في الإمامة والخلافة
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » في الإمامة والخلافة

 البحث  الرقم: 92  التاريخ: 24 شوال المكرم 1429 هـ  المشاهدات: 32551
قائمة المحتويات

لماذا نبحث عن الإمامة؟

الفصل الأول: لماذا نبحث عن الإمامة؟
إن أول خلاف نجم بين المسلمين بعد ارتحال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو الاختلاف في مسألة الإمامة والخلافة, وصارت الأمة بذلك فرقتين, فرقة تشايع عليا (عليه السلام) وفرقة تشايع غيره من الخلفاء, والبحث حول كيفية وقوع هذا الاختلاف وعلله خارج عما نحن بصدده هنا, لأنه بحث تاريخي على كاهل علم الملل والنحل, والمقصود بالبحث في هذا المجال هو تحليل حقيقة الإمامة وشروطها عند الشيعة وأهل السنة, على ضوء العقل والوحي والوقعيات التاريخية.
قد يقال: إن البحث عن صيغة الخلافة بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يرجع به إلى أمر تاريخي قد مضى زمنه, وهو أن الخليفة بعد النبي هل هو الإمام أمير المؤمنين أو أبو بكر, وماذا يفيد المؤمنين البحث حول هذا الأمر الذي لا يرجع إليهم بشيء في حياتهم الحاضرة, أو ليس من الحري ترك هذا البحث حفظا للوحدة؟
والجواب أنه لا شك أن من واجب المسلم الحر السعي وراء الوحدة, ولكن ليس معنى ذلك ترك البحث رأسا, فإنه إذا كان البحث نزيها موضوعيا يكون مؤثرا في توحيد الصفوف وتقريب الخطى, إذ عندئذ تتعرف كل طائفة على ما لدى الأخرى من العقائد والأصول, وبالتالي تكون الطائفتان متقاربتين, وهذا بخلاف ما إذا تركنا البحث مخافة الفرقة فإنه يثير سوء الظن من كل طائفة بالنسبة إلى أختها في مجال العقائد فربما تتصورها طائفة أجنبية عن الإسلام, هذا أولا.
وثانيا: أن لمسألة الخلافة بعد النبي بعدين: أحدهما تاريخي مضى عصره, والآخر بعد ديني باق أثره إلى يومنا هذا, وسيبقى بعد ذلك, وهو أنه إذا دلت الأدلة على تنصيب الإمام علي (عليه السلام) على الولاية والخلافة بالمعنى الذي تتبناه الإمامية يكون الإمام وراء كونه زعيما في ذلك العصر, مرجعا في رفع المشاكل التي خلفتها رحلة النبي, كما سيوافيك بيانها, فيجب على المسلمين الرجوع إليه في تفسير القرآن وتبيينه, وفي مجال الموضوعات المستجدة التي لم يرد فيها النص في الكتاب والسنة, فليس البحث متلخصا في البعد السياسي حتى نشطب عليه بدعوى أنه مضى ما مضى, بل له مجال أو مجالات باقية.
ولو كان البحث بعنوان الإمامة والخلافة مثيرا للخلاف ولكن للبحث صورة أخرى نزيه عنه, وهو البحث عن المرجع العلمي للمسلمين بعد رحلة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مسائلهم ومشاكلهم العلمية, وهل قام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنصب شخص أو طائفة على ذلك المقام أو لا؟ والبحث بهذه الصورة لا يثير شيئا.
والشيعة تدعي أن السنة النبوية أكدت على مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في العقائد والمسائل الدينية, وراء الزعامة السياسية المحددة بوقت خاص ومن أوضحها حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ولا يشك في صحته إلا الجاهل به أو المعاند, فقد روي بطرق كثيرة عن نيف وعشرين صحابيا (1).
روى أصحاب الصحاح والمسانيد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا, كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
وقال في موضع آخر:
(إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا, كتاب الله حبل مدود من السماء إلى الأرض, وعترتي أهل بيتي, ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
وغير ذلك من النصوص المتقاربة.
إن الإمعان في الحديث يعرب عن عصمة العترة الطاهرة, حيث قورنت بالقرآن الكريم وإنهما لا يفترقان, ومن المعلوم أن القرآن الكريم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, فكيف يمكن أن يكون قرناء القرآن وأعدله خاطئين فيما يحكمون, أو يقولون ويحدثون.
أضف إلى ذلك أن الحديث, يعد المتمسك بالعترة غير ضال, فلو كانوا غير معصومين من الخلاف والخطأ فكيف لا يضل المتمسك بهم؟
كما أنه يدل على أن الإهتداء بالكتاب والوقوف على معارفه وأسراره يحتاج إلى معلم خبير لا يخطأ في فهم حقائقه وتبيين معارفه, وليس ذلك إلا من جعلهم النبي قرناء الكتاب إلى يوم القيامة وهم العترة الطاهرة, وقد شبههم في حديث آخر بسفينة نوح في أن من لجأ إليهم في الدين وأخذ أصوله وفروعه عنهم نجا من عذاب النار, ومن تخلف عنهم كمن تخلف يوم الطوفان عن سفينة نوح وأدركه الغرق (2).

حقيقة الإمامة عند الشيعة وأهل السنة

الفصل الثاني: حقيقة الإمامة عند الشيعة وأهل السنة
الإمام هو الذي يؤتم به إنسانا كان أو كتابا أو غير ذلك, محقا كان أو مبطلا وجمعه أئمة (3), وقوله تعالى:
(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم).
أي بالذي يقتدون به, وقيل بكتابهم (4).

معنى الإمامة وتعريفها

وعرفت الإمامة بوجوه:
1- الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا.
2- الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين, بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة, وهذان التعريفان ذكرهما مؤلف المواقف (5).
3- الإمامة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا (6).
4- الأمامة رئاسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنياوية, وزجرهم عما يضرهم بحسبها (7).
قال الغزالي:
(اعلم أن النظر في الإمامة ليس من فن المعقولات, بل من الفقهيات) (8).
وقال الآمدي (المتوفى631هـ):
(واعلم أن الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات) (9).
وقال الإيجي:
(ومباحثها عندنا من الفروع, وإنما ذكرناها في علم الكلام تأسيا بمن قبلنا) (10).
وقال ابن خلدون:
(وقصارى أمر الإمامة انها قضية مصلحيةإجماعية ولا تلحق بالعقائد) (11).
وقال التفتازاني:
(لا نزاع في أن مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق..) (12).
وأما الشيعة الإمامية, فينظرون إلى الإمامة كمسألة كلامية, وزانها وزان النبوة, سوى تلقي الوحي والإتيان بالشريعة, فإنها مختومة بارتحال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فمسألة الإمامة تكون من المسائل الجذرية الأصلية (13).

مؤهلات الإمام وصفاته

اختلفت كلمات أهل السنة في ما يشترط في الإمام من الصفات, فمنهم (14) من قال إنها أربع, هي: العلم, والعدالة, والمعرفة بوجوه السياسة, وحسن التدبير, وأن يكون نسبه من قريش, وزاد بعضهم (15) عليها سلامة الحواس والأعضاء والشجاعة, وبعض آخر (16) البلوغ والرجولية, قال الإيجي:
(الجمهور على أن أهل الإمامة: مجتهد في الأصول والفروع ليقوم بأمور الدين, ذو رأي ليقوم بأمور الملك, شجاع لقوى على الذب عن الحوزة, وقيل: لا يشترط هذه الصفات, لأنها لا توجد, فيكون اشتراطها عبثا أو تكليفا بما لا يطاق ومستلزما للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقدها, نعم يجب أن يكون عدلا لئلا يجور, عاقلا ليصلح للتصرفات, بالغا لقصور عقل الصبي, ذكرا إذ النساء ناقصات عقل ودين, حرا لئلا يشغله خدمة السيد ولئلا يحتقر فيعصى) (17).
يلاحظ على هذه الشروط
أولا: أن اختلافهم في عددها ناشئ من افتقادهم لنص شرعي في مجال الإمامة, وإنما الموجود عندهم نصوص كلية لا تتكفل بتعيين هذه الشروط, والمصدر لها عندهم هو الاستحسان والاعتبارات العقلانية في ذلك, وهذا مما يقضى منه العجب, فكيف ترك النبي (صلى الله عليه وآله) بيان هذا الأمر المهم شرطا وصفة, مع أنه بين أبسط الأشياء وأدناها من المكروهات والمستحبات؟!.
وثانيا: أن اعتبار العدالة لا ينسجم مع ما ذهبوا إليه من أن الإمام لا ينخلع بفسقه وظلمه, قال الباقلاني:
(لا ينخلع الإمام بفسقه, وظلمه بغصب الأموال وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود, ولا يجب الخروج عليه, بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء مما يدعو إليه من معاصي الله) (18).
وثالثا: أن التاريخ الإسلامي يشهد بأن الخلفاء بعد علي (عليه السلام) كانوا يفقدون أكثر هذه الصلاحيات ومع ذلك مارسوا الخلافة.
وأما الشيعة الإمامية فبما أنهم ينظرون إلى الإمامة بأنها استمرار لوظائف الرسالة - كما تقدم - يعتبرون في الإمام توفر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلا إذا وقع تحت عناية إلهية خاصة, فهو يخلف النبي (صلى الله عليه وآله) في العلم والعصمة والقيادة الحكيمة وغير ذلك من الشؤون, قال المحقق البحراني:
(إنا لما بينا أنه يجب أن يكون الأمام معصوما وجب أن يكون مستجمعا لأصول الكمالات النفسانية, وهي العلم والعفة والشجاعة والعدالة... ويجب أن يكون أفضل الأمة في كل ما يعد كمالا نفسانيا, لأنه مقدم عليهم, والمقدم يجب أن يكون أفضل, لأن تقديم الناقص على من هو أكمل منه قبيح عقلا, ويجب أن يكون متبرئا من جميع العيوب المنفرة في خلقته من الأمراض كالجذام والبرص ونحوهما, وفي نسبه وأصله كالزنا والدناءة, لأن الطهارة من ذلك تجري مجرى الألطاف المقربة للخلق إلى قبول قوله وتمكنه, فيجب كونه كذلك) (19).

