ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاويَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ (1) لُبَّكَ (2)، وَيَسْتَفِلُّ (3) غَرْبَكَ (4)، فاحْذَرْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل من أحسن أنواع التشبيه.">(5)، وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ (6). وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَهٌ (7) مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، لاَ يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ، وَلاَ يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ، وَالنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ. فلمّا قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها وربّ الكعبة، ولم يزل في نفسه حتى ادّعاه معاويةُ. قال الرضي: قوله عليه السلام: ِ (الواغل) ُ: هوالذي يهجم على الشّرْب ليشرب معهم وَليس منهم، فلا يزال مُدفّعاً محاجزاً. و"النّوْط المُذَبْذَب": هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبداً يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.
الهوامش
1- يَسْتَزِلّ أي: يطلب به الزلل، وهو الخطأ.
2- اللّب: القلب.
3- يَسْتَفِلّ ـ بالفاء ـ: يثلم.
4- الغرْب ـ بفتح فسكون ـ: الحدة والنشاط.
5- يقتحم غفلته: يدخل غفلته بغتة فيأخذه فيها، وتشبيه الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل من أحسن أنواع التشبيه.
6- الغِرّة ـ بالكسر ـ: خلو العقل من ضروب الحيل، والمراد منها العقل الساذج.
7- فلتة أبي سفيان: قوله في شأن زياد: إني أعلم من وضعه في رحم أمه، يريد نفسه.