الخطبة ١٦: لمّا بويع بالمدينة
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١٦: لمّا بويع بالمدينة

 البحث  الرقم: 17  المشاهدات: 8764
قائمة المحتويات من كلام له عليه السلام لمّا بويع بالمدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام:
ذِمَّتي (1) بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ الرهن.">(2) وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (3).
إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ (4) عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ (5)، حَجَزَتْهُ (6) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ (7).
أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا (8) يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ اختلطت
.">(9) بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ (10) غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ وتضربهما بيديك حتى يختلطا.">(11) سَوْطَ الْقِدْرِ تختلط الابْزَارُ ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف، وتقطع الأرحام، وفساد النظام.">(12)، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا.
وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً (13)، وَلا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْمِ.
أَلاَ وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ منع ظهره أن يُرْكَبَ.">(14) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا تُلجم به.">(15)، فَتَقَحَّمَتْ (16) بِهِمْ في النَّار.
أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ (17)، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ.
حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الْحقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ!
قال السيد الشريف: وأقول: إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لاتبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به.
وفيه ـ مع الحال التي وصفنا ـ زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يَطَّلع فَجها إنسان الواسع بين جَبَلَيْنِ.">(18)، ولا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق (19)، ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إلاّ العَالمِونَ﴾.
ومن هذه الخطبة وفيها يقسّم الناس إلى ثلاثة أصناف شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى. اَلْيَمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ (20)، عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ.
هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى. مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ.
وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ.
لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ (21) أَصْلٍ، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ.
فَاسْتَتِرُوا فِي بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.

الهوامش

1- الذّمّة: العهد.
2- رهينة: مرهونة، من الرهن.
3- الزعيم: الكفيل، يريد أنه ضامن لصدق ما يقول.
4- العِبَر ـ بكسر ففتح ـ: جمع عِبرة، بمعنى الموعظة.
5- المَثُلاَتُ: العُقوبات.
6- حَجَزَتْهُ: مَنَعَتْهُ.
7- تَقَحُّمُ الشّبُهَات: التّرَدّي فيها.
8- عادت كهيئتها: رجعت إلى حالها الأُولى.
9- لَتُبَلْبَلُنّ: لَتُخْلَطُنّ، ومنه «تَبَلْبَلَتِ الألسُنُ»: اختلطت.
10- لَتُغَرْبَلُنّ: لتُمَيَّزُنّ كما يميّز الدقيق عند الغربلة من نُخالته.
11- لَتُسَاطُنّ: من السّوط، وهو أن تجعل شيئين في الاناء وتضربهما بيديك حتى يختلطا.
12- سَوْط القِدْر: أي كما تختلط الابْزَارُ ونحوها في القدر عند غليانه فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها، وكل ذلك حكاية عما يؤولون إليه من الاختلاف، وتقطع الأرحام، وفساد النظام.
13- الوَشْمَةُ: الكلمة.
14- الشُمُسُ: جمع شَمُوس وهي من «شَمَسَ» كنصر أي منع ظهره أن يُرْكَبَ.
15- لُجُمُها: جمع لِجام، وهو عنان الدّابة الذي تُلجم به.
16- تقحمت بهم في النار: أردتهم فيها.
17- الذُلُل: جمع ذَلول، وهي المُرَوّضَةُ الطائعة.
18- لا يَطّلع فَجَّهَا: من قولهم اطّلَعَ الأرض أي بلغها. والفجّ: الطريق الواسع بين جَبَلَيْنِ.
19- العِرْق: الأصل.
20- الجادّة: الطريق.
21- السِّنْخُ: المثبّت، يقال: ثبتت السنّ في سِنْخِها: أي منبتها.



الفهرسة