إن فكرة الخلافة والامامة هي نقطة الخلاف بين الشيعة وأهل السنة منذ القديم، وبقيت حتى يومنا هذا، وصحة الإمامة وعدم صحتها عند الشيعة وأهل السنة، تظهر من معتقدات الفريقين في التوحيد والنبوة والعدل. فاذا كانت معتقدات أحدهما صحيحة تكشف عن صحة معتقدات تلك الفرقة في الإمامة، وإلا لم تكن معتقداتهم في الإمامة صحيحة لفساد تلك المعتقدات. وهذا يظهر مما سبق في بيان عقيدة كل من الشيعة وأهل السنة، وهذا لا يحتاج إلى دليل، إلا من باب تأكيد صحة معتقد تلك الفرقة، ولهذا نرى الشيعة يعتمدون على صحة ما يذهبون إليه من القول بالنص على أدلة لا خلاف فيها، معتمدين على ما ثبت صحته عند المسلمين جميعا ليكون أقرب إلى الاستدلال بعيدا عن الأهواء والاحقاد. فالامامة والخلافة لفظتان تعبران عن معنى واحد، وهو الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وسمي القائم بهذه المهمات إماما لأن الناس يسيرون وراءه فيما يشرع لهم ويرشدهم إليه، وسمي بالخليفة كما كان الشايع في عصر الراشدين أو ما بعده، لأنه يخلف الرسول في إدارة شؤون الامة وقيادتها، ولهذا كانت الإمامة والخلافة هي الحجر الاساسي عند جميع الفرق الاسلامية، بل عند جميع العقلاء، لأن في الامامة والخلافة تقام معالم الاسلام، ويعرف الحلال والحرام، وتقام الحدود وتدرأ المفاسد، ولأجل هذا لم يهمل الاسلام هذا الركن الذي تتوقف عليه معالم واستمرارية الشريعة، فأوضحه بصريح العبارة دون التلويح والاشارة بنصوص لا تقبل التأويل كما سنشير إليها إن شاء الله. أما الشيعة الإمامية فكلهم متفقون على وجوب الإمامة والخلافة العامة من طريق العقل والشرع، وأن اختيار الامام يعود إلى الله وحده، لأن وجود الامام لطف من الله، يقربهم من الطاعات ويصدهم عن المعاصي والمنكرات، واللطف واجب عليه سبحانه بحكم العقل، وقد عين النبي (صلى الله عليه وآله) لهم الامام من بعده بأمر ربه، ونص عليه بوصفه واسمه كما تؤكد النصوص الاسلامية. ووافق الشيعة بهذا القول أكثر المعتزلة، يقول النظام: (أولا: لا أمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا ومكشوفا. وقد نص النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) في مواضع وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة، إلا أن عمر كتم ذلك، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة) (1). ووافقه الاسواري في جميع ما ذهب إليه وكذلك أبو جعفر الإسكافي وأصحابه من المعتزلة، والجعفريان: جعفر بن مبشر، وجعفر بن حرب، وكذلك محمد بن شبيب، وأبو شمر، وموسى بن عمران من أصحاب النظام، وكذلك الخابطية أصحاب أحمد بن خابط، والحديثية أصحاب الفضل الحديثي (2). والإمامة عند الشيعة لم تتحقق عن اختيار ورغبة الناس بقبول شخص أو تعيينه لهذا المنصب الالهي، وإنما خاضعة لأرادة الله يختار من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه شروط الإمامة، ولهذا فهي رياسة عامة إلهية خلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمور الدين والدنيا، وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة. فالمراد بالإمامة هنا تولي السلطة المطلقة التي كانت للنبي دون استثناء، ولذا تسمى بخلافة النبي، وتجب طاعة الامام على الامة كافة كما تجب طاعة النبي كذلك. والأدلة التي ساقها الشيعة على تعيين النبي لشخص الامام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)تبطل القول بالشورى والاختيار لتهافته وعدم حصولها على مر العصور منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يومنا هذا، هذا أولا، وأما ثانيا، فإن الأدلة التي اعتمدوها كلها من كتب أهل السنة، سواء كانت أدلة من القرآن الكريم، كآية الانذار والولاية وآية التطهير والمودة وغيرها، أم من السنة الصحيحة كحديث الغدير والمنزلة والثقلين وغيرها من الأحاديث الناصة على خلافته. ولاشك أن كل من يؤمن بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله) وأنه لا ينطق من الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ينبغي أن يؤمن بهذه الأحاديث، لئلا يشاقق الله ورسوله، ويتبع غير سبيل المؤمنين وذلك في قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (3). ولأجل هذا نذكر جملة من الأدلة على سبيل المثال والاختصار، ليتضح معتقد الشيعة في الإمامة وأنها بالنص، وهذه الأدلة مقتبسة من مصادر أهل السنة الناصة على خلافة الامام علي (عليه السلام). النص الأول: آية الانذار أو الدار قال تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (4). من الآيات الصريحة التي يستند عليها الشيعة في إثبات الوصية والنص لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)آية الانذار، التي أخرجها علماء أهل السنة ورواتهم في الامام علي، فقد أخرج الطبري في تأريخه وابن الاثير في الكامل في حديث طويل عن علي بن أبي طالب، وذلك عندما نزلت الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (.... وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم، قال: (فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت:.... أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) (5). يقول الشهرستاني: (وأما تصريحاته- أي النبي- فمثلما جرى في نأنأة الاسلام، - أي حين كان ضعيفا- حين قال: من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعه جماعة. ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصي وولي هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتى مد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يده فبايعه على روحه ووفى بذلك، حتى كانت قريش تعير أبا طالب أنه أمر عليك ابنك) (6). وهذا الحديث الذي يدل على الوصاية من النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام) قد اخرجه أصحاب التفسير من علماء السنة وراتهم منهم: أبو الحسن النيسابوري في اسباب النزول (7)، والقندوزي في ينابيع المودة (8)، وابن حجر العسقلاني في الإصابة (9) والامام أحمد في المسند (10)، والمحب الطبري في الرياض النضرة (11)، وابن كثير في تفسيره (12)، وغير هؤلاء من علماء السنة وحفاظهم (13). إذا نظرنا إلى هذا الحديث، نجد أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل الوصاية والخلافة للذي يؤازره على أمر الرسالة، ولم يؤازره على هذا الامر غير الامام علي (عليه السلام)، فتثبت بمقتضى ذلك وصايته وخلافته. ولما كان أهل البيت أفضل من غيرهم بمقتضى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، فاذا ثبتت الخلافة والوصاية للإمام علي على هؤلاء الذين أمر الله سبحانه المسلمين بمودتهم ومحبتهم لفضيلتهم على غيرهم فمن طريق اولى أن تثبت خلافة الإمام علي على المسلمين كافة (14). النص الثاني: آية الولاية قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (15). ومن النصوص الصريحة على وجود النص على خلافة الامام علي (عليه السلام) قوله تعالى: (إنما وليكم... الآية). فهي تدل على أن الولاية المطلقة لله سبحانه فهو المتصرف في شؤون عباده، ولما كان العطف في اللغة يفيد المشاركة في الحكم، فان هذه الآية بمقتضى هذا العطف تكون للنبي (صلى الله عليه وآله). وليس المراد من الولاية هنا- كما توهمه البعض- الاولى، أو المحب، لعدم استقامة ذلك بالنسبة لله سبحانه، وذلك بمقتضى العطف، وإذا ثبت ذلك، فيكون معناها المتصرف في شؤون الغير، وهي الإمامة والخلافة المطلقة، فتكون ثابتة بمقتضى هذه الآية في الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكان وهم راكعون، وهذه الآية نزلت في الإمام علي باتفاق أهل السنة والشيعة، فهو المجمع عليه دون سواه. يقول الزمخشري في كشافه: (وإنها نزلت في علي (عليه السلام) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح خاتمه كأنه مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته) (16). وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (... وإنما وليكم الله... الآية). عن غالب بن عبد الله سمعت مجاهدا يقول في قوله: إنما وليكم الله ورسوله... الآية، نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع، وقال عبد الرزاق، حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله: إنما وليكم الله ورسوله... نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت: (إنما وليكم الله ورسوله...) (17). وقد أخرج هذه الآية في الامام علي حفاظ أهل السنة ومفسروهم، منهم القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (18)، والحاكم في شواهد التنزيل (19)، والنيسابوري في أسباب النزول (20)، والسيوطي في الدر المنثور، والفخر الرازي في التفسير الكبير (22)، وابن المغازلي في المناقب (23)، والمحب الطبري في الرياض النضرة (24)، وذخائر العقبى (25)، وسبط بن الجوزي في تذكرة الخواص، والقندوزي في ينابيع المودة وغير هؤلاء، يقول حسان بن ثابت في هذه المناسبة (26): أبا حسن تفديك روحي ومهجتـي***وكل بطيء في الهوى ومسـارع فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا***فدتك نفوس الخلق يا خير راكـع بخاتمك الميمون يا خير سيــد***ويا خير شار ثم يا خير بايــع فأنزل فيك الله خير ولايــــة***وبينها في محكمات الشرايــع النص الثالث: آية المودة قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (27). من الآيات الدالة على وجود النص آية المودة وأن المراد من القربى هو أقرباء النبي وأهل بيته باتفاق المسلمين، وقد نزلت في الامام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وأن مودتهم هي التسليم لهم بالامامة دون غيرهم وذلك بمقتضى البرهان التالي: إن مودة أهل البيت واجبة بمقتضى الآية الكريمة وكل من وجبت مودته وجبت طاعته بمقتضى قوله تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني...)، وعلى هذا نقول: إذا ثبت وجوب المودة، ثبت وجود الطاعة، ومن وجبت طاعته وجبت امامته، فيتكون عندنا البرهان التالي، وهو قياس من الشكل الأول: من وجبت مودته وجبت طاعته وكل من وجبت طاعته وجبت إمامته فالنتيجة: من وجبت مودته وجبت إمامته فيتعين إمامة أهل البيت (عليهم السلام). أما دليل الصغرى فقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). وأما دليل الكبرى فقوله تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني...). وهذا القياس منتج، لأن شروط الشكل الأول متوفرة فيه، وهي ايجاب الصغرى وكلية الكبرى، وعلى هذا يثبت النص على خلافة الامام علي (عليه السلام). وإليك ما جاء عن مفسري أهل السنة وحفاظهم من أن آية المودة نزلت في علي وفاطمة وابنيهما على سبيل المثال: أما المعتزلة، فهذا شيخهم الزمخشري في كشافه قد فسرها في علي وفاطمة والحسن والحسين حيث يقول: (إنها لما نزلت، قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال: علي وفاطمة وابناهما) (28). ومن هنا يظهر فساد من يدعي في قوله: (أما غير الشيعة، معتزلة وأهل سنة فيرون أن ذلك غير مراد بالآية... وهي نزلت عندما آذى المشركون من قريش رسول الله...) (29). إلى آخر مقولته الفاسدة أعرضنا عن ذكرها، ومن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى كتابنا مع الدكتور الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح ليرى ما يزعمه هذا القائل. وأما أهل السنة فقد خرجوها بطرق كثيرة: منها ما نقله الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (لما نزلت: قل لا أسألكم عليه أجرا... الآية... قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وولداها) وقد خرجها بطرق مختلفة) (30). يقول القرطبي في تفسيره: (وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما أنزل الله عز وجل: (الآية) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم؟ قال: علي وفاطمة وأبناؤهما) (31). ولهذا جاء في أنوار التنزيل للبيضاوي: (روى أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء؟ قال: علي وفاطمة وابناهما) (32). هذا وقد أخرج هذه الآية في هؤلاء مفسرو علماء السنة وحفاظهم منهم العلامة القمي النيسابوري بهامش جامع البيان للطبري (33)، والنسفي بهامش تفسير الخازن (34)، والفخر الرازي في تفسيره الكبير (35)، والطبري في جامع البيان (36)، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (37)، والسيوطي في الدر المنثور (38)، وتفسير أبي العود (39)، وابن المغازلي في المناقب (40)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى (41)، وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة (42)، والقندوزي في ينابيع المودة حيث يقول: (أخرج الحديث الطبراني في معجمه الكبير وابن أبي حاتم في تفسيره، والحاكم في المناقب والواحدي في الوسيط، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياءوالثعلبي في تفسيره والحمويني في فرائد السمطين... إلى غير ذلك ممن خرج الحديث في هؤلاء الخمسة) (43). هذه نبذة مما ورد في كتب أهل السنة، من أن آية المودة نزلت في خصوص علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وأن المودة في الآية ليس معناها المحبة الصرفة، بل معناها الطاعة والانقياد والاتباع، وإلا فلا ميزة لهؤلاء على غيرهم إذا كانت المودة بمعنى المحبة، وعلى هذا يثبت وجود النص. النص الرابع: آية التطهير ودعوى محمد ناصر الألباني قال تعالى: (إنما يريد الله لذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (44). قبل أن نشير إلى معنى الآية وما ورد فيها من أقوال علماء أهل السنة ومفسريهم، ننقل دعوى الاستاذ محمد ناصر الألباني في كتبه سلسلة الأحاديث الصحيحة، وهو يدعي أنه من نقاد الأحاديث، وذلك في قوله: (وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه (صلى الله عليه وآله) من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم... وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية، ودخول علي وأهله فيها، كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره وكذلك حديث العترة...) (45). إلى آخر مفترياته. أقول: وهذا سوء فهم من الاستاذ الألباني بالأحاديث الصحيحة، كما هو دليل على عدم أمانته في نقل الأحاديث الصحيحة، اعتمادا على الأهواء، وإلا فكيف جاز له أن يعتبر الآية نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، مع أن الآية نص صريح على إذهاب الرجس عن أهل البيت، والمراد من الرجس، هو مطلق الذنب، فعلى قول الألباني من أن الآية نزلت في نساء النبي يلزمه إذهاب الرجس عنهن وعدم عصيانهن، وبالتالي لا يصح أن يقال: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن...) فكيف يقال: (إن اتقيتن) وبين إذهاب مطلق الذنب عنهن، هذا أولا. وثانيا: لو كان المراد من الآية نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن الله سبحانه أراد إذهاب الرجس عنهن، لما صح قوله تعالى: (يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) (46). وثالثا: والذي يدل على عدم أمانة محمد ناصر الدين الألباني، ما أخرجه البخاري في صحيحه، وهو ما يتعلق بنساء النبي (صلى الله عليه وآله) ومدى إيذائهن له (صلى الله عليه وآله)، وهذا لا يجتمع مع إذهاب الرجس عنهن، ولهذا جاء في صحيح البخاري: (إن النبي (صلى الله عليه وآله) هجر عائشة وحفصة شهرا كاملا وذلك بسبب إفشاء حفصة الحديث الذي أسره لها إلى عائشة، فقالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا) (47). وفي رواية أنس قال: (... آلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نسائه شهرا، وكان انفكت قدمه فجلس في علية له، فجاء عمر فقال: أطلقت نساءك؟ قال: لا، ولكن آليت منهن شهرا...) (48). أقول للألباني: أتجتمع هذه الخصال مع قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). مع أن اللازم أن يكون الضمير في عنكم (عنكن) وفي يطهركم (يطهركن) حسب سياق الآيات، ولكن ران على قلبه وعلى بصره غشاوة فهو لا يبصر بعين البصيرة بل بعين الحقد وتغيير آيات الله سبحانه. وحسبك دليلا على افتراء الألباني ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس، وهو دليل على أن المراد من الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). قال ابن عباس: (لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) اللتين قال الله تعالى: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، حتى حج وحججت معه... إلى قوله: من المرأتان من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) اللتان قال الله تعالى: إن تتوبا فقد صغت قلوبكما، قال: (واعجبا يا ابن عباس، هما عائشة وحفصة... إلى قوله: فو الله إن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك، وقلت: قد خاب فعل ذلك منهن، ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله (صلى الله عليه وآله) فتهلكي...) (49). ولنستمع للبخاري مرة أخرى حيث يعطينا الصورة الواضحة عن موقف نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ومدى احترامهن له (صلى الله عليه وآله) والذي يدعي (الاستاذ الألباني) أن آية التطهير وإذهاب الرجس نزلت فيهن ظلما لآل بيت النبوة، ما أخرجه في صحيحه في باب (من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض)، في حديث طويل عن عائشة جاء فيه: (... فأرسلن زينب بنت جحش فأتته - أي رسول الله - فأغلظت وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينظر إلى عائشة هل تكلم، قال: فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها...) (50). أقول للأستاذ صاحب سلسلة الاحاديث الصحيحة: إذا كان هذا هو موقف نساء النبي (صلى الله عليه وآله) منه، يهجرنه اليوم واليومين، والشهر، ويتخاصمن أمامه (صلى الله عليه وآله)، بل يتراشقن بالشتائم والسباب، وينشدن منه العدل، ويغضبن عليه، كل ذلك قد صدر منهن حتى نزلت في حقهن آيات محكمات تخالف ما يدعيه الاستاذ من نزول آية التطهير فيهن، وذلك في قوله تعالى: (عسى ربه أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات...) (51). هذا وقد خفي على الاستاذ الألباني أن من يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أعد الله له عذابا أليما وذلك في قوله سبحانه: (إن الذسين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (52). بالاضافة إلى ما تقدم فاليك ما يرويه إمام الحديث - عند الاستاذ الألباني - الامام مسلم في صحيحه حينما قيل لزيد بن أرقم: (من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده) (53). ومن هذا يظهر فساد ما ذهب إليه الألباني من أن آية التطهير نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله). وهذا ما أكده شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه حقوق آل البيت بين السنة والبدعة في بيان نزول هذه الآية. كما عن أم سلمة في قوله: (ولما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل البيت ويطهرهم تطهيرا. دعا النبي (صلى الله عليه وآله) لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا، به وهم: علي، وفاطمة، رضي الله عنهما، وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير وبين أن قضى بكمال دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) فكان ذلك ملا دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله) (54). وهذا يدل صراحة أن الآية نزلت في هؤلاء دون سواهم من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) كما يدعيه (الاستاذ الألباني) خصوصا إذا عرفنا أن موقف ابن تيمية من شيعة علي (عليه السلام)، موقف المنازع المنكر لكل ما يعتقده الشيعة، ومع هذا سلم بأن آية التطهير نزلت في علي، وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وتأكيدا لهذا إليك ما جاء عن مفسري أهل السنة ورواتهم، على سبيل المثال: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة قالت: (خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (55). وأنت