فهرست
ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النَّخَعي رحمه الله، لمّا ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمرمحمّد بن أبي بكر رحمه الله، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُالْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا (1) عِنْدَ الْجَمَحَاتِ (2)، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِى مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُم ُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ.
فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ تكره.">(3) عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ.
وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ (4) مِنْهُمُ الزَّلَلُ (5)، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاءِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ (6)، وَابْتَ لاَكَ بِهِمْ.
وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ بالظلم والجور.">(7)، فَإِنَّهْ لاَيَدَ لَكَ
بِنِقْمَتِهِ نقمته، أي لا طاقة لك بها.">(8)، وَلاَ
غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ، وَلاَ تَبْجَحَنَّ
(9) بِعُقُوبَة، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَة
الغضب في قول أو فعل.">(10) وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً
المتسع، أي المخلص.">(11)، وَلاَ تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ
(12) آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ
(13) فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ
(14) لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ
(15). وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً
(16) أَوْ مَخِيلَةً
(17)، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ
اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ
(18) إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ
(19)، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ
(20)، يَفِيءُ
(21) إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ
(22) عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ!
إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ
(23) اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ
اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ.
أَنْصِفِ
اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً
(24) مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ
تَظْلِمْ، وَمَنْ
ظَلَمَ عِبَادَ
اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ
(25) حُجَّتَهُ، وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً
(26) حَتَّى يَنْزعَ
(27) وَيَتُوبَ. وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ
اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ
إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ
اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَضْطَهَدِينَ، وَهُوَ
لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ.
وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ
(28) بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي
الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ
(29)، وَأَقَلَّ
شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ
صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ
(30) الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ
(31) لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ. وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ
(32) عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ
(33) لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.
أَطْلِقْ
(34) عَنِ النَّاسِ
عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ
(35)، وَتَغَابَ
(36) عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَضِحُ
(37) لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِيَ
(38) غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.
وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ
(39)، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ
يخوفك منه لو بذلت.">(40)، وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الْأُمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ
(41) بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى
(42) يَجْمَعُهَا سُوءُ
الظَّنِّ بِاللهِ.
شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً
(43)، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ
(44)، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ
ظالم.">(45)، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ
(46) وَأَوْزَارِهِمْ
(47) وَ آثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ
ظَالِماً عَلَى
ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ: أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً
(48)، فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ حَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا
كَرِهَ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ.
وَالْصَقْ بِأَهْلِ
الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ
(49) عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ
(50) بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ
(51)، وَتُدْنِي
(52) مِنَ الْعِزَّةِ.
وَلاَ يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ، تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ
ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ
(53). فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجَتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ
الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ
الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً
(54) طَوِيلاً.
وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ
ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ
ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ
(55).
وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الْأُلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الْأَجْرُ بِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا.
وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا
صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ،
وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَ ا إلاَّ بِبَعْضٍ، وَلاَ
غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْهَا جُنُودُ
اللهِ، مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ
(56)، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ
نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ ـ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً.
فَالْجُنُودُ،
بِإِذْنِ اللهِ، حُصُونُ الرَّعِيَّةِ، وَزَيْنُ الْوُلاَةِ، وعِزُّ الدِّينِ، وَسُبُلُ الْأَمْنِ، وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ.
ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ فِي جِهَادِ عَدُوِهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيَما يُصْلَحهُمْ، وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ
(57).
ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ، لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ
البيع والشراء وما شابههما مما هو شأن القضاة.">(58)، وَيَجْمَعُونَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا.
وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، فِيَما يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ
(59)، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ
كسب غيرهم من سائر الطبقات.">(60) بِأَيْدِيهِمْ ما لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ
(61) وَمَعُونَتُهُمْ.
وَفِي
اللهِ لِكُلٍّ
سَعَةٌ، وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ. وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللهُ مِنْ ذلِكَ إِلاَّ بِالْإِهْتِمامِ وَالْإِسْتِعَانَةِ بِاللهِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ.
وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيَما خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ.
فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً
طاهر الصدر والقلب.">(62)، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً
(63) مِمَّنْ يُبْطِىءُ عَنِ
الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُوعَلَى الْأَقْوِيَاءِ
(64)، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ.
ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ
الكرم: مجموع منه.">(65) مِنَ
الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ
(66) مِنَ الْعُرْفِ
(67).
ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ
فكل شيء قويتهم به واجب عليك اتيانه، وهم مستحقون لنيله.">(68) فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً
(69) تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ
الظَّنِّ بِكَ.
وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ
يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ.
وَلْيَكُنْ آثَرُ
(70) رُؤوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ
(71) فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ
(72) عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ
الغنى.">(73) بِمَا
يَسَعُهُمْ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ
(74) أَهْلِيهِمْ، حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ.
وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ. وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ
(75) عَلَى وُلاَةِ الْأُمُورِ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ
الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلى ذَوُوالْبَلاَءِ
(76) مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ
(77)، إِنْ شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ
(78) امْرِىءٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَاكَانَ عَظيِماً.
وَارْدُدْ إِلَى
اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ
(79) مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ سبحانه لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾، فَالرَّدُّ إِلَى
اللهِ: الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ
(80)، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ: الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.
ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ
كمنَعَ ـ إذا لجّ في الخصومة، وأصرّ على رأيه.">(81) الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى
(82) فِي الزَّلَّةِ
(83)، وَلاَ يَحْصَرُ
(84) مِنَ الْفَيْءِ
(85) إِلَى الْحَقِّ إذَا
عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ
(86) نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ، وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقصَاهُ
(87)، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ
(88)، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً
(89) بِمُرَاجَعَةِ
الْخَصْمِ،
وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ
(90) عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ
(91)، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ.
ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ
(92) قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ
أوْسِع له في العطاء بما يكفيه.">(93) مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ.
فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً، فَإِنَّ هذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ، يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى، وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا. ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً
(94)، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً
(95) وأَثَرَةً
(96)، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ
(97) الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ.
وَتوَخَّ
(98) مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ
(99) فِي الْإِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ
أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً.
ثُمَّ أَسْبِغْ
الرزق: أكمله وأوسع له فيه.">(100) عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ
(101). ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ،
وَابْعَثِ الْعُيُونَ
(102) مِنْ أَهْلِ
الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ
(103) عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ.
وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ
شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ.
وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.
وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لِأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً. فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً
(104)، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ
(105) أَوْ بَالَّةٍ
(106)، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ
(107) اغْتَمَرَهَا
(108) غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ
(109) بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُوأَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَ تَبَجُّحِكَ
(110) بِاسْتِفَاضَةِ
(111) الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ
(112)، بِمَا ذَخَرْتَ
(113) عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ
(114) لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ
(115) أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ
(116)، وَسُوءِ
ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.
ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْأَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ
(117) الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِىءَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَءِ
(118)، وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ
الْغَفْلَةُ الغفلة: أي لا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك، ولا في إصدار الأجوبة عنه على وجه الصواب.">(119) عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوابِ عَنْكَ، وَفِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ
(120)، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ
(121)، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفسِهِ فِي الْأُمُورِ، فَإِنَّ
الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بَقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ.
ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ
الظن وحسن النظر في الأمور.">(122) وَاسْتِنَامَتِكَ
(123) وَحُسْنِ
الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ
(124) الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ
(125) وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، لَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيْءٌ، وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَاوَلُوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وَلِّيتَ أَمْرَهُ.
وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ
(126) عَنْه أُلْزِمْتَهُ. ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ
(127)، وَالْمُتَرَفِّقِ
(128) بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ
(129)، وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَباعِدِ وَالْمَطَارِحِ
(130)، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا
(131)، وَلاَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ
(132) لاَ
تُخَافُ بَائِقَتُهُ
(133)،
وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ.
وَاعْلَمْ ـ مَعَ ذلِكَ ـ أَنَّ فِي كَثِيٍر مِنْهُمْ ضِيقاً
(134) فَاحِشاً، وَشُحّاً
(135) قَبِيحاً، وَاحْتِكَاراً
(136) لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ.
فَامْنَعْ مِنَ الْإِحْتِكَارِ، فَإِنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَنَعَ مِنْهُ.
