ثورة التوابين
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » ثورة التوابين

 البحث  الرقم: 614  التاريخ: 17 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 8468
قائمة المحتويات

مقدمة

ثورة التوابين
أورد السيد البراقي في تاريخ الكوفة، وسماحة السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة عن ثورة التوابين الشيء الكثير نوجزه في ما يلي:
مقدمة:
لما قتل الحسين (عليه السلام) ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة (1) ودخل الكوفة، تلاقته الشيعة بالتلاوم والمنادمة، ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين (عليه السلام) وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله والقتل فيهم، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة إلى: سليمان بن صرد الخزاعي - وكانت له صحبة - وإلى المسيب بن نجبة الفزاري - وكان من أصحاب علي (عليه السلام) - وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التيمي - تيم بكر بن وائل - وإلى رفاعة بن شداد البجلي، وكانوا من خيار أصحاب علي (عليه السلام)، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فبدأهم المسيب بن نجبة فخطب في أصحابه خطبة طويلة أبان فيها ندمه على عدم نصرة الحسين (عليه السلام)، وحثه أصحابه على القيام بأخذ ثأره، ثم تلاه الآخر بعد الآخر، وكل منهم يظهر شدة الندم في خطبته، وعقدوا المؤامرات في ذلك.

الدعوة للثورة

ما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم الحسين (عليه السلام)، فكان يجيبهم النفر ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة 64، فلما مات يزيد جاء إلى سليمان بن صرد أصحابه فقالوا له: قد هلك هذا الطاغية، والأمر ضعيف، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث - وكان خليفة ابن زياد على الكوفة - ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين (عليه السلام) وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم.
فقال سليمان بن صرد: لا تعجلوا إني قد نظرت فيما ذكرتم، فرأيت أن قتلة الحسين (عليه السلام) هم أشراف الكوفة وفرسان العرب، وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم، ولم يشفوا نفوسهم، وكانوا جزرا لعدوهم، ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم.
بث أولئك دعاتهم في البلدان، واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد، وأن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير، وسليمان وأصحابه ما زالوا يدعون الناس إلى ذلك.
لم تمض على هلاك يزيد الفجور إلا ستة أشهر، حتى قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي (رضي الله عنه) الكوفة في النصف من رمضان، وقدم عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرا على الكوفة من قبل ابن الزبير لثمان بقين من رمضان، وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة، فأخذ المختار يدعو الناس إلى قتال قتلة الحسين (عليه السلام) ويقول: جئتكم من عند محمد بن الحنفية وزيرا أمينا، فرجع إليه طائفة من الشيعة، وكان يقول: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصرة في الحرب.
وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد بالخروج عليه بالكوفة في هذه الأيام.
وقيل له: ليحبسه وخوف عاقبة أمره إن تركه.
فقال عبد الله: إن هم قاتلونا قاتلناهم، وإن تركونا لم نطلبهم، إن هؤلاء القوم يطلبون بدم الحسين بن علي (عليه السلام)، فرحم الله هؤلاء القوم آمنون، فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين (عليه السلام)، فقد أقبل إليهم - يعني ابن زياد - وأنا لهم ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) وقاتل أخياركم وأمثالكم قد توجه إليكم، وقد فارقوه على ليلة من جسر منبج، فالقتال والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا، فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم، وتلك أمنيته، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، هو الذي من قبله أتيتم، والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم، إني لكم ناصح.
وكان مروان قد سير ابن زياد إلى الجزيرة، ثم إذا فرغ منها سار إلى العراق.
فلما فرغ عبد الله بن يزيد من قوله، قال إبراهيم بن محمد بن طلحة: أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا الداهن، والله لئن خرج علينا خارج لنقتله، ولئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته، حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة.
فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال: يا بن (الناكثين) (2) أنت تهددنا بسيفك وغشمك وأنت والله أذل من ذلك، إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا.
فقال إبراهيم: والله ليقتلن وقد أوهن (3) هذا، يعني عبد الله بن يزيد.
فقال له عبد الله بن وال: ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا ما أنت علينا بأمير، إنما أنت أمير هذه الجزية فاقبل على خراجك، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء.
فشتمهم جماعة ممن مع إبراهيم فشاتموه، فنزل الأمير من على المنبر وتهدده إبراهيم بأن يكتب إلى ابن الزبير يشكوه، فجاءه عبد الله في منزله واعتذر إليه فقبل عذره، ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا يشترون السلاح ظاهرين ويتجهزون.