ترى أن أم المؤمنين عائشة تعترف بان الآية لم تنزل فيهن، وهي أحدى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) والمقربة له (صلى الله عليه وآله) كما يقال. وروى ابن تيمية عن أم سلمة، وهي من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا: (إن هذه الآية لما نزلت أدار النبي (صلى الله عليه وآله) كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (56). يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: (... وإن هذا الشيء جرى في الأخبار أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزلت عليه هذه الآية، دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين، فعمد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى كساء فلفها عليهم، ثم ألوى بيده إلى السماء، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (57). وفي ذلك يقول البيضاوي في تفسيره: (وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود...) (58). وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس... الآية... عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة اشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وقد أخرجها ابن كثير في تفسيره بطرق مختلفة (59). ولهذا يقول ابن حجر في صواعقه: (إن أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين) (60). ويقول أيضا: (وصح أنه (صلى الله عليه وآله) جعل على هؤلاء كساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي- أي خاصتي- أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم، قال: إنم على الخير) (61). أقول: وهذا دليل قاطع على أن نساء النبي لا تشملهن الآية المباركة، ويؤيد ذلك أيضا بالإضافة إلى ما ذكرناه، ما ترويه أم المؤمنين عائشة قالت لابن عم لها حينما سألها عن علي (عليه السلام)، فقالت: (تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوبا فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت: فدنوت منهم، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك، فقال (صلى الله عليه وآله): تنحي فإنك على خير) (62). فقوله (صلى الله عليه وآله): تنحي لدليل قاطع على أنها ليست من أهل البيت الذين دلت عليهم الآية. وأخرج الحافظ الذهبي في تلخيصه على المستدرك في حديث صحيح عن ابن عباس قال: (... وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت) الآية... صحيح). يقول الحاكم في مستدركه هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه) (63). وهذا وقد أخرج هذه الآية في هؤلاء الخمسة علماء أهل السنة منهم: النيسابوري في أسباب النزول (64)، والقندوزي في ينابيع المودة (65)، والنسائي في الخصائص (66)، والزمخشري في الكشاف (67)، والامام أحمد كما عن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة...) (68). والبلاذري في أنساب الاشراف (69)، والبيهقي في كتابه الاعتقاد على مذهب السلف (70)، وابن المغازلي في المناقب (71)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى (72)، إلى غير ذلك، وما ذكرناه ففيه الكفاية لطالب الهداية. يقول الدكتور أحمد صبحي معلقا على آية التطهير: (وهذا التفسير يفيد أن آل البيت بيت النبي هم المقصودون من لفظ القربى في الآية.... إذ ان ابن تيمية مع تطرفه في معارضة تفسيرات الشيعة، قد سلم أنه ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد خطب يوم غدير خم فقال: أذكركم في أهل بيتي، قالها ثلاثا) (73). أقول: هذا ما جاء عن حفاظ أهل السنة وثقاتهم من نزول الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فتخصيص النبي (صلى الله عليه وآله) هؤلاء بالخصوص من دون جميع المسلمين وفيهم أقرباؤه، لدليل واضح على تهيئة الجو لهم لاستلام الخلافة من بعده، وتنبيه المسلمين على أن هؤلاء هم الصفوة التي ينبغي أن يسند إليهم قيادة المسلمين. ولهذا يقول العلامة المناوي في فيض القدير في شرح الجامع الصغير للعلامة السيوطي في حديث صحيح: (... أهل بيتي: تفصيل بعد إجمال بدلا او بيانا وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (74). ولهذا جاء في صحيح الامام مسلم: (ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي) (75). ومن كل هذا يظهر لنا ما قاله الاستاذ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه سلسلة الاحاديث الصحيحة، فهو اسم على غير مسماه، تحريفا لما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله). النص الخامس: حديث المنزلة والوصية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي). من النصوص الجيلة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (صلى الله عليه وآله)، ما يرويه علماء أهل السنة وحملة الآثار، وهو حديث المنزلة وأحاديث الوصية. يقول الدكتور أحمد صبحي: (إن بعض علمائهم - أي الشيعة - كعبد الحسين شرف الدين والموسوي القزويني، يذكرون إضافة إلى متن الحديث غير