طرق إثبات الإمامة عند أهل السنة

الفصل الثالث: طرق إثبات الإمامة عند أهل السنة
الطريق لإثبات الإمامة عن الشيعة الإمامية منحصرة في النص من النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأمام السابق, وسيوافيك الكلام فيه في الفصل القادم.
وأما عند أهل السنة فلا ينحصر بذلك, بل يثبت أيضا ببيعة أهل الحل والعقد, قال الإيجي:
(المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة, وأنها تثبت بالنص من الرسول ومن الإمام السابق بالإجماع وتثبت ببيعة أهل الحل والعقد خلافا للشيعة, لنا ثبوت إمامة أبي بكر بالبيعة) (20).
ثم إنهم اختلفوا في عدد من تنعقد به الإمامة على أقوال, قال الماوردي (المتوفى450هـ): (اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى: فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ليكون الرضا به عاما, والتسليم لإمامته إجماعا, وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها, ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.
وقال طائف أخرى: أقل ما تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة, استدلالا بأمرين:
أحدهما: أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها, وهم: عمر بن الخطاب, وأبو عبيدة بن الجراح, وأسيد بن خضير, وبشر بن سعد, وسالم مولى أبي حذيفة.
والثاني: أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة, وهذا قول أكثر الفقهاء, والمتكلمين من أهل البصرة.
وقال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين, كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين.
وقالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد, لأن العباس قال لعلي: أمدد يدك أبايعك, فيقول الناس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان, ولأنه حكم وحكم واحد نافذ) (21).
يلاحظ على هذه الأقوال والنظريات
أولا: أن موقف أصحابها موقف من اعتقد بصحة خلافة الخلفاء, فاستدل به على ما يرتئيه من الرأي, وهذا استدلال على المدعى بنفسها, وهو دور واضح.
وثانيا: أن هذا الاختلاف الفاحش في كيفية عقد الإمامة, يعرب عن بطلان نفس الأصل, لأنه إذا كانت الإمامة مفوضة إلى الأمة, كان على النبي (صلى الله عليه وآله) بيان تفاصيلها وطريق انعقادها, وليس عقد الإمام لرجل أقل من عقد النكاح بين الزوجين الذي اهتم القرآن والسنة ببيانه وتحديده, والعجب أن عقد الإمامة الذي تتوقف عليه حياة الأمة, لم يطرح في النصوص - على زعم القوم - ولم يتبين حدوده وشرائطه.
والعجب من هؤلاء الأعلام كيف سكتوا عن الاعتراضات الهائلة التي توجهت من نفس الصحابة من الأنصار والمهاجرين على خلافة الخلفاء الذين تمت بيعتهم الخمسة في السقيفة, أو بيعة أبي بكر لعمر, أو بشورى الستة, فإن من كان ملما بالتاريخ, يرى كيف كانت عقيرة كثير من الصحابة مرتفعة بالاعتراض, حتى أن الزبير وقف في السقيفة أمام المبايعين وقد اخترط سيفه وهو يقول:
(لا أغمده حتى يبايع علي, فقال عمر: عليكم الكلب فأخذ سيفه من يده, وضرب به الحجر وكسر) (22).

هل الشورى أساس الحكم والخلافة؟

قد حاول المتجددون من متكلمي أهل السنة, صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي واستدلوا على ذلك بآيتين:
الآية الأولى: قوله سبحانه:
(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) (23).
فالله سبحانه أمر نبيه بالمشاورة تعليما للأمة حتى يشاوروا في مهام الأمور ومنها الخلافة.
يلاحظ عليه
أولا: أن الخطاب في الآية متوجه إلى الحاكم الذي استقرت حكومته, فيأمره سبحانه أن ينتفع من آراء رعيته, فأقصى ما يمكن التجاوز به عن الآية هو أن من وظائف كل الحكام التشاور مع الأمة, وأما أن الخلافة بنفس الشورى, فلا يمكن الاستدلال عليه بها.
وثانيا: أن المتبادر من الآية هو أن التشاور لا يوجب حكما للحاكم, ولا يلزمه بشيء, بل هو يقلب وجوه الرأي ويستعرض الأفكار المختلفة, ثم يأخذ بما هو المفيد في نظره, حيث قال تعالى:
(فإذا عزمت فتوكل على الله).
كل ذلك يعرب عن أن الآية ترجع إلى غير مسألة الخلافة والحكومة, ولأجل ذلك لم نر أحدا من الحاضرين في السقيفة احتج بهذه الآية.
الآية الثانية: قوله سبحانه:
(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (24).
ببيان أن كلمة (أمر) أضيفت إلى ضمير (هم) وهو يفيد العموم لكل أمر ومنه الخلافة, فيعود معنى الآية: أن شأن المؤمنين في كل مورد شورى بينهم.
يلاحظ عليه
أن الآية حثت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة, لا فيما هو خارج عن حوزة أمورهم, وكون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهو أول الكلام, إذ لا ندري - على الفرض - هل هو من شؤونهم أو من شؤون الله سبحانه؟ ولا ندري, هل هي إمرة وولاية إلهية تتم بنصبه سبحانه وتعيينه, أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخل فيها؟
فإن قلت: لو لم تكن الشورى أساس الحكم, فلماذا استدل بها الإمام علي (عليه السلام) على المخالف, وقال مخاطبا لمعاوية:
(إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه) (25)؟
قلت: الاستدلال بالشورى كان من باب الجدل حيث بدأ رسالته بقوله:
(أما بعد, فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام, لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر...)
ثم ختمها بقوله:
(فادخل فيما دخل فيه المسلمون) (26).
فالابتداء بالكلام بخلافة الشيخين يعرب عن أنه في مقام إلزام معاوية الذي يعتبر البيعة وجها شرعيا للخلافة, ولولا ذلك لما كان وجه لذكر خلافة الشيخين, بل لاستدل بنفس الشورى.