شعار يا لثارات الحسين

لما أراد سليمان بن صرد الشخوص سنة 65، بعث إلى رؤوس أصحابه فأتوه، فلما أهل ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه، وكانوا تواعدوا للخروج تلك الليلة فلما أتى النخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم، فأرسل حكيم بن منقذ الكندي والوليد بن عصير الكناني فناديا في الكوفة: يا لثارات الحسين.
فكانا أول خلق الله دعا يا لثارات الحسين، فأصبح من الغد وقد أتاه نحو مما في عسكره، ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفا ممن بايعه.
فقال: سبحان الله ما وافانا من ستة عشر ألفا إلا أربعة آلاف.
فقيل له: إن المختار يثبط الناس عنك إنه قد تبعه ألفان.
فقال: قد بقي عشرة آلاف، أما هؤلاء بمؤمنين؟ أما يذكرون الله والعهود والمواثيق؟ فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث إلى من تخلف عنه، فخرج إليه نحو من ألف رجل، فقام إليه المسيب بن نجبة فقال: رحمك الله إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، فلا تنتظر أحدا وجد في أمرك.
قال: نعم ما رأيت.
ثم قام سليمان في أصحابه فقال: أيها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيا وميتا، ومن كان إنما يريد الدنيا فوالله ما يأتي فيئ نأخذه وغنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا متاع ما هو إلا سيوفنا على عواتقنا وزاد قدر البلغة، فمن كان ينوي هذا فلا يصحبنا.
فتنادى أصحابه من كل جانب: إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا، إنما خرجنا نطلب التوبة والطلب بدم ابن بنت رسول الله نبينا (صلى الله عليه وآله).

خبر المختار وتتمة ثورة التوابين

ثم خرج المختار من سجن الكوفة، وقال له أصحابه ان أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوة على عدونا فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد فخرجوا إلى إبراهيم وسألوه مساعدتهم وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي وأهل بيته فأجابهم إلى الطلب بدم الحسين (ع).
وكان عبيد الله بن زياد قد هرب بعد موت يزيد إلى الشام وجاء بجيش إلى الموصل فأرسل إليه المختار يزيد بن انس في ثلاثة آلاف فلقي مقدمة أهل الشام فهزمهم واخذ عسكرهم ومات من مرض به فعاد أصحابه إلى الكوفة لما علموا انه لا طاقة لهم بعسكر ابن زياد فأرسل المختار إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وأمره ان يرد جيش يزيد.

قتل قتلة الحسين (ع)

ثم سار إبراهيم بعد يومين لقتال ابن زياد وكان قد سار في عسكر عظيم من الشام فبلغ الموصل وملكها فنزل إبراهيم قريبا منه على نهر الخازر ولم يدخل عينه الغمض حتى إذا كان السحر الأول عبى أصحابه وكتب كتابه وامر أمراءه فلما انفجر الفجر صلى الصبح بغلس ثم خرج فصف أصحابه ونزل يمشي ويحرض الناس حتى أشرف على أهل الشام فإذا هم لم يتحرك منهم أحد وسار على الرايات يحثهم ويذكرهم فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من القتل والسبي ومنع الماء وتقدم إليه وحملت ميمنة أهل الشام على ميسرة إبراهيم فثبتت لهم وقتل أميرها فاخذ الراية آخر فقتل وقتل معه جماعة وانهزمت الميسرة فاخذ الراية ثالث ورد المنهزمين فإذا إبراهيم كاشف رأسه ينادي:
أي شرطة الله انا ابن الأشتر ان خير فراركم كراركم ليس مسيئا من اعتب.
وحمل ابراهيم وجنوده على جند ابن زياد وأوقعوا فيهم مقتلة عظيمة راح فيها كبار قواد جيش ابن زياد ورجالاته، ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق أكثر ممن قتل وانفذ إبراهيم عماله إلى نصيبين وسنجار ودارا وقرقيسيا وحران والرها وسميساط وكفر توثا وغيرها وأقام هو بالموصل.
هذا ما ننقله لكم من ثورة التوابين ولكم أن تطلعوا على تفصيل أشمل في ترجمة كل من إبراهيم الأشتر، ورفاعة، وسليمان بن صرد، والمختار الثفقي. والله ولي التوفيق...

الهوامش

1- موضع قرب الكوفة على جهة الشام. معجم البلدان: 5 / 278.
2- في المطبوع: (الساكنين)، وما أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر: (أدهن).
4- مدينة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر، وتسمى رأس العين. معجم البلدان: 4 / 180.
5- انظر: مقتل الحسين لأبي مخنف: 248 - 310، تاريخ الطبري: 4 / 426 - 471.

الروابط
المقالات: المختار بن أبي عبيدة الثقفي (رضي الله عنه)،
أول من رفع شعار (يالثارات الحُسين) هم الصحابة وكانوا يتعبدون به،
حركة التوابين كانت للانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)
مواقع الإنترنيت: حوزة الهدى للدراسات الإسلامية
مفاتيح البحث: سنجار،
حكيم بن منقذ الكندي،
نصيبين،
عمرو بن حريث،
رفاعة بن شداد البجلي،
كفر توثا،
...
المواضيع: وقائع وأحداث
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة