لم تقتصر القضية الحسينية على بقعة محددة من الارض او فترة معينة من الزمن بل كانت قضية الانسانية في كل العصور. ان اتخاذ الحسين (ع) قرار تحدي الطاغوت والقيام بثورة ضد جبروته اعاد للانسان كرامته المهدورة فاصبحت ثورته علامة مضيئة في التاريخ ونقطة انطلاق للكثير من الثورات ضد الظلم والطغيان ومنذ ذلك اليوم بدأت الشعائر الحسينية التي لم تقتصر على العراقوكربلاء التي جرت على ارضها هذه الملحمة الخالدة بل تعدتها الى الكثير من البلدان العربية والاسلامية لأهمية ذلك اليوم في التاريخ الاسلامي ومن هذه البلدان الاسلامية ايرانوالهندوباكستانوتركياواذربيجان وبنغلاديش وسوف نستعرض باختصار اهم الشعائر التي تقام في تلك الدول: (الشعائر الحسينية في ايران) نشأت الشعائر الحسينية في ايران في بداية القرن السادس عشر عندما حكم الصفويونايران وعملوا على نشر التشيع في جميع مدنها بعد ان كان اغلب سكانها من اهل السنة وقد مورست هذه الشعائر رسميا في شهري محرم وصفر من كل عام منذ ذلك الحين واستمرت طوال حكم الصفويين والزند والقاجاريين. وكانت هذه الشعائر في ذلك الوقت عبارة عن اقامة مواكب العزاء التي تتكون من مجموعات من الرجال الذين يرتدون البسة ملونة وزاهية ويمتطون خيولا وجمالا ذات سروج مزركشة وهم يسيرون في الشارع الرئيسي في المدينة وفي وسط المجموعة يظهر رجل مطروح على ظهر فرس يمثل رجلا مذبوحا ومضرجا بالدماء وخلف الفرس تسير مجموعة من الجنود وهم يحملون الرماح تصحبهم فرقة موسيقية ومجموعات من الرجال وهم ينادون (حسين.. حسين سيد الشهداء). واضافة الى مواكب العزاء هذه فقد كانت تقام مجالس العزاء في بيوت الوجهاء من الناس حيث يقوم (روزخون) _ أي خطيب _ بقراءة قصة من قصص واقعة الطف الدامية وما جرى على الامام الحسين (ع) واهل بيته واصحابه من مآس والام ويستقي (الروزخون) هذه المعلومات عن حوادث عاشوراء من كتاب مشهور عندهم يسمى (روضة الشهداء) وهو اول كتاب معروف تاريخيا في ايران والذي يحكي قصة استشهادالامام الحسين (ع) واهل بيته واصحابه وقد صدر هذا الكتاب في ايران وهو من تاليف حسين واعظ كاشفي المتوفي عام (910) هـ. ويعتبر هذا المقتل اول المقاتل في اللغة الفارسية ثم اخذت المجالس الحسينية بالتطور والانتشار تدريجيا فشيدت الحسينيات لاقامة العزاء الحسيني فيها وكذلك شيدت التكيات لاقامة مسرحيات عاشوراء. وقد شيدت اول تكية في ايران في مدينة استرباد عام (1202 هـ _ 1786 م) ومن اشهر التكيات في ايران هي تكية دولت في طهران وقد بنيت هذه التكية بايعاز من ناصر الدين شاه (1848 _1896) وهي من التكيات الكبرى وقد بنيت على شكل دائري من المرمر والخشب الجيد وتتسع لمئات المشاهدين وقد زينت جدرانها بالتحف الفنية والمرايا والسجاد والكريستال والاواني الفخارية الصينية الثمينة كما غلفت جدرانها باقمشة حريرية موشاة بالذهب. وغالبا ما تكون التكية اكبر من الحسينية التي تقام فيها مجالس العزاء بصورة عامة واضخم منها واكثر تقدما من الناحيتين العمرانية والهندسية لاهميتها البالغة في اقامة مراسيم العزاء الحسيني لانها انشئت بصورة خاصة لاقامة مسرحية عاشوراء وتعتبر تكية (مير حقمق) في مدينة يزد التي بنيت في القرن التاسع عشر من اضخم التكيات واكثرها اهمية من حيث الهندسة المعمارية وكبر اواوينها وعلو منائرها التي تتكون من ثلاث طوابق ويقوم في صحنها الكبير مسرح خشبي واسع يؤدي عليه الممثلون مسرحية عاشوراء وتاتي بعدها تكية (معافي الملك) في كرمنشاه التي شيدت عام 1917 م والتي تحتوي على اهم واكبر لوحة فنية لمشهد سبايا اهل البيت (ع) وهم مكبلون بالسلاسل الحديدية كما تضم هذه التكية لوحات اخرى تصور مشاهد