تصور النبي الأكرم للقيادة بعده

إن الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تدل على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعتبر أمر القيادة بعده مسألة إلهية وحقا خاصا لله جل جلاله, فإنه (صلى الله عليه وآله) لما دعا بني عامر إلى الإسلام وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكة, قال رئيسهم: أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك, ثم أظهرك الله على من خالفك, أيكون لنا الأمر من بعدك؟
فأجابه (صلى الله عليه وآله) بقوله:
(الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء) (27).
فلو كان أمر الخلافة بيد الأمة لكان عليه (صلى الله عليه وآله) أن يقول الأمر إلى الأمة, أو إلى أهل الحل والعقد, أو ما يشابه ذلك, فتفويض أمر الخلافة إلى الله سبحانه ظاهر في كونها كالنبوة يضعها سبحانه حيث يشاء, قال تعالى:
(الله أعلم حيث يجعل رسالته) (28).
فاللسان في موردين واحد.
ثم إنه لو كانت صيغة الحكومة هي انتخاب القائد عن طريق المشورة باجتماع الأمة, أو بالبيعة, فما معنى تعيين الخليفة الثاني من جانب أبي بكر, والخليفة الثالث عن طريق شورى عين أعضاءها عمر بن الخطاب؟!
أضف إلى ذلك أن هناك نصوصا تشير إلى ما في مرتكز العقل, من أن ترك الأمة بلا قائد وإمام قبيح على من بيده زمام الأمر, هذه عائشة تقول لعبد الله بن عمر:
(يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له, لا تدع أمة محمد بلا راع) (29).
وإنما قالت ذلك عندما اغتيل عمر وأحس بالموت, وأرسل ابنه إلى عائشة ليستأذن منها أن يدفن في بيتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع أبي بكر.
وهذا عبد الله بن عمر يقول لأبيه:
(إني سمعت الناس يقولون مقالة, فآليت أن أقولها لك, وزعموا أنك غير مستخلف, وأنه لو كان لك راعي إبل أو غنم ثم جاءك وتركها, لرأيت أن قد ضيع, فرعاية الناس أشد) (30).
وبذلك استصوب معاوية أخذه البيعة من الناس لابنه يزيد وقال:
(إني كرهت أن أدع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها) (31).
فإذا كان ترك الأمة بلا راع, أمرا غير صحيح في منطق العقل, فكيف يجوز لهؤلاء أن ينسبوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ترك الأمة بلا راع؟! فكأن هؤلاء كانوا أعطف على الأمة من النبي الأكرم, إن هذا مما يقضى منه العجب.
الفصل الرابع: أدلة وجوب تنصيب الإمام عند الشيعة الإمامية
إن الإمامة عند الشيعة تختلف في حقيقتها عما لدى أهل السنة, فهي إمرة إلهية واستمرار لوظائف النبوة كلها سوى تحمل الوحي الإلهي, ومقتضى هذا إتصاف الإمام بالشروط المشترطة في النبي, سوى كونه طرفا للوحي القرآني, وبناء على هذا ينحصر طريق ثبوت الإمامة بتنصيص من الله وتنصيب من النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام السابق, وإليك فيما يلي براهين هذا الأصل:
ألف ـ الفراغات الهائلة بعد النبي في مجالات أربعة
إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم تكن مسؤولياته وأعماله مقتصرة على تلقي الوحي الإلهي وتبليغه إلى الناس, بل كان يقوم بالأمور التالية أيضا:
1- يفسر الكتاب العزيز ويشرح مقاصده ويكشف أسراره, يقول سبحانه:
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (32).
2- يبين أحكام الموضوعات التي كانت تحدث في زمن دعوته.
3- يدفع الشبهات ويجيب عن التساؤلات العويصة المريبة التي كان يثيرها أعداء الإسلام من يهود ونصارى.
4- يصون الدين من التحريف والدس ويراقب ما أخذه عنه المسلمون من أصول وفروع حتى لا تزل فيه أقدامهم.
هذه هي الأمور التي مارسها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيام حياته, ومن المعلوم أن رحلته تخلف فراغا هائلا في هذه المجالات الأربعة, فيكون التشريع الإسلامي حينئذ أمام محتملات ثلاث:
الأول: أن لا يبدي الشارع اهتماما بسد هذه الفراغات الهائلة التي ستحدث بعد الرسول. وهذا الاحتمال ساقط جدا, لا يحتاج إلى البحث, فإنه لا ينسجم مع غرض البعثة, فإن في ترك هذه الفراغات ضياعا للدين والشريعة.
الثاني: أن تكون الأمة قد بلغت بفضل جهود صاحب الدعوة في إعدادها حدا تقدر معه بنفسها على سد ذلك الفراغ. غير أن التاريخ المحاسبات الإجتماعية يبطلان هذا الاحتمال ويثبتان أنه لم يقدر للأمة بلوغ تلك الذروة لتقوم بسد هذه الثغرات التي خلفها غياب النبي الأكرم, لا في جانب التفسير ولا في جانب الأحكام, ولا في جانب رد التشكيكات ودفع الشبهات, ولا في جانب صيانة الدين عن الانحراف.
أما في جانب التفسير, فيكفي وجود الاختلاف الفاحش في تفسير آيات الذكر الحكيم حتى فيما يرجع إلى عمل المسلمين يوما وليلة.
وأما في مجال الأحكام, فيكفي في ذلك الوقوف على أن بيان الأحكام الدينية حصل تدريجا على ما تقتضيه الحوادث والحاجات الاجتماعية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن المعلوم أن هذا النمط كان مستمرا بعد الرسول, غير أن ما ورثه المسلمون منه (صلى الله عليه وآله) لم يكن كافيا للإجابة عن ذلك, أما الآيات القرآنية في مجال الأحكام فهي لا تتجاوز ثلاثمائة آية, وأما الأحاديث في هذا المجال, فالذي ورثته الأمة لا تتجاوز خمسمائة حديث, وهذا القدر لا يفي بالإجابة على جميع الموضوعات المستجدة.
ولا نعني من ذلك أن الشريعة الإسلامية ناقصة في إيفاء أغراضها التشريعية وشمول المواضيع المستجدة, بل المقصود أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس ومقتضيات الظروف الزمنية, فلا بد في إيفاء غرض التشريع على وجه يشمل المواضيع المستجدة والمسائل المستحدثة أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه ويقوم مقامه.
وأما في مجال رد الشبهات والتشكيكات وإجابة التساؤلات, فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبي من هذه الناحية, فجاءت اليهود والنصارى تترى, يطرحون الأسئلة, حول أصول الإسلام وفروعه, ولم يكن في وسع الخلفاء آنذاك الإجابة الصحيحة عنها, كما يشهد بذلك التاريخ الموجود بأيدينا.
وأما في جانب صيانة المسلمين عن التفرقة, والدين عن الانحراف, فقد كانت الأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى من يصون دينها عن التحريف وأبناءها عن الاختلاف, فإن التاريخ يشهد على دخول جماعات عديدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤبدي المجوس بين المسلمين, فراحوا يدسون الأحاديث الإسرائيلية والأساطير النصرانية والخرافات المجوسية بينهم, ويكفي في ذلك أن يذكر الإنسان ما كابده البخاري من مشاق وأسفار في مختلف أقطار الدولة الإسلامية, وما رواه بعد ذلك, فإنه ألفى الأحاديث المتداولة بين المحدثين في الأقطار الإسلامية, تربو على ستمائة ألف حديث, لم يصح لديه منها أكثر من أربعة آلاف, وكذلك كان شأن سائر الذين جمعوا الأحاديث وكثير من هذه الأحاديث التي صحت عندهم كانت موضع نقد وتمحيص عند غيرهم (33).
فهذه المجعولات على لسان الوحي, تقلع الشريعة من رأس, وتقلب الأصول, وتتلاعب بالأحكام, وتشوش التاريخ, أو ليس هذا دليلا على عدم وفاء الأمة بصيانة دينها عن الانحراف والتشويش؟!.
هذا البحث الضافي يثبت حقيقة ناصعة, وهي عدم تمكن الأمة مع ما لها من الفضل, من القيام بسد الفراغات الهائلة التي خلفتها رحلة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ويبطل بذلك الاحتمال الثاني تجاه التشريع الإسلام بعد عصر الرسالة.
الاحتمال الثالث: أن يستودع صاحب الدعوة, كل ما تلقاه من المعارف والأحكام بالوحي, وكل ما ستحتاج إليه الأمة بعده, شخصية مثالية, لها كفاءة تقبل هذه المعارف والأحكام وتحملها, فتقوم هي بسد هذا الفراغ بعد رحلته (صلى الله عليه وآله) وبعد بطلان الاحتمالين الأولين لا مناص من تعين هذا الاحتمال, فإن وجود إنسان مثالي كالنبي في المؤهلات, عارف بالشريعة ومعارف الدين, ضمان لتكامل المجتمع, وخطوة ضرورية في سبيل ارتقائه الروحي والمعنوي, فهل يسوغ على الله سبحانه أن يهمل هذا الأمر الضروري في حياة الإنسان الدينية؟
إن الله سبحانه جهز الإنسان بأجهزة ضرورية فيما يحتاج إليها في حياته الدنيوية المادية, ومع ذلك كيف يعقل إهمال هذا العنصر الرئيسي في حياته المعنوية والدينية؟! وما أجمل ما قاله أئمة أهل البيت في فلسفة وجود هذا الخلف ومدى تأثيره في تكامل الأمة.
قال الإمام علي (عليه السلام):
(اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة, إما ظاهرا مشهورا, وإما خائفا مغمورا, لئلا تبطل حجج الله وبيناته) (34).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام):
(إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام, كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم, وإذا نقصوا شيئا أتمه لهم) (35).
هذه المأثورات من أئمة أهل البيت تعرب عن أن الغرض الداعي إلى بعثة النبي, داع إلى وجود إمام يخلف النبي في عامة سماته, سوى ما دل القرآن على انحصاره به ككونه نبيا رسولا وصاحب شريعة.
ب- الأمة الإسلامية ومثلث الخطر الداهم
