ومن كلام له عليه السلام بالبصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي ـ وهو من أصحابه ـ يعوده، فلما رأى سعة داره قال: مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هذِهِ الدارِ فِي الدُّنْيَا، أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ؟ وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ: تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ، وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ، وَتُطْلِعُ (1) مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا، فَإذَا أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ. فقال له العلاء: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلّى من الدنيا. قال: عليَّ به. فلمّا جاء قال: يَا عُدَىَّ (2) نَفْسِهِ! لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ! أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ! أَتَرَى اللهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا! أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ! قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك! قَالَ: وَيْحَكَ، إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ (3) بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ فيهلكه.">(4) بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ!
الهوامش
1- أطْلَعَ الحقّ مَطْلَعَهُ: أظهره حيث يجب أن يظهر.