متعددة من واقعة الطف وخلال حكم اغا محمد خان القاجاري افتى مرزا ابو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالقمي 1231 هـ 1815 م والذي كان اشهر المجتهدين الكبار في العهد القاجاري بجواز التمثيل الديني. وقد نشرت تلك الفتوى في كتابه جامع الشتات عام 1234 هـ 1818 م. اما اول العروض لمسرح التعزية في ايران فقد جرى في شيراز في يوم عاشوراء عام 1011 هـ 1602 م في عهد الصفويين واستمرت مراسيم العزاء الحسيني تقام في شهر محرم من كل عام حتى تم منع اقامتها في عهد الشاه رضا بهلوي عام 1926 م وضيق على القائمين بها واستمر المنع والتضييق حتى عام 1941 م وبالرغم من ذلك المنع والتضييق فقد جرت بعض الاحتفالات ولكن بصورة محدودة واقتصرت على اقامة مجالس العزاء وفي بعض المدن الايرانية (الشعائر الحسينية في الهند) تاثرت الشعائر الحسينية في الهندبالعزاء الحسيني الذي يقام في ايران فهناك ارتباط تاريخي وثقافي بين الهندوايران عن طريق التجارة والزواج خاصة عندما جاء الصفويون الى الحكم في ايران حيث اصبح القسم الجنوبي من الهند تابعا دبلوماسيا وثقافيا الى ايران خلال القرن السادس عشر وكان للسلطان قلي طب الدين الذي اسس اول حكومة شيعية في جنوب الهند دور مهم في رعاية حكام المقاطعات الذين انسجموا مع علماء الشيعة فبنوا المساجد و (عاشور خانه) _ الحسينيات _ من اجل احياء ذكرى استشهادالامام الحسين (ع). وخلال فترات حكم الشاهات الشيعية كان كثير من العلماء والخطباء وممثلي المسرح الحسيني من الايرانيين يذهبون الى جنوب الهند لاداء المجالس الحسينية (آزاداري) و (امام برا) التي تقام في (الازكخانة) وهو المكان الذي تقام فيه المجالس الحسينية في شهر محرم من كل عام حيث تقرا فيه وقائع معركة الطفبكربلاء مع قصائد في رثاء الامام الحسين (ع). وتعود اقامة الشعائر الحسينية في الهند الى بداية القرن التاسع عشروكانت في البدء على شكل مجالس عزاء (نوحخاني) و (روضخاني) حيث تمتلئ هذه المجالس في شهر محرم بالناس من المسلمين وغير المسلمين وتعود اول مرثية في اللغة الاوردية الى بداية القرن السابع عشر وقد عثر عليها في مقاطعة السند ومن اشهر كتاب المراثي في الهند محمد جرامي الذي كتب اشعاره باللغتين الاوردية والسندية خلال رحلة قام بها الى العراق لزيارة قبر الامام الحسين (ع) في كربلاء. وخلال القرن التاسع عشر تطور شعر المراثي وكان من اشهر شعراء ذلك العصر السندي محاسن الذي اطلق على نفسه لقب (البلبل التائه في روضة الحسين) وقد نشرت قصائده في اثني عشر مجلدا وكان محاسن قد استقى اغلب معلوماته التاريخية عن واقعة الطف من المؤرخ الهندي ثابت علي شاه (1740 _1810) والذي يعتبر اول من كتب عن ماساة كربلاء في اللغة الاوردية. والى جانب قراءة كتب المقاتل والمراثي هناك شعائر اخرى مثل اللطم على الصدور وضرب الزنجيل على الظهر والمشي على النار وغيرها من الشعائر التي تقام في لكناو ودلهي وحيدر اباد وبومبي ومدارس وغيرها من المدن الهندية وكذلك في كشمير عاصمة الشيعة في شمال الهند (الشعائر الحسينية في باكستان) اما في باكستان فتقام الشعائر الحسينية في شهر محرم من كل عام في جميع المدن التي يتواجد فيها الشيعة فاضافة الى المجالس الحسينية التي تقام في (امام برا) هناك مواكب العزاء التي تسير في شوارع المدن الرئيسية ومن الشعائر المهمة في باكستان هي مسيرة (ذو الجناح) فرس الحسين حيث يتهافت الناس عليه وينثرون الورود وكما في الهند فان مواكب الزناجيل والمشي على النار وغيرها من الشعائر تقام في شهر محرم في باكستان. (الشعائر الحسينية في بنغلاديش) اما في بنغلاديش فتوجد حسينية في مدينة دكا تدعى امام دالان وتعتبر