إن الدولة الإسلامية التي أسسها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كانت محاصرة حال وفاة النبي من جهتي الشمال والشرق بأكبر إمبراطوريتين عرفهما تاريخ تلك الفترة, وكانتا على جانب كبير من القوة والبأس, وهما: الروم وإيران, ويكفي في خطورة امبراطورية إيران أنه كتب ملكها إلى عامله باليمن - بعدما وصلت إليه رسالة النبي تدعوه إلى الإسلام, ومزقها -: (ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز, رجلين من عندك, جلدين, فليأتياني به) (36). وكفى في خطورة موقف الإمبراطورية الرومانية, أنه وقعت اشتباكات عديدة بينها وبين المسلمين في السنة الثامنة للهجرة, منها سرية موتة التي قتل فيها قادة الجيش الإسلامي, وهم: جعفر بن أبي طالب, وزيد ابن حارثة, وعبد الله بن رواحة, ورجع الجيش الإسلامي من تلك الواقعة منهزما, ولأجل ذلك توجه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفسه على رأس الجيش الإسلامي إلى تبوك في السنة التاسعة لمقابلة الجيوش البيزنطية ولكنه لم يلق أحدا, فأقام في تبوك أياما ثم رجع إلى المدينة, ولم يكتف بهذا بل جهز جيشا في أخريات أيامه بقيادة أسامة ابن زيد لمواجهة جيوش الروم, هذا من الخارج.
وأما من الداخل, فقد كان الإسلام والمسلمون يعانون من وطأة مؤامرات المنافقين الذين كانوا يشكلون جبهة عدوانية داخلية, أشبه بما يسمى بالطابور الخامس, فهؤلاء أسلموا بألسنتهم دون قلوبهم, وكانوا يتحينون الفرص لإضعاف الدولة الإسلامية بإثارة الفتن الداخلية, ولقد انبرى القرآن الكريم لفضح المنافقين والتشهير بخططهم ضد الدين والنبي في العديد من السور القرآنية وقد نزلت في حقهم سورة خاصة.
إن اهتمام القرآن بالتعرض للمنافقين المعاصرين للنبي, المتواجدين بين الصحابة أدل دليل على أنهم كانوا قوة كبيرة ويشكلون جماعة وافرة ويلعبون دورا خبيثا في إفساح المجال لأعداء الإسلام, بحيث لولا قيادة النبي الحكيمة لقضوا على كيان الدين, ويكفي في ذلك قوله سبحانه:
(لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) (37).
وقد كان محتملا ومرتقبا أن يتحد هذا المثلث الخطير لاكتساح الإسلام واجتثاث جذوره بعد وفاة النبي, فمع هذا الخطر المحيق الداهم, ما هي وظيفة القائد الحكيم الذي أرسى قواعد دينه على تضحيات عظيمة؟ فهل المصلحة كانت تقتضي تنصيب قائد حكيم عارف بأحكام القيادة ووظائفها حتى يجتمع المسلمون تحت رايته ويكونوا صفا واحدا في مقابل ذاك الخطر, أو أن المصلحة العامة تقتتضي تفويض الأمر إلى الأمة حتى يختاروا لأنفسهم أميرا, مع ما يحكيه التاريخ لنا من سيطرة الروح القبلية على المسلمين آنذاك؟ ويكفي شاهدا على ذلك ما وقع من المشاجرات بين المهاجرين والأنصار يوم السقيفة (38).
إن القائد الحكيم هو من يعتني بالأوضاع الإجتماعية لأمته, ويلاحظ الظروف المحيطة بها, ويرسم على ضوئها ما يراه صالحا لمستقبلها, وقد عرفت أن مقتضى هذه الظروف هو تعيين القائد والمدبر, لا دفع الأمر إلى الأمة, وإلى ما ذكرنا ينظر قول الشيخ الرئيس ابن سينا في حق الإمام:
(والاستخلاف بالنص أصوب, فإن ذلك لا يؤدي إلى التشغب والتشاغب والاختلاف) (39).
ج ـ نصب الإمام لطف إلهي
هذا حاصل ما سلكناه في بيان وجوب تنصيب الخليفة والإمام للأمة الإسلامية من جانب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على ضوء العقل الفطري ودراسة التاريخ الإسلامي وشؤون الرسالة النبوية ومسؤولياتها الخطيرة, وهذا المسلك يقرب مما سلكه مشايخنا الإمامية في هذا المجال من الاستناد بقاعدة اللطف, وفي ذلك يقول السيد المرتضى:
(والذي يدل على ما ادعيناه أن كل عاقل عرف العادة وخالط الناس, يعلم ضرورة أن وجود الرئيس المصيب النافذ الأمر, السديد التدبير ترتفع عنده التظالم والتقاسم والتباغي أو معظمه, أو يكون الناس إلى ارتفاعه أقرب, وإن فقد من هذه صفته يقع عنده كل ما أشرنا إليه من الفساد أو يكون الناس إلى وقوعه أقرب, فالرئاسة على ما بيناه لطف في فعل الواجب والامتناع من القبيح, فيجب أن لا يخلي الله تعالى المكلفين منها, ودليل وجوب الألطاف يتناولها) (40).
هذا الاستدلال كما ترى مؤلف من مقدمتين:
الأولى: ان نصب الإمام لطف من الله على العباد.
الثانية: ان اللطف واجب على الله لما تقتضيه حكمته تعالى.
أما المقدمة الأولى, فلأن اللطف هو ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية ولو بالإعداد, وبالضرورة أن نصب الإمام كذلك لما به من بيان المعارف والأحكام الإلهية وحفظ الشريعة من الزيادة والنقصان وتنفيذ الأحكام ورفع الظلم والفساد ونحوها.
وأما المقدمة الثانية, فلأن ترك هذا اللطف من الله سبحانه إخلال بغرضه ومطلوبه وهو طاعة العباد له وترك معصيته فيجب على الله نصبه لئلا يخل بغرضه, ولا ينافي اللطف في نصبه سلب العباد سلطانه أو غيبته, لأن الله سبحانه قد لطف بهم بنصب المعد لهم, وهم فوتوا أثر اللطف على أنفسهم وإلى هذا أشار المحقق الطوسي بقوله:
(الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض... ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر وعدمه منا) (41).
وأوضحه العلامة الحلي, بقوله:
(لطف الإمامة يتم بأمور: منها ما يجب على الله تعالى وهو خلق الإمام وتمكينه بالتصرف والعلم والنص عليه باسمه ونسبه, وهذا قد فعله الله تعالى, ومنها ما يجب على الإمام وهو تحمله للإمامة وقبوله لها وهذا قد فعله الإمام, ومنها ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبوله أوامره وامتثال قوله, وهذا لم يفعله الرعية, فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام) (42).
مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد
ناظر هشام بن الحكم- وهو من أبرز أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) في علم الكلام - مع عمرو بن عبيد - وهو من مشايخ المعتزلة - في مسألة الإمامة وصارت النتيجة إفحام هشام لعمرو عند جمع من تلامذته, وإليك ما رواه الكليني في ذلك:
علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن الحسن بن إبراهيم, عن يونس بن يعقوب, قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه, منهم: حمران بن أعين, ومحمد ابن النعمان, وهشام بن سالم, والطيار, وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب, فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
(يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟).
فقال هشام: يا بن رسول الله إني أجلك واستحييك ولا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
(إذا أمرتكم بشيء فافعلوا).
قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة, فعظم ذلك علي, فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة, فأتيت مسجد البصرة, فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء, متزر بها من صوف, وشملة مرتديا بها والناس يسألونه, فاستفرجت الناس, فأفرجوا لي, ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي, ثم قلت: أيها العالم: إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟
فقال لي: نعم.
فقلت له: ألك عين؟
فقال: يا بني أي شيء هذا من السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه؟
فقلت: هكذا مسألتي.
فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقا.
قلت: أجبني فيها. قال لي: سل.
قلت: ألك عين؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع بها؟
قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلت: فلك أنف؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع به؟
قال: أشم به الرائحة.
قلت: ألك فم؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم.
قلت: فلك أذن؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت.
قلت: ألك قلب؟
قال: نعم, قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس.
قلت: أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا, قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟
قال: يا بني: إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته, ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك.
فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟
قال: نعم.
قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟
قال: نعم.
فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه, ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم, لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم, ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟
فسكت ولم يقل لي شيئا... ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه, وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت.
فضحك أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا هشام من علمك هذا؟
قلت: شيء أخذته منك وألفته.
فقال (عليه السلام): هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى (43).
ولعل قوله (عليه السلام): هذا والله مكتوب الخ, إشارة إلى أن مسألة نصب الخليفة والإمام التي يحكم بها العقل الصريح, كانت من سنن الأنبياء والمرسلين, وإنما ذكر إبراهيم وموسى لما كان لهما من المكانة الخاصة في هذا المجال, ولذلك أيضا ذكر القرآن ما استدعياه من الله سبحانه في أمر الإمامة والوزارة (44) ويدل على ذلك أيضا ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي, وأنه لا نبي بعدي, وسيكون بعدي خلفاء يكثرون) (45).
وظاهر الحديث أن استخلاف الخلفاء في الأمة الإسلامية, كاستخلاف الأنبياء في الأمم السالفة, ومن المعلوم أن الاستخلاف كان هناك بالتنصيص.

وجوب العصمة في الإمام

الفصل الخامس: وجوب العصمة في الإمام
اتفق أهل السنة على أن العصمة ليست من شرائط الإمام أخذا بمبادئهم حيث إن الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكونوا بمعصومين, قال التفتازاني:
(واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان, مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم... وحاصل هذا دعوى الإجماع على عدم اشتراط العصمة في الإمام) (46).
وأما الشيعة الإمامية فقد اتفقت كلمتهم على هذا الشرط, قال الشيخ المفيد:
(اتفقت الإمامية على أن إمام الدين لا يكون إلا معصوما من الخلاف لله تعالى) (47).
وقال أيضا:
(أقول: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام, معصومون كعصمة الأنبياء) (48).
ثم إنهم استدلوا على وجوب العصمة بوجوه, نكتفي ببعضها:
1- الإمام حافظ للشريعة كالنبي (صلى الله عليه وآله)
إن حقيقة الإمامة عند الإمامية - كما عرفت - هي القيام بوظائف الرسول بعد رحلته, فيجب أن يكون الإمام متمتعا بما يتمتع به النبي من الكفاءات والمؤهلات, ومنها كونه مصونها عن الخطأ في العلم والعمل لكي تحفظ الشريعة به ويكون هاديا للناس إلى مرضاة الله سبحانه, وإليه أشار العلامة الحلي بقوله:
(ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمدا وسهوا, لأنهم حفظة الشرع والقوانون به, حالهم في ذلك كحال النبي (صلى الله عليه وآله)) (49).
وناقش فيه التفتازاني بقوله:
(إن نصب الإمام إلى العباد الذين لا طريق لهم إلى معرفة عصمته بخلاف النبي) (50).
والجواب عنه ظاهر بما تقدم من بطلان القول بأن نصب الإمام مفوض إلى العباد, ولنا أن نعكس ونقول: وجوب عصمة الإمام مما يحكم به العقل الصريح بالتأمل في حقيقة الإمامة والغرض منها, وحيث إن الناس لا طريق لهم إلى معرفة عصمة الإمام كما اعترف به الخصم, فلا يكون نصبه مفوضا إليهم.
2- آية ابتلاء إبراهيم (عليه السلام)
قال سبحانه:
(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (51).
الاستدلال بالآية على المقصود رهن بيان أمرين:
الأول: ما هو المقصود من الإمامة التي أنعم الله سبحانه بها على نبيه الخليل (عليه السلام)؟
الثاني: ما هو المراد من الظالمين؟
أما الأول: فقال بعضهم: إن المراد من الإمامة, هي النبوة والرسالة, ويرده ان إبراهيم كان نبيا قبل تنصيبه إماما, وذلك لأنه طلب الإمامة لذريته فكان له عند ذلك ولد أو أولاد ومن المعلوم ان إبراهيم لم يرزق ولدا إلا في أوان الكبر بنص القرآن الكريم, حيث قال:
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) (52).
وعلى ذلك يجب أن تكون الإمامة الموهوبة للخليل غير النبوة, والظاهر أن المراد منها هي القيادة الإلهية للمجتمع, مضافا إلى تحمل الوحي وإبلاغه, فإن هناك مقامات ثلاثة:
1- مقام النبوة, وهو منصب تحمل الوحي.
2- مقام الرسالة, وهو منصب إبلاغه إلى الناس.
3- مقام الإمامة, وهو منصب القيادة وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة.
والإمامة التي يتبناها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تتحد واقعيتها مع هذه الإمامة.
وأما الثاني: أعني المراد من الظالمين, فالظالم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه ومجاوزة الحد الذي عينه الشرع, والمعصية من وضع الشيء (العمل) في غير موضعه, فالمعصية من مصاديق الظلم, قال سبحانه:
(ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) (53).
ثم إن الظاهر من صيغة الجمع المحلى باللام, ان الظلم بكل ألوانه وصوره مانع عن نيل هذا المنصب الإلهي, وتكون النتيجة ممنوعة كل فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء إلى منصب الإمامة, سواء أكان ظالما في فترة من عمره ثم تاب وصار غير ظالم, أو بقى على ظلمه, فالظالم عندما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه:
(لا ينال عهدي الظالمين) فصلاحتيه بعد ارتفاع الظلم يحتاج إلى دليل.
وعلى ذلك فكل من ارتكب ظلما وتجاوز حدا في يوم من أيام عمره, أو عبد صنما, وبالجملة ارتكب ما هو حرام, فضلا عما هو كفر, ليس له أهلية منصب الإمامة, ولازم ذلك كون الإمام طاهرا من الذنوب من لدن وضع عليه قلم التكليف, إلى آخر حياته, وهذا ما يرتئيه الإمامية في عصمة الإمام.
ومما يؤكد ما ذكرناه أن الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة:
1- من كان طيلة عمره ظالما.
2- من كان طاهرا ونقيا في جميع فترات عمره.
3- من كان ظالما في بداية عمره, وتائبا في آخره.
4- عكس الثالث.
وحاشى إبراهيم (عليه السلام) أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته, وقد نص سبحانه على أنه لا ينال عهده الظالم, وهو لا ينطبق إلا على القسم الثالث, فإذا خرج هذا القسم بقي القسم الثاني وهو المطلوب.
3- آية إطاعة أولي الأمر
قال سبحانه:
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (54).
إنه تعالى أمر بطاعة أولي الامر على وجه الإطلاق, ولم يقيده بشيء ومن البديهي أنه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان ولو كان على سبيل الإطاعة عن شخص آخر, وعليه تكون طاعة أولي الأمر فيما إذا أمروا بالعصيان محرما.
فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين أن يكون أولو الأمر الذين وجبت إطاعتهم على وجه الإطلاق معصومين لا يصدر عنهم معصية مطلقا فيستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة اشتمال المتعلق على خصوصية تصده عن الأمر بغير الطاعة.
وممن صرح بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر الإمام الرازي في تفسيره, ولكنه لم يستثمر نتيجة ما هداه إليه استدلاله المنطقي, حيث استدرك قائلا بأنا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم والوصول إليه واستفادة الدين والعلم منه, فلا مناص من كون المراد هو أهل الحل والعقد (55).
يلاحظ عليه
أنه إذا دلت الآية على عصمة أولي الأمر فيجب علينا التعرف عليهم وادعاء العجز هروب من الحقيقة فهل العجز يختص بزمانه أو كان يشمل زمان نزول الآية؟ والثاني باطل قطعا, فإنه لا يعقل أن يأمر الوحي الإلهي بإطاعة المعصوم ثم لا يقوم بتعريفه حين النزول, وبالتعرف عليه في عصر النزول, يعرف المعصوم في أزمنة متأخرة عنه حلقة بعد أخرى.
هذا مع أن تفسير (أولي الأمر) بأهل الحل والعقد تفسير بما هو أشد غموضا, فهل المراد منهم, العساكر, والضباط, أو العلماء والمحدثون, أو الحكام والسياسيون, أو الكل؟ وهل اتفق اجتماعهم على شيء ولم يخالفهم لفيف من المسلمين؟!.
وهناك نصوص من الكتاب والسنة تدل على عصمة أهل بيت النبي وعترته, كآية التطهير وحديث الثقلين وغير ذلك, تركنا البحث عنها لرعاية الاختصار (56). وقد تقدم في الفصل الأول ما يفيد في المقام فراجع.