وَلْيَكُنِ
الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وَأَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ
(137)، فَمَنْ قَارَفَ
(138) حُكْرَةً
(139) بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ
(140)، وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ
(141).
ثُمَّ
اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى
(142) وَالزَّمْنَى
(143)، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً
(144) وَمُعْتَرّاً
(145)، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ
(146) مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسمْاً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسماً مِنْ غَلاَّتِ
(147) صَوَافِي
(148) الْإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلاَ يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ
(149)، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ
(150) لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.
فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ
(151) عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ
(152)، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ
تكره أن تنظر اليه احتقاراً وازدراءً.">(153)، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لِأُولئِكَ ثِقَتَكَ
(154) مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُع، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَالْإِعْذَارِ إِلَى
اللهِ تَعَالَى
(155) يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى
اللهِ تَعَالَى فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيهِ.
وَتَعَهَّد ْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ
(156) مِمَّنْ لاَحِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ
فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا
بِصِدْقِ مَوْعُودِ
اللهِ لَهُمْ. وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ
(157) مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ
(158) مِنْ أَحْرَاسِكَ
المكروه.">(159) وَشُرَطِكَ
(160)، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ
خائف تعبيراً باللازم.">(161)، فَإِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ
(162): "لَنْ تُقَدَّسَ
(163) أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ".
ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ
(164) مِنْهُمْ وَالْعِيَّ
(165)، وَنَحِّ
(166) عَنْهُمُ الضِّيقَ
(167) وَالْأَنَفَ
(168)، يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بَذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ
(169)، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً
(170)،
وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ
امنع في إجمال وإعذار: وإذا منعت فامنع بلطف وتقديم عذر.">(171)!
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَبُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا
(172) عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وَرُودِهَا عَلَيْكَ مِمَّا تَحْرَجُ
تَعِب ـ: ضاق، والاعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، ويحبون المماطلة في قضائها استجلاباً للمنفعة، أوإظهاراً للجبروت.">(173) بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ.
وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ، وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ
اللهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ
(174) تِلْكَ الْأَقْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ.
وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ لِلَّهِ بِهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتي هِيَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ
اللهَ مِن بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى
اللهِ مِنْ ذلِكَ كَاملاً غَيْرَ مَثْلُومٍ
(175) وَلاَ
مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ. وَإِذَا قُمْتَ فِي
صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً
الصلاة فتكرّه بها الناس ولا تضيع منها شيئاً بالنقص في الأركان، بل التوسط خير.">(176)، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ
رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَيمنِ كَيْفَ
أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: "
صَلِّ بِهِمْ
كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً".
وَأَمَّا بَعْدَ، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ، وَالْإِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دوُنَهُ فَيَصْغُرُ عِندَهُمْ الْكَبِيرُ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ
بِالْبَاطِلِ.
وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ
(177) تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ
الصِّدْقِ مِنَ
الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ
(178) فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ، أَوْ فِعْلٍ
كَرِيمٍ تُسْدِيهِ، أَوْ
مُبْتَلَىً بِالْمَنعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا
(179) مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ، مِنْ شَكَاةِ
(180) مَظْلِمَةٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ.
ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ، فَاحْسِمْ
(181) مَادَّةَ أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَلاَ تُقْطِعَنَّ
(182) لِأَحَد مِنْ حَاشِيتِكَ وَحَامَّتِكَ
(183) قَطِيعةً، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ
ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.">(184) عُقْدَةٍ، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْبٍ
(185) أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَيَكُونَ مَهْنَأُ
(186) ذلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِي ذلِكَ
صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ
(187) ذلِكَ مَحْمُودَةٌ.
وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً
(188)، فَأَصْحِرْ
(189) لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ
(190) عَنكَ
ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً
(191) مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَ إِعْذَاراً
(192) تَبْلُغُ فِيهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.
وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّ كَ لِلَّهِ فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي
الصُّلْحِ دَعَةً
(193) لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ
بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.">(194)، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ
الظَّنِّ.
وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوّ لَكَ
عُقْدَةً، أَوْ
أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً
لباساً لمشابهته له في الرقابة من الضرر.">(195)، فَحُطْ
(196) عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً
(197) دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ
اللهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشدُّ عَلَيْهِ اجْتِماعاً، مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشْتِيتِ آرَائِهِمْ، مِنَ تَعْظيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ.
وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا
(198) مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ، فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ
(199)، وَلاَ تَخْتِلَنَّ
(200) عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِىءُ عَلَى
اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ
شَقِيٌّ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ
عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ
(201) بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً
(202) يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ
المَنَعة ـ بالتحريك ـ: ما تمتنع به من القوة.">(203)، يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ
(204)، فَلاَ إِدْغَالَ
(205)، وَلاَ مُدَالَسَةَ
(206)، وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ، وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تَجُوزُ فِيهِ الْعِلَلُ
(207)، وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى
لَحْنِ القَوْلٍ
(208) بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ
عَهْدُ اللهِ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإنَّ
صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُوانْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ
تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ
اللهِ فِيهِ طَلِبَةٌ
(209)، لاَتَسْتَقِيلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَلاَ آخِرَتَكَ.
إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا.
وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ
يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ
اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي
قَتْلِ الْعَمدِ، لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ
القصاص، وإضافته للبدن لأنه يقع عليه.">(210) الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ
قتلاً.">(211) سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِعُقُوبَة، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ
(212) فَمَا فَوْقَهَا
مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ
(213) بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول حَقَّهُمْ.
وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ
(214)، فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ.
وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ
(215) فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ
(216) عِنْدَاللهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللهُ سبحانه:
﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ وإيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ
(217) فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ
(218)، أَوِ الْوَهْنَ
(219) عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمَرٍ مَوْقِعَهُ.
وَإيَّاكَ وَالْإِسْتِئْثَارَ
(220) بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ
(221)، وَالتَّغَابِيَ
(222) عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلَيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ
(223)، وَسَوْرَةَ
(224) حَدِّكَ
(225)، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ
(226) لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ
الغضب من سباب ونحوه.">(227)، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ
غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الْإِخْتِيَارَ: وَلَنْ تَحْكُمْ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ.
وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ
نَبِيِّنَاـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أَوْ فَرِيضَة فِي كِتَابِ
اللهِ، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عهْدِي هذَا، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ، لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا.
وَأَنَا أَسْأَلُ
اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ
الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ، وَجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبَلاَدِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، وَتَضْعِيفِ
الْكَرَامَةِ الكرامة: زيادة الكرامة إضعافاً.">(228)، وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بالسَّعَادَةِ
وَالشَّهَادَةِ،
﴿إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، وَالسَّلاَمُ عَلَى
رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ الطَيِّبِينَ الطَاهِرِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً وَالسَّلَامُ.
پاورقي ها
2- الجَمَحات: منازعات النفس إلى شهواتها ومآربها.
3- شُحّ بنَفْسِك: ابخل بنفسك عن الوقوع في غيرالحل، فليس الحرص على النفس إيفاءها كل ما تحب، بل من الحرص أن تحمل على ما
تكره.
6- استكفاك: طلب منك كفاية أمرك والقيام بتدبير مصالحهم.
7- أراد «بحرب الله»: مخالفة شريعته
بالظلم والجور.
8- «لايدي لك بنقمته»: أي ليس لك يد أن تدفع
نقمته، أي لا طاقة لك بها.
9- بجح به: كفرح لفظاً ومعنى.
10- البادرة: ما يبدر من الحدة عند
الغضب في قول أو فعل.
11- المندوحة:
المتسع، أي المخلص.
12- مؤمر ـ كمعظم ـ أي: مسلط.
13- الإدغال: إدخال الفساد.
14- منهكة: مضعفة، وتقول: «نهكه»، أي أضعفه... وتقول: نهكه السلطان من باب فهم، أي: بالغ في عقوبته.
15- الغِير ـ بكسر ففتح ـ: حادثات الدهر بتبدل الدول.
16- الأبّهة ـ بضم الهمزة وتشديد الباء مفتوحة ـ: العظمة والكبرياء.
17- المَخِيلة ـ بفتح فكسر ـ: الخيلاء والعجب.
18- يُطامن الشيء: يخفض منه.