مذكور في النص السني أو حتى النص الذي بينه كثير من علماء الشيعة أنفسهم، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إلا أنه لا نبي بعدي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، ولاشك أن هذه العبارة تجعل من الحديث نصا جليا في إمامة علي يحسم كل اختلاف ويضع حدا للتفسيرات المتباينة التي استخلصتها الفرق من دلالة الحديث، وينسب السيد القزويني هذه الإضافة إلى الحاكم في المستدرك والذهبي في الجزء الثالث من تلخيصه صفحة143...) (76). أقول: وإليك ما أخرجه علماء أهل السنة من وجود هذه الاضافة لتكون نصا صريحا على خلافة الإمام علي كما يقول الدكتور صبحي، لنحسم كل خلاف: أخرج الامام أحمد في مسنده أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. قال: قال رسول الله: أنت وليي في كل مؤمن بعدي... قال: من كنت مولاه فإن مولاه علي...) (77). وفي المستدرك للحاكم عن ابن عباس قال: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، قال ابن عباس: وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه) (78). أي البخاري ومسلم. يقول الحافظ الذهبي في تلخيصه: (... قال: - أي ابن عباس- وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك فبكى علي، فقال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة... صحيح) (79). وأنت ترى أن الحافظ قد حكم بصحة هذا الحديث، ومن هنا يثبت النص الجلي على خلافة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام). وأخرج النسائي، وهو أحد أصحاب الصحاح الستة، قال: (وخرج- النبي- بالناس في غزوة تبوك، قال: فقال له علي: أخرج معك؟ فقال نبي الله: لا، فبكى علي، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي)، قال: (وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ولي في كل مؤمن بعدي) (80). وفي الاصابة للعسقلاني: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي، وقال له: أنت ولي كل مؤمن من بعدي) (81). وأخرج القندوزي عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي لما خرج إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه دون علي، فبكى: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي) (82). هذه نبذة مما رواه علماء أهل السنة من حديث المنزلة، اقتصرنا على ذكر الأضافة التي ذكرها الدكتور أحمد صبحي، ونقى وجودها في نصوص أهل السنة، لتكون نصا صريحا - كما يقول - على خلافة الإمام علي (عليه السلام). النص السادس: حديث الغدير قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي في حجة الوداع: (... من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار، اللهم هل بلغت). يقول سبط بن الجوزي: (اتفق علماء أهل السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال من كنت مولاه فعلي مولاه، الحديث) نص (صلى الله عليه وآله) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة، وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قال ذلك طار في الاقطار وشاع في البلاد والامصار... إلى آخر الحديث) (83). وأخرج حديث الغدير هذا، والذي ينص بصريح العبارة جميع علماء أهل السنة ورواتهم، منهم الامام مسلم في صحيحه (84)، والنسائي في الخصائص (85)، وابن المغازلي في المناقب (86)، والمحب الطبري في ذخائر العقبى (87)، والمتقي الهندي في كنز العمال (88)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (89) والحاكم النيسابوري في شواهد التنزيل (90) والشهرستاني في الملل والنحل (91)، وحجة الاسلام الغزالي في سر العالمين (92)، والحاكم في المستدرك (93)، والحافظ الذهبي في تلخيصه (94)، وابن حجر العسقلاني في الاصابة (95)، والمقريزي في الخطط (96) والامام أحمد في المسند (97)، والبيهقي في كتاب الاعتقاد (98)، والسيوطي في الجامع الصغير (99)، وغير هؤلاء كثير تركنا ذكرها للاختصار، فمن أراد المزيد فعليه بكتابنا مع موسى الموسوي. وهناك أحاديث كثيرة تنص على خلافة أمير المؤمنين أعرضنا عنها منها حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين السنة وأهل الشيعة (100)، وأحاديث السفينة، وكتاب الوصية وحديث الدواة والقرطاس إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الدالة على وجود النص على خلافة الامام علي (عليه السلام) (10). وقد عرض الدكتور أحمد صبحي وجهة نظر الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي في ضوء وقائع التاريخ بقوله: (الحقيقة الأولى التي يجب التسليم بها أن النبي كان يعلم أن أمته ستتعرض إذا لم ينص هو على من يخلفه إلى الفتن والاضطراب، أما أنه كان يعلم ذلك فان كل الفرق الاسلامية قد أوردت هذا الحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة...) فهل كان رسول الله يعلم أن الدهر يدخر لأمته صفحة مملوءة بالحوادث والفتن، إذ تختلف أمته من بعده ويتقاتل افرادها وتراق الدماء وتزهق النفوس ثم يسكت النبي عن ذلك دون أن يقدم على مشورة تجنب أمته شر العثار؟ ولنفرض أن الحديث والتاريخ لم يسجلا لنا حديثا واحدا يقضي فيه النبي بمن يخلفه في أمر أمته، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الاهمال ونصدقهما أن النبي ترك أمته في فوضوية لاحد لها. وهل كان دينه خاصا بعصره ليترك أمته من بعده هملا من غير راع يسوسهم او طريقة يتبعونها في أمور دينهم ودنياهم، لقد ورد أن عائشة قالت لعمر في أواخر أيام خلافته: (لاتدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فاني أخشى عليهم الفتنة) فهل لم يدرك النبي ما أدركته عائشة أن المسلمين يتعرضون للفتنة نتيجة عدم الاستخلاف أم ليس بين المسلمين وصحابة الرسول من سأله هذا السؤال الذي سألته عائشة لعمر؟ وإذا لم يكن محمد نبيا مرسلا نزل دينه للناس كافة في كل زمان، وإذا لم يكن عالما عن وحي فليكن على الأقل سياسيا كسائر الساسة الذين لا يخفى عليهم بعض أمور رعاياهم فلا يتركونهم تحت رحمة هؤلاء واختلاف الآراء. على أنه قد عرف عنه أنه لم يترك المدينة إذا خرج لحرب أو غزوة من غير أمير يخلفه عليها، فكيف نصدق عنه أنه أهمل أمر أمته بعده إلى آخر الدهر دون قاعدة يرجع إليها المسلمون أو خلف بعده؟ فإن قيل انه وكل الأمر إلى اتفاق أمته واختيارهم، فمعناه أنه أوقع أمته في منازعات دائمة تقضي إلى إزهاق النفوس وإضعاف القوى وذهاب الايمان، إذ كيف يتفق أهل البلد الواحد على حكم واحد فضلا عن أمة كبيرة؟) (102). هذا ما قرره الدكتور أحمد صبحي. أما الآمدي، فقد قرر رأي الشيعة في وجوب الامامة بقوله: (ولربما قرروا ذلك بطريق معنوي، وهو ان النبي (صلى الله عليه وآله) اما أن يكون عالما باحتياج الخلق إلى من يقوم بمهماتهم، ويحفظ بيضتهم، ويحمي حوزتهم، ويقبض على أيدي السفهاء منهم ويقيم فيهم الاحكام الشرعية على وفق ما وردت به الأدلة السمعية على ما تقرر. أو لم يكن عالما. لا جائز أن يقال بكونه غير عالم، إذ هو إساءة ظن بالنبوة وقدح في سر الرسالة. وكذلك أيضا إن كان عالما ولم ينص، لاسيما والتنصيص هنا آكد من التنصيص وإيجاب التعريف لما يتعلق بباب الاستنجاء والتيمم على ما لا يخفى... ولا جائز أن يقال: إنه ترك الأمر شورى فيما بين الصحابة، وفوض الأمر إلى اجتهاداتهم وآرائهم، ليعلم القاصر من الفاضل والمجتهد من العي، والإلجاز للصحابة إلا ينصبوا إماما أيضا، ليعلم الطائع من العاصي، والمنقاد للأوامر والنواهي من غيره، بل ولجاز إهمال بعثة الرسل، وتفويض الأمر إلى أرباب العقول، ليتميز أيضا المجتهد ومن له النظر في المدارك واستنباط المسالك ممن ليس كذلك، وذلك مما لا يخفى فساده. كيف وأن التعيين بعدما ثبت القول بوجوب الامامة لازم لا محالة، ثم كيف يجب على الناس طاعته وهو انما صار إماما باقامتهم له؟ فاذن لابد أن يكون التعيين واردا من قبل الشرع وصادرا من جهة السمع، وهو إنما يثبت في حق من يدعيه، دون من ينفيه). هذا معتقد الشيعة وطوائف الامامية كما يقول الآمدي (103). يقول الدكتور أحمد صبحي: (هذه أدلة متكلمي الشيعة الاثني عشرية في نقد مبدأ الاختيار واثبات وجود النص على الإمامة، فما كان موقف أهل السنة أزاءها... أما ازاء الدفاع عن مبدأ الاختيار فلم يكن موقفهم متماسكا موحدا، ويرجع ذلك الى اختلاف آرائهم في كيفية الاختيار... كل ذلك لا نجد عند متكلمي أهل السنة موقفا مجمعا عليه، الأمر الذي يسر على الشيعة نقد دعوى الاختيار من أساسها واثبات تهافتها فضلا عن عدم انطباقها في الواقع الا حين اختير أبو بكر... فلقد كان في واقع التاريخ الاسلامي ما التمس فيه الشيعة نقط الضعف لتركيز هجومهم على اسلوب اختيار الخلفاء...) (104). ثم يستطرد في القول: (ولاشك أن أدلة الشيعة جديرة بالاعتبار، ولاشك أيضا أن انتقاداتهم المتتالية لمبدأ الاختيار لها ما يبررها... كل ذلك مما يجعل للأدلة الشيعية وانتقاداتهم لمبدأ الختيار بعض الاعتبار) (105).
الـهـوامـش
الهوامش: 1- الشهرستاني: الملل والنحل، مطبعة مصطفى البابي بمصر، 1961، ج1، ص57. 2- نفس المصدر: ص58- 59- 60، وانظر زكي نجيب محمود: المعقول واللامعقول، ط2، بيروت، 1978، ص145. وأيضا محمد علي ابو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام، الاسكندرية، 1974، ص178. 3- سورة النساء: الآية115. 4- سورة الشعراء: الآية214. 5- تاريخ الطبري: القاهرة، 1962، ج2، ص320، 321. وابن الأثير: الكامل، بيروت، ط3، 1980، ج2، ص41، 42. 6- الشهرستاني: الملل والنحل، ج1، ص163. 7- النيسابوري: اسباب النزول، ص148. 8- القندوزي: ينابيع المودة، ج1، ص104. 9- ابن حجر العسقلاني: الإصابة، ج4، ص568. 10- الامام أحمد: المسند، ج1، ص111. 11- المحب الطبري: الرياض النضرة، ج2، ص168. 12- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج2، 350- 351. 13- انظر أمير محمد القزويني: أصول المعارف، ص87- 89. 14- المؤلف: مع الدكتور موسى الموسوي، ص42. 15- سورة المائدة: الآية55. 16- الزمخشري: الكشاف، ج1، ص71. 17- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج2، ص71. 18- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص221. 19- الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، ج1، ص161. 20- النيسابوري: أسباب النزول، ص132- 133. 21- السيوطي: الدر المنثور، ج2، ص293- 294. 22- الفخر الرازي: التفسير الكبير، ج3، ص417. 23- ابن المغازلي: المناقب، ص193- 194. 24- المحب الطبري: الرياض النضرة، ج3، ص308. 25- المحب الطبري: ذخائر العقبى، ص88. 26- سبط بن الجوزي: تذكرة الخواص، ص15- 16. والقندوزي: ينابيع المودة: ج1، ص62. 27- سورة الشورى: الآية23. 28- الزمخشري: الكشاف، ج3، ص402. 29- انظر محمد عمارة: الاسلام وفلسفة الحكم، ص351. 30- الحاكم النيسابوري: شواهد التنزيل، ج2، ص130 إلى 141. 31- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج16، ص21، 22. 32- البيضاويك أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ص642. 33- تفسير غرائب القرآن للقمي النيسابوري، بهامش جامع البيان للطبري، ط2، 1972، ج25، ص35. 34- تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن، ج4، ص101. 35- الفخر الرازي: التفسير الكبير، طبعة مصر، ج27، ص165- 167. 36- الطبري: جامع البيان، ج25، ص25. 37- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج6، ص198، 199. 38- السيوطي: الدر المنثور، ج6، ص7. 39- تفسير أبي العود: طبعة بيروت دار إحياء التراث العربي، ج8، ص30. 40- ابن المغازلي: المناقب، ص191، 192. 41- المحب الطبري: ذخائر العقبى، ص25. 42- ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة، ص227. 43- القندوزي: ينابيع المودة، ج1، ص105. 44- الأحزاب: الآية33. 45- محمد ناصر الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج4، ص359، 390. 46- الأحزاب: آية30. 47- صحيح البخاري: ج3، ص34. 48- نفس المصدر: الآية30. 49- نفس المصدر: ج7، ص28، 29، وج3، ص133. 50- نفس المصدر: ج3، ص156، 157. 51- التحريم: الآية5. 52- الأحزاب: الآية57. 53- انظر صحيح مسلم: ج7، ص130، 131. وأيضا علي أحمد السالوس: حديث الثقلين، ص13. 54- ابن تيمية: حقوق آل البيت، طبعة 1981، الجيزة، ص10، 11، 12. 55- صحيح مسلم: ج7، ص130. 56- ابن تيمية: حقوق آل البيت، ص10. 57- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج14، ص184. 58- البيضاوي: أنوار التنزيل، ص557. 59- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج3، ص483، 485. 60- ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة، ص141. 61- نفس المصدر: ص143. 62- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج3، ص485، 486. 63- انظر المستدرك للحاكم وبهامشه تلخيص الذهبي: ج3، ص132، 133. 64- النيسابوري: أسباب النزول، ص239. 65- القندوزي، ينابيع المودة، ج1، ص54. 66- النسائي: الخصائص، ص9. 67- الزمخشري: الكشاف، ج1، ص193. 68- الامام أحمد: المسند، ج3، ص259، ط1983. 69- البلاذري: أنساب الأشراف، ص104. 70- البيهقي: الاعتقاد على مذهب السلف، ص186. 71- ابن المغازلي: المناقب، ص189. 72- المحب الطبري: ذخائر العقبى، ص21. 73- أحمد محمود صبحي: نظرية الامامة، ص184. 74- العلامة المناوي: فيض القدير، ج3، 14، 15. 75- صحيح مسلم: ج7، ص120، 121. 76- أحمد محمود صبحي: نظرية الامامة، ص225. 77- الامام أحمد: المسند، ج1، ص331. 78- الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، بيروت، ج3، ص133، 134. 79- تلخيص الحافظ الذهبي على المستدرك، ج3، ص133، 134. 80- النسائي: الخصائص، ص17، 18. 81- ابن حجر العسقلاني: الاصابة، ج4، ص568. 82- القندوزي: ينابيع المودة، ج2، ص58. 83- سبط بن الجوزي: تذكرة الخواص، ص30- 31. 84- صحيح مسلم: ج7، ص123. 85- النسائي: الخصائص، ص39- 40. 86- ابن المغازلي: المناقب، ص29- 30. 87- المحب الطبري: ذخائر العقبى، ص67. 88- المتقي الهندي: كنز العمال، ج1، ص167- 168. 89- القرطبي: الجامع لاحكام القرآن، ج18، ص287- 289. 90- الحاكم النيسابوري: شواهد التنزيل، ج1، ص162. 91- الشهرستاني: الملل والنحل، ج1، ص162. 92- الغزالي: سر العالمين، ص10. 93- الحاكم: المستدرك، ج2، ص109. 94- الحافظ الذهبي: التلخيص، ج2، ص109. 95- ابن حجر العسقلاني: الاصابة، ج2، ص15- ج4، ص567. 96- المقريزي: الخطط، ج2، ص92. 97- الامام أحمد: المسند، ج1، ص221، ط1982. 98- البيهقي: كتاب الاعتقادن ص204، طبع بيروت، 1986. 99- السيوطي: الجامع الصغير، ج2، ص642. 100- علاء الدين القزويني: مع الدكتور الموسوي، ص85. 101- نفس المصدر، ص87. 102- أحمد محمود صبحي: نظرية الامامة- مرجع سابق- ص100- 101. 103- سيف الدين الآمدي: غاية المرام في علم الكلام، تحقيق حسن محمود عبد اللطيف، القاهرة، مطابع الاهرام التجارية، 1971، ص376- 375. 104- أحمد محمود صبحي: نظرية الامامة- مرجع سابق- ص97. 105- المصدر السابق، ص98- 99.
حول المقال
الدكتور السيد علاء الدين القزويني http: //www. 14masom. com/aqaeed/etarat/70/70. htm