النصوص الدينية وتنصيب علي (عليه السلام) للإمامة

الفصل السادس: النصوص الدينية وتنصيب علي (عليه السلام) للإمامة
قد تبين بما قدمناه من الأبحاث على ضوء الكتاب والسنة ومن خلال مطالعة تاريخ الإسلام والمحاسبة في الأمور الاجتماعية والسياسية, وفي ظل هداية العقل الصريح, ان خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) وإمام المسلمين يجب أن يكون منصوبا من جانب الرسول بإذن من الله سبحانه, وعندئذ يلزمنا الرجوع إلى الكتاب والسنة لنقف على ذلك القائد المنصوب فنقول:
إن من أحاط بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) يجد علي بن أبي طالب وزير رسول الله في أمره وولي عهده وصاحب الأمر من بعده, ومن وقف على أقوال النبي وأفعاله في حله وترحاله, يجد نصوصه في ذلك متواترة كما ان هناك آيات من الكتاب العزيز تهدينا إلى ذلك, ونحن نكتفي في هذا المجال بذكر آية الولاية من الكتاب ونتبعها بحديثي المنزلة والغدير:
آية الولاية
قال سبحانه:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (57).
وقبل الاستدلال بالآية نذكر شأن نزولها, روى المفسرون عن أنس بن مالك وغيره أن سائلا أتى المسجد وهو يقول: من يقرض المليء الوفي, وعلي راكع يشير بيده للسائل: إخلع الخاتم من يدي, فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرئيل بـ:
(إنما وليكم الله) (58).
وإليك توضيح الاستدلال:
ان المستفاد من الآية ان هناك أولياء ثلاثة وهم: الله تعالى, ورسوله, والمؤمنون الموصوفون بالأوصاف الثلاثة, وأن غير هؤلاء من المؤمنين هم مولى عليهم ولا يتحقق ذلك إلا بتفسير الولي بالزعيم والمتصرف في شؤون المولى عليه, إذ هذه الولاية تحتاج إلى دليل خاص, ولا يكفي الإيمان في ثبوتها, بخلاف ولاية المحبة والنصرة, إذ هما من فروع الإيمان, فكل مؤمن محب لأخيه المؤمن وناصر له.
هذا مضافا إلى الاختصاص المستفاد من كلمة إنما وأحاديث شأن النزول الواردة في الإمام علي (عليه السلام), فهذه الوجوه الثلاثة تجعل الآية كالنص في الدلالة على ما يرتئيه الإمامية في مسألة الإمامة.
فإن قلت: إذا كان المراد من قوله: (الذين آمنوا) هو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلماذا جيئ بلفظ الجماعة؟
قلت: جيئ بذلك ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه, ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة, لم يؤخروه إلى الفراغ منها (59).
وهناك وجه آخر أشار إليه الشيخ الطبرسي, وهو أن النكتة في إطلاق لفظ الجمع على أمير المؤمنين, تفخيمه وتعظيمه, وذلك أن أهل اللغة يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم, وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه (60).
ربما يقال إن المراد من الولي في الآية ليس هو المتصرف, بل المراد الناصر والمحب بشهادة ما قبلها وما بعدها, حيث نهى الله المؤمنين أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء, وليس المراد منه إلا النصرة والمحبة, فلو فسرت في الآية بالمتصرف يلزم التفكيك (61).
والجواب عنها
إن السياق إنما يكون حجة لو لم يقم دليل على خلافه, وذلك لعدم الوثوق حينئذ بنزول الآية في ذلك السياق, إذ لم يكن ترتيب الكتاب العزيز في الجمع موافقا لترتيبه في النزول بإجماع الأمة, وفي التنزيل كثير من الآيات الواردة على خلاف ما يعطيه السياق كآية التطهير المنتظمة في سياق النساء مع ثبوت النص على اختصاصها بالخمسة أهل الكساء (62).
حديث المنزلة
روى أهل السير والتاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أهله في المدينة عند توجهه إلى تبوك, فأرجف به المنافقون, وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخوفا منه, فضاق صدره بذلك, فأخذ سلاحه وأتى النبي وأبلغه مقالتهم, فقال (صلى الله عليه وآله):
(كذبوا, ولكني خلفتك لما تركت ورائي, فارجع واخلف في أهلي وأهلك, أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى, إلا أنه لا نبي بعدي؟) (63).
إضافة كلمة (منزلة) - وهي اسم جنس - إلى هارون يقتضي العموم, فالرواية تدل على أن كل مقام ومنصب كان ثابتا لهارون فهو ثابت لعلي, إلا ما استثني وهو النبوة, بل الاستثناء أيضا قرينة على العموم ولولاه لما كان وجه للاستثناء, وكون المورد هو الاستخلاف على الأهل لا يدل على الاختصاص, فإن المورد لا يكون مخصصا كما لو رأيت الجنب يمس آية الكرسي مثلا فقلت له لا يمسن آيات القرآن محدث, يكون دليلا على حرمة مس القرآن عل الجنب مطلقا.
وأما منزلة هارون من موسى فيكفي في بيانها قوله سبحانه حكاية عن موسى:
(واجعل لي وزيرا من أهلي* هارون أخي* أشدد به أزري* وأشركه في أمري) (64).
وقد أوتي موسى جميع ذلك كما يقول سبحانه:
(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) (65).
وقد استخلف موسى أخيه هارون عند ذهابه إلى ميقات ربه مع جماعة من قومه, قال سبحانه:
(وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (66).
وهذا الاستخلاف وإن كان في قضيثة خاصة ووقت خاص, لكن اللفظ مطلق والمورد لا يكون مخصصا. ومن هنا لو فرض غيبة أخرى لموسى من قومه مع عدم تنصيصه على استخلاف هارون كان خليفة له بلا إشكال. وهارون وإن كان شريكا لموسى في النبوة إلا أن الرئاسة كانت مخصوصة لموسى, فموسى كان وليا على هارون وعلى غيره, وهذا دليل على أن منزلة الإمامة منفصلة من النبوة, وإنما اجتمع الأمران لأنبياء مخصوصين, لأن هارون لو كان له القيام بأمر الأمة من حيث كان نبيا لما احتاج فيه إلى استخلاف موسى إياه وإقامته مقامه (67).
حديث الغدير
حديث الغدير, مما تواترت به السنة النبوية وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا الحاضر, رواه من الصحابة (110) صحابيا ومن التابعين (84) تابعيا, وقد رواه العلماء والمحدثون في القرون المتلاحقة, وقد أغنانا المؤلفون في الغدير عن اراءة مصادره ومراجعه, وكفاك في ذلك كبت لمة كبيرة من أعلام الطائفة, منهم: العلامة السيد هاشم البحراني (المتوفى1107هـ) مؤلف (غاية المرام), والسيد مير حامد حسين الهندي (المتوفى1306هـ) مؤلف (العبقات), والعلامة الأميني (المتوفى1390هـ) مؤلف (الغدير), والسيد شرف الدين العاملي (المتوفى1381هـ) مؤلف (المراجعات).
ومجمل الحديث هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذن في الناس بالخروج إلى الحج في السنة العاشرة من الهجرة, وأقل ما قيل أنه خرج معه تسعون ألفا, فلما قضى مناسكه, وانصرف راجعا إلى المدينة ووصل إلى غدير (خم), وذلك يوم الخميس, الثامن عشر من ذي الحجة, نزل جبرئيل الأمين عن الله تعالى بقوله:
(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يرد من تقدم, ويحبس من تأخر حتى إذا أخذ القوم منازلهم نودي بالصلاة, صلاة الظهر, فصلى بالناس ثم قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل, وبعد الحمد والثناء على الله سبحانه وأخذ الإقرار من الحاضرين بالتوحيد والنبوة والمعاد, والإيصاء بالثقلين, وبيان أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم, أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون, ثم قال:
(من كنت مولاه, فعلي مولاه - يقولها ثلاث مرات -).
ثم دعا لمن والاه, وعلى من عاداه, وقال:
(ألا فليبلغ الشاهد الغائب).
ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) الآية.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة, ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي).
ثم أخذ الناس يهنئون عليا, وممن هناه في مقدم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول:
(بخ بخ, لك يابن أبي طالب, أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).
دلالة الحديث
إن دلالة الحديث على إمامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) دلالة واضحة, لم يشك فيها أي عربي صميم عصر نزول الحديث وبعده إلى قرون, ولم يفهموا من لفظة المولى إلا الإمامة.
إن هناك قرائن حالية ومقالية تجعل الحديث كالنص في أن المراد من المولى هو الأولى بالتصرف في شؤون المؤمنين على غرار ما كان للنبي (صلى الله عليه وآله) من الولاية.
أما القرينة الحالية (المقامية) فيكفينا في بيانها ما ذكره التفتازاني بقوله:
(المولى قد يراد به المعتق والمعتق والحليف, والجار, وابن العم, والناصر, والأولى بالتصرف, وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى, ليطابق صدر الحديث, ولأنه لا وجه للخمسة الأول وهو ظاهر, ولا للسادس لظهوره, وعدم احتياجه إلى البيان وجمع الناس لأجله).
ثم قال:
(لا خفاء في أن الولاية بالناس, والتولي والمالكية لتدبير أمرهم والتصرف فيهم بمنزلة النبي, وهو معنى الإمامة) (68).
وأما القرائن المقالية فمتعددة نشير إلى بعضها:
القرينة الأولى: صدر الحديث وهو قوله (صلى الله عليه وآله):
(ألست أولى بكم من أنفسكم).
أو ما يؤدي مؤداه من ألفاظ متقاربة, ثم فرع على ذلك قوله:
(فمن كنت مولاه فعلي مولاه) وقد روى هذا الصدر من حفاظ أهل السنة ما يربو على أربعة وستين عالما (69).
القرينة الثانية: نعى النبي نفسه إلى الناس حيث إنه يعرب عن أنه سوف يرحل من بين أظهرهم فيحصل بعده فراغ هائل, وأنه يسد بتنصيب علي (عليه السلام) في مقام الولاية. وغير ذلك من القرائن التي استقصاها شيخنا المتتبع في غديره (70).
لماذا أعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير؟
أقوى مستمسك لمن يريد التخلص من الاعتناق بالنص المتواتر الجلي في المقام, هو أنه لو كان الأمر كذلك فلماذا لم تأخذه الصحابة مقياسا بعد النبي؟ وليس من الصحيح إجماع الصحابة وجمهور الأمة على رد ما بلغه النبي في ذلك المحتشد العظيم.
والجواب عنه أن من رجع طإلى تاريخ الصحابة يرى لهذه الأمور نظائر كثيرة في حياتهم السياسية, وليكن ترك العمل بحديث الغدير من هذا القبيل, منها (رزية يوم الخميس) رواها الشيخان وغيرهما (71), ومنها سرية أسامة (72) ومنها صلح الحديبية واعتراض لفيف من الصحابة (73), ولسنا بصدد استقصاء مخالفات القوم لنصوص النبي وتعليماته, فإن المخالفة لا تقتصر على ما ذكر بل تربو على نيف وسبعين موردا, استقصاها بعض الأعلام (74).
وعلى ضوء ذلك لا يكون ترك العمل بحديث الغدير, من أكثرية الصحابة دليلا على عدم تواتره, أو عدم تمامية دلالته.