من ابرزالمعالم التاريخية القديمة واهم مزاراتها الدينية التي تستقطب الاف الزوار كل عام وحسب المصادر التاريخية فان هذه الحسينية قد بنيت عام 1052 هـ 1642 م وتقع هذه الحسينية في القسم الجنوبي من مدينة دكا القديمة بالقر ب من نهر بريكنكا وتقدر مساحتها بحوالي 8453 مترمربع وتتكون من طابقين مع حدائق وبحيرة جميلة. وتقام في الطابق الاول منها مجالس العزاء وشعائر اخرى وتخرج مواكب العزاء من هذه الحسينية في الايام الثاني والتاسع والعاشر من محرم ولهذه الحسينية مكانة دينية واجتماعية عالية. (الشعائر الحسينية في تركيا) انتشرت الشعائر الحسينية في العديد من المدن التركية وخاصة في اذربيجان على الساحل الغربي من بحر قزوين وقد وصلت هذه الشعائر الى قمة تطورها وازدهارها في اذربيجان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. اما في الاناضول فقد بقيت الشعائر الحسينية مقتصرة على المداح والقصخان اللذين ينشدان المراثي على الامام الحسين (ع). والى جانب هذين فهناك مراسيم اخرى يتم التعبير بموجبها عن الحزن والاسى على ماساة الحسين وهي على شكل حوارات ومراث وضرب على الصدور وفي عام 1877 اقيمت في اسطنبول مراسيم عاشورائية ضخمة تضمنت الضرب بالسلاسل والتطبير وغيرها وتقام في عدد من المدن التركية وبصورة خاصة في حارة الشيعة باسطنبول قراءة قصة مؤلمة من قصص واقعة الطف من قبل (النوحخان) ثم ياخذون بعد ذلك بالضرب بايديهم على الجانب الايسر من صدورهم وهم يرددون حسين.. مظلوم في حين يخدش البعض منهم ظهورهم العارية بسلاسل من حديد. وفي العاشر من محرم عام 1886 اقيمت مواكب الشيعة في جامع يوسف باشا الذي اعطي الى الشيعة كجامع خاص بهم خلال الاحتلال الروسي لتركيا ويقوم ملا فضولي بقراءة عزاء من كتاب المراثي المعروفة بـ (حديقة الشهداء) حيث يجتمع بعض الرجال والشباب ويضربون رؤوسهم الحليقة بالسيوف والخناجر. وقد منعت جميع هذه الشعائر في عهد مصطفى كمال اتاتورك عام 1926 وكانت مجموعات من الشيعة تنتشر في قرى اراليك وتوزلكا واغدير فهاجرت اغلبية تلك القرى الى ايرانوالعراق ما بين الاعوام 1934 _ 1950. اما في الاناضول فان الشعائر الحسينية تختلف عن باقي المدن التركية حيث ينتشر اتباع الطريقة البكداشية الذين يؤدون مراسيم العزاء على الامام الحسين (ع) ببكاء صامت وليس بالنواح والعويل كما انهم يعبرون عن حزنهم ومواساتهم للامام الحسين بالصيام والزهد والتقشف فلا ياكلون ولايشربون يوم عاشوراء من مطلع الشمس الى غروبها وكذلك في الايام العشرة الاولى من شهر محرم من كل عام ويعتبر الصيام عندهم من اهم واكثر وسائل التعبيرعن الحزن والاسى. وفي مناطق اخرى يصوم البكتاشيون اثني عشر يوما حيث يخصص كل يوم لامام من الائمة الاثني عشر ولايقيم الاتراك الاناضوليون مسارح شعبية لتمثيل واقعة الطف غير ان لديهم نصوصا تاريخية وشعرية كثيرة حول ماساة الامام الحسين في كربلاء تتضمن كتب المقاتل التي تصف واقعة الطف وكتب الاشعار والمراثي التي تقرا او تنشد في شهر محرم من كل عام ومن اشهر كتب المقاتل عندهم كتاب (سعدي مداح) الذي يحتوي على عشر قصص تتحدث عن عشر وقائع من معركة الطف. اما اشهر شعراء المراثي الحسينية في الاناضول فهم روحي بغدادي وملا عزت وشيخ مشتاق مصطفى ولبيب محمد الذي كتب تسع مجلدات في رثاء الحسين وعثمان شمس الذي الف كتابه مرثية سيد الشهداء ومعلم فيضي صاحب كتاب ماتم نامة. واضافة الى هؤلاء الشعراء فهناك شاعرتان مشهورتان في الاناضول هما ليلى خانم وشريفة خانم ولهما ديوانان يحتويان على مراثي الحسين واهل بيته. بقلم: محمد طاهر محمد المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية