الخطبة ٣٢: وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا
مسير خانه » نهج البلاغه » خطبه ها » الخطبة ٣٢: وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا

 جستجو  شماره: 33  بازديدها: 1441
فهرست ومن خطبة له عليه السلام وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا
معنى جور الزمان
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْر عَنُودٍ (1)، وَزَمَن كَنُودٍ (2)، يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً (3) حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
أصناف المسيئين
فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف:
مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الْأَرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ (4)، وَنَضِيضُ وَفْرِهِ (5).
وَمِنْهُمُ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ (6) وَرَجِلِهِ (7)، قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ (8)، وَأَوْبَقَ دِينَهُ أهلكه
.">(9) لِحُطَامٍ (10) يَنْتَهِزُهُ (11)، أَوْ مِقْنَبٍ (12) يَقُودُهُ، أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ (13). وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضاً!
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ (14) مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً (15) إِلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُؤُولَةُ نَفْسِهِ (16)، وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاحٍ (17) وَلاَ مَغْدىً (18). الراغبون في الله وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ (19)، وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ (20)، وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ يأكل
أويعضّ.">(21)، وَدَاعٍ مُخْلِصٍ، وَثَكْلاَنَ (22) مُوجَعٍ، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ (23) التَّقِيَّةُ الظلم بإخفاء المال.">(24)، وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْر أُجَاجٍ (25)، أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ (26)، وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ (27)، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا (28)، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.
التزهيد في الدنيا فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ (29) الْقَرَظِ (30)، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ (31)، وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ؛ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ (32).
قال السيد الشريف ـ رضي اللّه عنه ـ: أقول: وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له بها إلى معاوية، وهي من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرّغام (33)! والعذب من الاجاج!
وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيِت (34) ونقده الناقد البصير عمروبن بحر الجاحظ؛ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتابه «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الإخبار عماهم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق. قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد، ومذاهب العُبّاد!

پاورقي ها

1- العَنُود: الجائر ـ من «عَنَدَ يَعْنُدُ» كنصر ـ: جار عن الطريق وعدل.
2- الكَنُود: الكَفُور.
3- القارعة: الخَطْب يقرع من ينزل به، أي يصيبه.
4- كَلالَةَ حَدّهِ: ضعف سلاحه عن القطع في أعدائه، يُقال: كَلّ السيف كَلالَةً أذا لم يقطع، والمُراد إعوازه من السلاح.
5- نَضيضُ وَفْرِهِ: قلّة ماله، فالنضيض: القليل، والوفر: المال.
6- المُجْلِبُ بخَيْلِهِ: مِنْ «أجْلَبَ القوْمُ» أي جلبوا وتجمعوا من كل أوب للحرب.
7- الرَّجِل: جمع راجل.
8- «أشرط نفسه»: هيأها وأعدها للشر والفساد في الارض.
9- «أوْبَقَ دِينَه»: أهلكه.
10- الحطام: المال، وأصله ما تكسرَ من اليبس.
11- ينتهزه: يغتنمه أويختلسه.
12- المِقْنَب: طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الاربعين.
13- فَرَعَ المنبر ـ بالفاء ـ: علاه.
14- طَامَنَ: خَفَضَ.
15- الذريعة: الوسيلة.
16- ضؤولة النفس ـ بالضم ـ: حقارتها.
17- مَرَاح ـ مصدر ميمي من راح ـ: إذا ذهب في العشي.
18- مَغْدَى ـ مصدر ميمي من غدا ـ: إذا ذهب في الصباح.
19- النّادّ: المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة.
20- المقموع: المقهور.
21- المكعوم: من «كَعَمَ البعيرَ» شدّ فاه لئلاّ يأكل أويعضّ.
22- ثَكْلان: حزين.
23- أخمله: أسقط ذكره حتى لم يَعُد له بين الناس نباهة.
24- التّقِيّة: اتقاء الظلم بإخفاء المال.
25- الاُجاج: الملح.
26- ضامزة: ساكنة.
27- قَرِحَة ـ بفتح فكسر ـ: مجروحة.
28- ملّوا: أي أنهم أكثروا من وعظ الناس حتى سئموا ذلك، إذْ لم يكن لهم في النفوس تأثير.
29- الحُثالة ـ بالضم ـ: القُشارة ومالا خير فيه، وأصله ما يسقط من كل ذي قِشْر.
30- القَرَظ ـ محركة ـ: ورق السلم أوثمر السنط يدبغ به.
31- الجَلَم ـ بالتحريك ـ: مِقراض يُجَزّ به الصوف، وقُراضته: ما يسقط منه عند القرض والجزّ.
32- أشْغَفَ بها: أشد تعلقاً بها.
33- الرّغام ـ بالفتح ـ: التراب، وقيل: هوالرمل المختلط بالتراب.
34- الخِرّيت ـ بوزن سِكّيت ـ: الحاذق في الدلالة، وفعله كفرح.



الهلاك (1)، الأكل (1)، الظلم (2)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (1)، الخوف (4)، المنع (1)، اللبس (1)، القتل (1)، التقية (1)