السنة النبوية والأئمة الإثنا عشر

الفصل السابع: السنة النبوية والأئمة الإثنا عشر
إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يكتف بتنصيب علي (عليه السلام) منصب الإمامة والخلافة, كما لم يكتف بإرجاع الأمة الإسلامية إلى أهل بيته وعترته الطاهرة, ولم يقتصر على تشبيههم بسفينة نوح, بل قام ببيان عدد الأئمة الذين يتولون الخلافة بعده, واحدا بعد واحد, حتى لا يبقى لمرتاب ريب, فقد روي في الصحاح والمسانيد بطرق مختلفة عن جابر بن سمرة أن الخلفاء بعد النبي إثنا عشر خليفة كلهم من قريش, وإليك ما ورد في توصيفهم من الخصوصيات:
1- لا يزال الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة.
2- لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة.
3- لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة, أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة.
4- لا يزال الدين ظاهرا على من ناوأه حتى يمضي من أمتي اثنا عشر خليفة.
5- لا يزال هذا الأمر صالحا حتى يكون اثنا عشر أميرا.
6- لا يزال الناس بخير إلى اثني عشر خليفة (75).
وقد اختلفت كلمة شراح الحديث في تعيين هؤلاء الأئمة, ولا تجد بينها كلمة تشفي العليل, وتروي الغليل, إلا ما نقله الشيخ سليمان البلخي القندوزي الحنفي في ينابيعه عن بعض المحققين, قال:
(إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده اثني عشر, قد اشتهرت من طرق كثيرة, ولا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من الصحابة, لقلتهم عن اثني عشر, ولا يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين لزيادتهم على الاثني عشر ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز... ولا يمكن أن يحمل على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم قوله سبحانه:
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
وحديث الكساء, فلابد من أن يحمل على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته, لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم, وأجلهم, وأورعهم, وأتقاهم, وأعلاهم نسبا, وافضلهم حسبا, وأكرمهم عند الله, وكانت علومهم عن آبائهم متصلة بجدهم (صلى الله عليه وآله) وبالوراثة اللدنية, كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق, وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيد هذا المعنى ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكثرة المذكرة في هذا الكتاب وغيرها) (76).
أقول: الإنسان الحر الفارغ عن كل رأي مسبق, لو أمعن النظر في هذه الأحاديث وأمعن في تاريخ الأئمة الاثني عشر من ولد الرسول, يقف على أن هذه الأحاديث لا تروم غيرهم, فإن بعضها يدل على أن الإسلام لا ينقرض ولا ينقضي حتى يمضي في المسلمين اثنا عشر خليفة, كلهم من قريش وبعضها يدل على أن عزة الإسلام إنما تكون إلى اثني عشر خليفة وبعضها يدل على أن الدين قائم إلى قيام الساعة وإلى ظهور اثني عشر خليفة, وغير ذلك من العناوين.
وهذه الخصوصيات لا توجد في الأمة الإسلامية إلا في الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين (77), خصوصا ما يدل على أن وجود الأئمة مستمر إلى آخر الدهر ومن المعلوم أن آخر الأئمة هو المهدي المنتظر الذي يعد ظهوره من أشراط الساعة.
ثم إنه قد تضافرت النصوص في تنصيص الإمام السابق على الإمام اللاحق, فمن أراد الوقوف على هذه النصوص, فليرجع إلى الكتب المؤلفة في هذا الموضوع (78).