19- الطِماح ـ ككتاب ـ: النشوز والجماح.
20- الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ: الحدة.
23- المساماة: المباراة في السمو، أي العلو.
24- من لك فيه هوى: أي لك إليه ميل خاص.
26- كان حرباً: أي محارباً.
27- «ينزع» ـ كيضرب ـ أي: يقلع عن ظلمه.
28- «يجحِف برضى الخاصة»: يذهب برضاهم.
29- الإلحاف: الإلحاح والشدة في السؤال.
30- جِماع الشيء ـ بالكسر ـ: جمعه، أي جماعة الاسلام.
31- الصِغْوـ بالكسر والفتح ـ: الميل.
33- الأطلب للمعائب: الأشد طلباً لها.
34- أطلق عقدة كل حقد: احلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم.
35- الوِتْر ـ بالكسر ـ: العداوة.
37- يَضِح: يظهر، والماضي وَضَحَ.
38- الساعي: هو النمام بمعائب الناس.
39- الفضل ـ هنا ـ: الإحسان بالبذل.
40- يَعِدُك الفقر:
يخوفك منه لو بذلت.
41- الشّرَه ـ بالتحريك ـ: اشد الحرص.
43- بِطانة الرجل ـ بالكسر ـ: خاصته، وهو من بِطانة الثوب خلاف ظهارته.
44- الأثمة: جمع آثم، وهو فاعل الاثم أي الذنب.
46- الآصار: جمع إصر بالكسر، وهو الذنب والإثم.
47- الأوزار: جمع وِزْر، وهو الذنب والإثم أيضاً.
48- الإلف ـ بالكسر ـ: الألفة والمحبة.
49- «رُضْهُم»: أي عوّ دهم على ألا يطروك، أي يزيدوا في مدحك.
50- لا يُبجّحُوك: أي يفرحوك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تكن فعلته.
51- الزَهْوـ بالفتح ـ: العُجْب.
52- «تدني»: أي تقرب. والعزة ـ هنا ـ: الكِبْر.
53- قِبَلَهُمْ ـ بكسر ففتح ـ أي: عندهم.
54- النَصَب ـ بالتحريك ـ: التعب.
55- «ساء بلاؤك عنده»: البلاء ـ هنا ـ الصنع مطلقاً حسناً أوسيئاً.
57- «يكون من وراء حاجتهم»: أي يكون محيطاً بجميع حاجاتهم دافعاً لها.
58- المعاقد: العقود في
البيع والشراء وما شابههما مما هو شأن القضاة.
59- المرافق: أي المنافع التي يجتمعون لأجلها.
60- الترفق: أي التكسب بأيديهم ما لا يبلغه
كسب غيرهم من سائر الطبقات.
61- رِفْدهم: مساعدتهم وصلتهم.
62- جيب القميص: طوقه؛ ويقال: «تقي الجيب»، أي:
طاهر الصدر والقلب.
63- الحِلم ـ هنا ـ: العقل.
64- ينبو عليه: يتجافى عنهم ويبعد.
65- جماع من
الكرم: مجموع منه.
66- شُعب ـ بضم ففتح ـ: جمع شعبة.
68- تفاقم الأمر: عظم، أي لا تعدّ شيئاً قويتهم به غاية في العظم زائداً عما يستحقون،
فكل شيء قويتهم به واجب عليك اتيانه، وهم مستحقون لنيله.
69- لا تحقرَنّ لطفاً: أي لا تعد شيئاً من تلطفك معهم حقيراً فتتركه لحقارته، بل كل تلطف ـ وإن قل ـ فله موقع من قلوبهم.
70- «آثر»: أي أفضل وأعلى منزلة.
71- وَاسَاهُمْ: ساعدهم بمعونته لهم.
73- الجِدَة ـ بكسر ففتح ـ:
الغنى.
74- خلوف أهليهم: جمع خَلْف ـ بفتح وسكون ـ وهو من يبقى في الحي من النساء والعَجَزَة بعد سفر الرجال.
75- حِيطة ـ بكسر الحاء ـ: من مصادر «حاطة»، بمعنى حفظه وصانه.
76- ذووالبلاء: أهل الأعمال العظيمة.
