الرسالة ٣: لشريح بن الحارث قاضيه
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الكتب » الرسالة ٣: لشريح بن الحارث قاضيه

 البحث  الرقم: 245  المشاهدات: 5002
قائمة المحتويات ومن كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه
روي أنّ شريح بن الحارث قاضي أميرالمؤمنين عليه السلام اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً، فبلغه ذلك، فاستدعى شريحاً، وقال له:
بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمانِينَ دِينَاراً، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً، وَأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً.
فقال له شريح: قد كان ذلك يا أميرالمؤمنين. قال: فنظر إليه نظر مغضب ثمّ قال له:
يَا شُرَيْحُ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ، وَلاَ يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً (1)، وَيُسْلِمَكَ إلَى قَبْرِكَ خَالِصاً.
فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ ابْتَعْتَ هذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ! فَإِذَا أَنْتَ قدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الْآخِرَةِ!
أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتاباً عَلَى هذِهِ النُّسْخَةِ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ. والنسخة هذه: هذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ، مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرحِيلِ، اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَ ارِ الْغُرُورِ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ، وَخِطَّةِ (2) الْهَالِكِينَ، وَتَجْمَعُ هذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ:
الْحَدُّ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْآفَاتِ،
وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيباتِ،
وَالْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إلَى الْهَوَى الْمُرْدِي،
وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي، وَفِيهِ يُشْرَعُ (3) بَابُ هذِهِ الدَّارِ.
اشْتَرَى هذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ، مِنْ هذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ، هذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ، وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ (4)، فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَكٍ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ (5) الْمُلُوكِ، وسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ، وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَراعِنَةِ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَتُبَّعٍ وَحِمْيَرَ، وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ (6)، وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ (7)، وَادَّخَرَ واعْتَقَدَ (8)، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ، إِشْخَاصُهُمْ (9) جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ: إذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ شَهِدَ عَلَى ذلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَسَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا.

الهوامش

1- شاخصاً: ذاهباً مبعداً.
2- خِطّة ـ بكسر الخاء ـ: الأرض التي يختطّها الإنسان ويعلم عليها بالخط ليعمرها.
3- يشرع: أي يفتح.
4- الضراعة: الذِلّة والدَرَك – بالتحريك ـ: التَبِعة.
5- مُبَلْبِلُ الأجسام: مهيج داءاتها المهلكة لها.
6- شيّد: رفع البناء.
7- نجّد ـ بتشديد الجيم ـ: أي زين.
8- اعتقد المال: اقتناه.
9- إشخاصهم: إرسالهم وترحيلهم حتى يحضروا بأشخاصهم.



الفهرسة