الخطبة ٢٢٤: يتبرّأ من الظلم
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ٢٢٤: يتبرّأ من الظلم

 البحث  الرقم: 225  المشاهدات: 10377
قائمة المحتويات ومن كلام له عليه السلام يتبرّأ من الظلم
وَاللهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ (1) مُسَهَّداً (2)، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا (3)، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى (4) حُلُولُهَا؟!
وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ (5) حَتَّى اسْتَمَاحَنِي (6) مِنْ بُرِّكُمْ (7) صَاعاً،
وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ (8) الشُّعُورِ، غُبْرَ (9) الْأَلْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ (10)، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً،
فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمَعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ (11) مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ المرض
.">(12) مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا (13)،
فَقُلْتُ لَهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ (14)، يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ!
أَتَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً (15)؟!
وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ (16) فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا (17)، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ (18)، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ.
فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ (19)! أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ (20) أَنْتَ أَمْ ذُوجِنَّة (21)، أَمْ تَهْجُرُ مرض
ليس بصرع.">(22)؟
وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ (23) شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا (24)، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى، وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَى!
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ نومه. والزَلَل: السقوط في الخطأ.">(25) الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.

الهوامش

1- كأنه يريد من «الحَسَك» الشوك. والسَعْدان: نبت ترعاه الأبل له شوك تشبه به حلمة الثدي.
2- المُسَهّد: من سهّده إذا أسهره. المصفّد: المقيّد.
3- قُفولها: رجوعها.
4- الثرى: التراب.
5- أمْلَقَ: افتقر أشدّ الفقر.
6- استماحني: استعطاني.
7- البُرّ: القمح.
8- شُعْث: جمع أشْعثْ، وهو من الشعر المتلبد بالوسخ.
9- الغُبْر ـ بضم الغين، جمع أغبر ـ: متغير اللون شاحبه.
10- العِظْلِم ـ كزِبْرج ـ: سواد يصبغ به، قيل هو النيلج أي النيلة.
11- القِياد: ما يُقادُ به كالزِمام.
12- الدَنَف ـ بالتحريك ـ: المرض.
13- المِيسَم ـ بكسر الميم وفتح السين ـ: المكْواة.
14- ثَكِلَ ـ كفرح ـ: أصاب ثُكْلاً ـ بالضم ـ وهو فقدان الحبيب أو خاص بالولد. والثواكل: النساء.
15- لَظَى: اسم جهنم.
16- الملفوفة: نوع من الحلواء أهداها الأشعث بن قيس إلى عليّ.
17- شَنِئْتها: أي كرهتها.
18- الصلة: العطية.
19- هَبِلَتْكَ ـ بكسر الباء ـ: ثكلتك؛ والهَبُول ـ بفتح الهاء ـ: المرأة لا يعيش لها ولد.
20- أمُخْتَبِطٌ في رأسك: أمختلّ نظام إدراكك؟
21- ذوجِنّة: من أصابه مسّ من الشيطان.
22- تهجر: أي تهذي بما لا معنى له في مرض ليس بصرع.
23- جلب الشعيرة: قشرتها. وأصل الجلْب غطاء الرحل فتجوّزَ في إطلاقه على غطاء الحبة.
24- قَضِمَتِ الدابّةُ الشعيرَ ـ من باب عَلِمَ ـ: كسرته بأطراف أسنانها.
25- سُبات العقل: نومه. والزَلَل: السقوط في الخطأ.



الفهرسة