77- يحرض الناكل: يحث المتأخر القاعد.
78- بلاء امرىء: صنيعه الذي أبلاه.
79- ما يُضْلِعُك من الخطوب: ما يؤودك ويثقلك ويكاد يُمِيلك من الأمور الجسام.
80- مُحْكَم الكتاب: نصّه الصريح.
81- تمحّكه الخصوم: تجعله ما حقاً لجوجاً، يقال: مَحَك الرجل ـ
كمنَعَ ـ إذا لجّ في الخصومة، وأصرّ على رأيه.
82- يتمادى: يستمر ويسترسل.
83- الزَلّة ـ بالفتح ـ: السقطة في الخطأ.
84- لا يَحْصر: لا يعيا في المنطق.
85- الفيء: الرجوع إلى الحق.
86- لا تشرف نفسه: لاتطلع. والاشراف على الشيء: الاطلاع عليه من فوق.
87- أدنى فهم وأقصاه: أقربه وأبعده.
88- الشبهات: ما لا يتضح الحكم فيه بالنصّ، وفيها ينبغي الوقوف على القضاء حتى يرد الحادثة إلى أصل صحيح.
89- التبرم: الملل والضجر.
90- أصرمهم: أقطعهم للخصومة وأمضاهم.
91- لا يزدهيه إطراء: لا يستخفه زيادة الثناء عليه.
92- تعاهده: تتبعه بالاستكشاف والتعرف.
93- افسح له في البذل: أي
أوْسِع له في العطاء بما يكفيه.
94- اسْتَعْمِلْهُمْ اختباراً: وَلِّهم الأعمال بالامتحان.
95- محاباة: أي اختصاصاً وميلاًمنك لمعاونتهم.
96- أثَرَة ـ بالتحريك ـ أي: استبداداً بلا مشورة.
97- فإنهما جماع من شُعَب الجور والخيانة أي: يجمعان فروع الجور والخيانة.
98- «توخّ»: أي اطلب وتحرّ أهل التجربة....
99- القَدَم ـ بالتحريك ـ: واحدة الأقدام، أي الخطوة السابقة، وأهلها هم الأولون.
100- أسبغ عليه
الرزق: أكمله
وأوسع له فيه.
101- ثلموا أمانتك: نقصوا في أدائها أوخانوا.
103- «حَدْوَة»: أي سَوق لهم وحثّ.
104- إذا شكوا ثِقَلاً أوعلّة: يريد المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته.
105- إنقِطاع شِرْب ـ بالكسر ـ أي: ماء تسقى في بلاد تسقى بالأنهار.
106- إنقطاع بالّة: أي ما يبلّ الأرض من ندى ومطر فيما تسقى بالمطر.
107- إحالة أرض ـ بسكر همزة إحالة ـ أي: تحويلها البذور إلى فساد بالتعفن.
108- اغتمرها: أي عمها من الغرق فغلبت عليها الرطوبة حتى صار البذر فيها غمقاً ـ ككتف ـ أي له رائحة خمة وفساد.
109- أجحف العطش: أي أتلفها وذهب بمادة الغذاء من الأرض فلم ينبت.
110- التبجح: السرور بما يرى من حسن عمله في العدل.
111- استفاضة العدل: انتشاره.
112- معتمداً فضل قوتهم: أي متحداً زيادة قوتهم عماداً لك تستند اليه عند الحاجة.
114- الأجْمام: الترفيه والاراحة.
115- الإعْواز: الفقر والحاجة.
116- إشراف أنفسهم على الجمع: لتطلع أنفسهم إلى جمع المال، ادخاراً لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا.
117- لا تُبْطِره: أي لا تطغيه.
118- ملا: جماعة من الناس تملا البصر.
119- لا تُقصر به
الغفلة: أي لا تكون غفلته موجبة لتقصيره في اطلاعك على ما يرد من أعمالك، ولا في إصدار الأجوبة عنه على وجه الصواب.
120- عَقْداً اعْتَقَدَه لك: أي معاملة عقدها لمصلحتك.
121- لايعجز عن إطلاق ما عُقِد عليك: إذا وقعت مع أحد في عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد.
