها بمن سبقكم.
14- القَرَن ـ محركاً ـ: ما يقرن به البعيران.
17- الأفْراط ـ جمع فَرْط ـ: بسكون الراء، وهو العَلَم المستقيم يهتدى به أي بدلائلها.
18- الاكَلاكِل: الصدور، كناية عن الأثقال.
22- الكَلَب ـ محركاً ـ:
أكلٌ بلا شبع.
23- اللَجَب: الصياح أو الاضطراب.
25- الزَفِير: صوت توقّد النار.
26- ذَكَتِ النارُ: اشتد لهيبها.
27- «عَمٍ قرارها»: أي لا يهتدى فيه لظلمته، ولأنه عميق جداً.
28- «التوحش»: عدم الاستئناس بشؤون الدنيا والركون اليها.
29- لزوم الأرض: كناية عن السكون، ينصحهم به عند عدم توفر أسباب المغالبة، وينها هم عن التعجل بحمل السلاح.
30- 30. إصْلاتُ السيف: سَلّه.