122- الفِراسة ـ بالكسر ـ: قوة
الظن وحسن النظر في الأمور.
123- الاستنامة: السكون والثقة.
124- «يتعرفون لفراسات الولاة»: أي يتوسلون اليها لتعرفهم.
125- بتصنعهم: بتكلفهم إجادة الصنعة.
127- المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان.
129- المَرَافِق: ما ينتفع به من الأدوات والآنية.
130- المطارح: الأماكن البعيدة.
131- لايلتئم الناس لمواضعها أي: لا يمكن التئام الناس واجتماعهم في مواضع تلك المرافق من تلك الأمكنة.
132- أنهم سِلْم: أي أن التجار والصناع مسالمون.
134- الضيق: عسر المعاملة.
136- الاحتكار: حبس المطعوم ونحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.
137- المبتاع ـ هنا ـ: المشتري.
139- الحُكْرَة ـ بالضم ـ: الاحتكار.
140- فنَكّل به: أي أوقع به النكال والعذاب، عقوبة له.
141- في غير إسراف: أي من غير أن تجاوز حد العدل.
142- البؤسى ـ بضم أوله ـ: شدة الفقر.
143- الزَمْنَى ـ بفتح أو له ـ: جمع زمين وهو المصاب بالزَمانة ـ بفتح الزاي ـ أي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.
145- المُعْترّ ـ بتشديد الراء ـ: المتعرض للعطاء بلا سؤال.
146- اسْتَحْفَظَك: طلب منك حفظه.
148- صوافي الاسلام: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة.
149- بَطَر: طغيان بالنعمة.
151- لا «تُشْخص همك»: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.
152- «صعّر خدّه»: أماله إعجاباً وكبراً.
153- تقتحمه العين:
تكره أن تنظر اليه احتقاراً وازدراءً.
154- «فَرِّغ لأولئك ثقتك»: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.
155- «بالأعذار إلى الله»: أي بما يقدم لك عذراً عنده.
156- ذووالرقّة في السن: المتقدمون فيه.
157- «لذوي الحاجات»: أي المتظلمين تتفرغ لهم فيه بشخصك للنظر في مظالمهم.
158- تُقْعِد عنهم جندك: تأمر بأن يقعد عنهم ولايتعرض لهم جندك.
159- الأحراس: جمع حرس ـ بالتحريك ـ وهو من يحرس الحاكم من وصول
المكروه.
160- الشُرَط ـ بضم ففتح ـ: طائفة من أعوان الحاكم، وهم المعروفون بالضابطة، واحده شرطة ـ بضم فسكون ـ.
161- التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز وعِي، والمراد غير
خائف تعبيراً باللازم.
162- في غير موطن: أي في مواطن كثيرة.
163- التقديس: التطهير، أي لا يطهر الله أمة... الخ.
164- الخُرق ـ بالضم ـ: العنف ضد الرفق.
165- العِي ـ بالكسر ـ: العجز عن النطق.
166- نَحِّ: فعل أمر من نحّى ينحي، أي ابعِدْ عنهم.
167- الضيق: ضيق الصدر بسوء الخلق.
168- الأنَف ـ محركة ـ: الاستنكاف والاستكبار.
169- أكناف الرحمة: أطرافها.
170- هنيئاً: سهلاً لا تخشنه باستكثاره والمن به.
171-
امنع في إجمال وإعذار: وإذا منعت
فامنع بلطف وتقديم عذر.
173- حَرِجَ يَحْرَج ـ من باب
تَعِب ـ: ضاق، والاعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، ويحبون المماطلة في قضائها استجلاباً للمنفعة، أوإظهاراً للجبروت.
175- «غير مثلوم»: أي غير مخدوش بشيء من التقصير ولا مخرق بالرياء.
176- لا تكوننّ منفّراً ولا مضيعاً: أي لا تُطِل
الصلاة فتكرّه بها الناس ولا تضيع منها شيئاً بالنقص في الأركان، بل التوسط خير.
177- سمات: جمع سمة ـ بكسر ففتح ـ: وهي العلامة.
179- أيِسُوا: قنطوا ويئِسوا.
180- شكاة ـ بالفتح ـ: شكاية.
181- «فاحسم»: أي اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم، وإنما يكون بالأخذ على أيديهم ومنعهم من التصرف في شؤون العامة.
182- الاقطاع: المنحة من الأرض، والقطيعة: الممنوح منها.
183- الحامّة ـ كالطامّة ـ: الخاصّة والقرابة.
184- الاعتقاد: الامتلاك، والعقدة ـ بالضمّ ـ: الضيعة، واعتقاد الضيعة: اقتناؤها، وإذا اقتنوا
ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.
185- الشِّرْب ـ بالكسر ـ: هو النصيب في الماء.
186- مهنأ ذلك: منفعته الهنيئة.
187- المَغَبَّة ـ كَمَحَبّة ـ: العاقبة.
189- أصْحِرْ لهم بعذرك: أي أبرز لهم، وبيّن عذرك فيه، وهو من الاصحار: الظهور، وأصله البروز في الصحراء.
190- عَدَل الشيءُ عن نفسه: نحّاه عنه.
191- رياضةً: أي تعويداً لنفسك على العدل.
192- الإعذار: تقديم العذر أوإبداؤه.
193- الدَعَة ـ محرّكة ـ: الراحة.
194- «قارَبَ ليتغفّل»: أي تقرّب منك
بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.
195- أصل معنى الذمّة: وجدان مودع في جبلة الانسان، ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق عليه، ويدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم أطلقت على معنى العهد، وجعل العهد
لباساً لمشابهته له في الرقابة من
الضرر.
196- حُطْ عهدك: أمر من حاطه يحوطه بمعنى حفظه وصانه.
197- الجُنّة ـ بالضم ـ: الوقاية، أي حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك.
198- لِمَا اسْتَوْبَلوا من عواقب الغدر: أي وجدوها وَبيلة، مهلكة.
199- خاس بعهده: خانه ونقضه.
201- «أفضاه» ـ هنا ـ: بمعنى أفشاه.
202- الحريم: ما حرم عليك أن تمسه.
203-
المَنَعة ـ بالتحريك ـ: ما تمتنع به من القوة.
204- «يستفيضون»: أي يفزعون اليه بسرعة.
207- العلل: جمع عِلّة، وهي في النقد والكلام، بمعنى ما يصرفه عن وجهه ويحوله إلى غير المراد، وذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه وعدم صراحته.
208- لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض.
209- أن تحيط بك من الله فيه طلبة: أي تأخذك بجميع أطرافك مطالبة الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدرت به.
210- القَوَد ـ بالتحريك ـ:
القصاص، وإضافته للبدن لأنه يقع عليه.
211- أفْرَطَ عليك سَوْطك: عَجّلَ بما لم تكن تريده، أَردت تأديباً فأعْقَبَ
قتلاً.
212- الوَكْزَة ـ بفتح فسكون ـ: الضربة بجُمع الكف ـ بضم الجيم ـ أي قبضته، وهي المعروفة باللكمة.
213- تَطْمَحَنّ بك: ترتفِعَنّ بك.
214- الإطراء: المبالغة في الثناء.
215- التزيّد ـ كالتقيّد ـ: إظهار الزيادة في الأعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار.
216- المقت: البغض والسخط.
217- التسقط: من قولهم «تسقط في الخبر يتسقط» إذا أخذه قلباٍ يريد به هنا: التهاون.
218- اللجاجة: الإصرار على النزاع. وتنكّرَت: لم يعرف وجه الصواب فيه.
220- الاستئثار: تخصيص النفس بزيادة.
221- الناس فيه أُسوة: أي متساوون.
223- يقال: «فلان حمّي الانف»: إذا كان أبياً يأنف الضيم.
224- السَوْرة ـ بفتح السين وسكون الواو ـ: الحِدة.
225- الحَدّة ـ بالفتح ـ: البأس.
226- الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ: الحدّ تشبيهاً له بحد السيف ونحوه.
227- البادرة: ما يبدومن اللسان عند
الغضب من
سباب ونحوه.
228- تضعيف
الكرامة: زيادة
الكرامة إضعافاً.