الإمام الثاني عشر في الكتاب والسنة

الفصل الثامن: الإمام الثاني عشر في الكتاب والسنة
إن إفاضة القول في تعريف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ببيان علومهم وفضائلهم ونتائج جهودهم في مجال العلوم الدينية, وتربية الشخصيات المبرزة في مجال العلم والعمل, وما لا قوه من اضطهاد خلفاء عصرهم يحتاج إلى موسوعة كبيرة, ولأجل ذلك طوينا الكلام عن ذلك, إلا أن الاعتقاد بالإمام المنتظر لما كان أصلا رصينا من أبحاث الإمامة للشيعة, وكان الاعتقاد به - في الجملة - مشتركا بين طوائف المسلمين, رجحنا إلقاء الضوء على هذا الأصل على وجه الإجمال فنقول:
كل من كان له إلمام بالحديث, يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه, بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم ونشر العلم وإقامة العدل, وإظهار الدين كله ولو كره المشركون, وقد تضافر مضمون قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله):
(لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم, حتى يخرج رجل من ولدي, فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما) (79).
ولو وجد هنا خلاف بين طوائف المسلمين فهو الاختلاف في ولادته, فان الأكثرية من أهل السنة يقولون بأنه سيولد في آخر الزمان, لكن معتقد الشيعة بفضل الروايات الكثيرة هو انه ولد في (سر من رأى) عام255 بعد الهجرة النبوية, وغاب بأمر الله سبحانه سنة وفاة والده عام260هـ, وسوف يظهرة الله سبحانه ليتحقق عدله.
ونحن نكتفي في المقام بذكر فهرس الروايات التي رواها السنة والشيعة:
1- البشارة بظهوره (657رواية).
2- انه من أهل بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) (389رواية).
3- انه من أولاد الإمام علي (عليه السلام) (214رواية).
4- انه من أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) (192رواية).
5- انه التاسع من أولاد الحسين (عليه السلام) (148رواية).
6- انه من أولاد الإمام زين العابدين (عليه السلام) (185رواية).
7- انه من أولاد الحسن العسكري (عليه السلام) (146رواية).
8- انه يملأ الأرض قسطا وعدلا (132رواية).
9- ان له غيبة طويلة (91رواية).
10- انه يعمر عمرا طويلا (318رواية).
11- الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) (136رواية).
12- الإسلام يعم العالم كله بعد ظهوره (27رواية).
13- الروايات الواردة حول ولادته (80) (214رواية).
ولم ير التضعيف لأخبار الإمام المهدي إلا من ابن خلدون في مقدمته، وقد فند مقاله الأستاذ أحمد محمد صديق برسالة أسماها (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) (81).
قال بعض المحققين من أهل السنة - ردا لمزعمة ابن خلدون -:
(إن المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين, أو رواية أو روايتين, انها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريبا, اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر, من صاحب كتاب صحيح.
فلماذا نرد كل هذه الكمية؟ أكلها فاسدة؟! لو صح هذا الحكم لانهار الدين - والعياذ بالله - نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثم إني لا أجد خلافا حول ظهور المهدي, أو حول حاجة العالم إليه, وإنما الخلاف حول من هو؟ حسني, أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان, أو موجود الآن؟ ولا عبرة بالمدعين الكاذبين فليس لهم اعتبار.
وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي, نظرة مجردة, فإننا لا نجد حرجا من قبولها وتصديقها, أو على الأقل عدم رفضها.
وقد يتأيد ذلك بالأدلة الكثيرة والأحاديث المتعددة, ورواتها مسلمون مؤتمنون, والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة, والترمذي من رجال التخريج والحكم, بالإضافة إلى أن أحاديث المهدي لها ما يصح أن يكون سندا لها في البخاري ومسلم, كحديث جابر في مسلم الذي فيه: (فيقول أميرهم (أي لعيسى) تعال صل بنا) (82).
وحديث أبي هريرة في البخاري وفيه:
(وكيف بكم إذا نزل فيكم المسيح بن مريم وإمامكم منكم) (83).
فلا مانع من أن يكون هذا الأمير وهذا الإمام هو المهدي.
يضاف إلى هذا أن كثيرا من السلف رضي الله عنهم, لم يعارضوا هذا القول, بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين) (84).
أسئلة حول المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
إن القول بأن الإمام المهدي لم يزل حيا منذ ولادته إلى الآن, وانه غائب سوف يظهر بأمر الله سبحانه أثار أسئلة حول حياته وإمامته أهمها ما يلي:
1- كيف يكون إمام وهو غائب؟
2- لماذا غاب؟
3- كيف يمكن أن يعيش إنسان هذه المدة الطويلة؟
4- متى يظهر؟ (علائم ظهوره).
وقد قام العلماء المحققون من علماء الإمامية بالإجابة عليها في مؤلفات مستقلة لا مجال لنقل معشار مما جاء فيها, ونحن نكتفي في المقام بالبحث عنها على وجه الإجمال, ونحيل من أراد التبسط إلى المصادر المؤلفة في هذا المجال, فنقول:
ألف - كيف يكون إماما وهو غائب؟
إن الغاية من تنصيب الإمام هي القيام بوظائف الإمامة والقيادة وهو يتوقف على كونه ظاهرا بين أبناء الأمة, مشاهدا لهم, فكيف يكون إماما قائدا وهو غائب عنهم؟
والجواب عنه بوجوه:
الأول: ان عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته لا يدل على انتفائها, ومن أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية أو الدينية هو جعل عدم العلم مقام العلم بالعدم, ولا شك أن عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأمور المهمة في عالم التكوين والتشريع, بل لا يفهم مصلحة كثير من سنن الله تعالى ولكن مقتضى تنزه فعله سبحانه عن اللغو والعبث هو التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة, وقد عرفت تواتر الروايات على غيبته.
الثاني: أن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمر مطلقا, وهذا مصاحب موسى كان وليا من أولياء تعالى لجأ إليه أكبر أنبياء الله في عصره كما يحكيه القرآن الكريم ويقول:
(فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما* قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) (85).
فأي مانع حينئذ من أن يكون للإمام الغائب في كل يوم وليلة تصرف من هذا النمط, ويؤيد ذلك ما دلت عليه الروايات من أنه يحضر الموسم في أشهر الحج, ويحج ويصاحب الناس ويحضر المجالس.
الثالث: المسلم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته, وأما عدم وصول الخواص إليه, فليس بمسلم بل الذي دلت عليه الروايات خلافه, فالصلحاء من الأمة الذين يستدر بهم الغمام, لهم التشرف بلقائه والاستفادة من نور وجوده, وبالتالي تستفيد الأمة منه بواسطتهم, والحكايات من الأولياء في ذلك متضافرة.
الرابع: قيام الإمام بالتصرف في الأمور الظاهرية وشؤون الحكومة لا ينحصر بالقيام به شخصا وحضورا, بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي أرواحنا له الفداء في غيبته, ففي الغيبة الصغرى (260- 329هـ) كان له وكلاء أربعة, قاموا بحوائج الناس, وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام للقضاء وإجراء السياسيات وإقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس, كما جاء في توقيعه الشريف: (وأما الحوادث العامة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا, فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) (86).
وإلى هذه الأجوبة أشار الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر توقيع له إلى بعض نوابه بقوله:
(وأما وجه الانتفاع في غيبتي, فكل الانتفاع بالشمس, إذا غيبتها عن الأبصار, السحاب) (87).
ب - لماذا غاب المهدي (عليه السلام)؟
إن ظهور الإمام بين الناس, يترتب عليه من الفائدة مالا يترتب عليه في زمان الغيبة, فلماذا غاب عن الناس, حتى حرموا عن الاستفادة من وجوده, وما هي المصلحة التي أخفته عن أعين الناس؟
الجواب:
ان هذا السؤال يجاب عليه بالنقض والحل:
أما النقض, فبما ذكرناه في الإجابة عن السؤال الأول, فإن قصور عقولنا عن إدراك اسباب غيبته, لا يجرنا إلى إنكار المتضافرات من الروايات, فالاعتراف بقصور أفهامنا أولى من رد الروايات المتواترة, بل هو المتعين.
وأما الحل, فإن أسباب غيبته واضحة لمن أمعن فيما ورد حولها من الروايات, فإن الإمام المهدي (عليه السلام) هو آخر الأئمة الاثني عشر الذين وعد بهم الرسول, وأناط عزة الإسلام بهم ومن المعلوم أن الحكومات الإسلامية لم تقدرهم, بل كانت لهم بالمرصاد, تلقيهم في السجون, وتريق دماءهم الطاهرة, بالسيف أو السم, فلو كان ظاهرا, لأقدموا على قتله, إطفاء لنوره, فلأجل ذلك اقتضت المصلحة أن يكون مستورا عن أعين الناس, يراهم ويرونه ولكن لا يعرفونه إلى أن تقضتي مشيئة الله سبحانه ظهوره, بعد حصول استعداد خاص في العالم لقبوله, والانضواء تحت لواء طاعته, حتى يحقق الله تعالى به ما وعد به الأمم جمعاء من توريث الأرض للمستضعفين.
وقد ورد في بعض الروايات إشارة إلى هذه النكتة, روى زرارة قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم, قال: قلت ولم؟ قال: يخاف, قال زرارة: يعني القتل.
وفي رواية أخرى: يخاف على نفسه الذبح (88).
ج - الإمام المهدي (عليه السلام) وطول عمره
إن من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدي, طول عمره في فترة غيبته, فإنه ولد عام255هـ, فيكون عمره إلى الأعصار الحاضرة أكثر من ألف ومائة وخمسين عاما, فهل يمكن في منطق العلم أن يعيش إنسان هذا العمر الطويل؟
والجواب:
من وجهين, نقضا وحلا.
أما النقض, فقد دل الذكر الحكيم على أن شيخ الأنبياء عاش قرابة ألف سنة, قال تعالى:
(فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) (89).
وقد تضمنت التوارة أسماء جماعة كثيرة من المعمرين, وذكرت أحوالهم في سفر التكوين (90).
وقد قام المسلمون بتأليف كتب حول المعمرين, ككتاب (المعمرين) لأبي حاتم السجستاني, كما ذكر الصدوق أسماء عدة منهم في كتاب (كمال الدين) (91), والعلامة الكراجكي في رسالته الخاصة, باسم (البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) (92) والعلامة المجلسي في (البحار) (93) وغيرهم.
وأما الحل, فإن السؤال عن إمكان طول العمر, يعرب عن عدم التعرف على سعة قدرة الله سبحانه:
(وما قدروا الله حق قدره) (94).
فإنه إذا كانت حياته وغيبته وسائر شؤونه, برعاية الله سبحانه, فأي مشكلة في أن يمد الله سبحانه في عمره ما شاء, ويدفع عنه عوادي المرض ويرزقه عيش الهناء.
وبعبارة أخرى, أن الحياة الطويلة, إما ممكنة في حد ذاتها أو ممتنعة, والثاني لم يقل به أحد, فتعين الأول, فلا مانع من أن يقوم سبحانه بمد عمر وليه لتحقيق غرض من أغراض التشريع.
أضف إلى ذلك ما ثبت في العلم الجديد من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعيا لقواعد حفظ الصحة وإن موت الإنسان في فترة متدنية, ليس لقصور الاقتضاء, بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة, ولو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء الله.
وهناك كلمات أضافية من مهرة علم الطب في إمكان إطالة العمر, وتمديد حياة البشر, نشرت في الكتب والمجلات العلمية المختلفة (95).
وإذا قرأت ما تدونه أقلام الأطباء في هذا المجال, يتضح لك معنى قوله سبحانه:
(فلولا أنه كان من المسبحين* للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (96).
فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان, في أعماق المحيطات, ممكنا إلى يوم البعث, فكيف لا يعيش إنسان على اليابسة, في أجواء طبيعية تحت رعاية الله وعنايته, إلى ما شاء؟!.
د - ما هي علائم ظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟
إذا كان للإمام الغائب, ظهور بعد غيبة طويلة, فلابد من أن يكون لظهوره علائم وأشراط, تخبر عن ظهوره, فما هي هذه العلائم؟
الجواب:
ان ما جاء في كتب الأحاديث من الحوادث الواقعة قبل ظهور المهدي المنتظر عبارة عن عدة أمور, منها:
1- النداء في السماء, ينادي مناد من السماء باسم المهدي فيسمع من بالمشرق والمغرب, والمنادي هو جبرائيل روح الأمين (97).
2- الخسوف والكسوف في غير مواقعهما, الكسوف في النصف من شهر رمضان والخسوف في آخره والقاعدة العكس (98).
3- الشقاق والنفاق في المجتمع.
4- ذيوع الجور والظلم والهرج والمرج في الأمة.
5- ابتلاء الإنسان بالموت الأحمر والأبيض, أما الموت الأحمر فالسيف, وأما الموت الأبيض فالطاعون (99).
6- قتل النفس الزكية, من أولاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
7- خروج الدجال.
8- خروج السفياني, وهو عثمان بن عنبسة من أولاد يزيد بن معاوية.
وغير ذلك مما جاء في الأحاديث الإسلامية (100).
هذه هي علامات ظهوره, ولكن هناك أمورا تمهد لظهوره, وتسهل تحقيق أهدافه نشير إلى أبرزها:
1- الاستعداد العالمي: والمراد منه أن المجتمع الإنساني - بسبب شيوع الفساد - يصل إلى حد, يقنط معه من تحقق الإصلاح بيد البشر, وعن طريق المنظمات العالمية التي تحمل عناوين مختلفة, وأن ضغط الظلم والجور على الإنسان يحمله على أن يذعن ويقر بأن الإصلاح لا يتحقق إلا بظهور إعجاز إلهي وحضور قوة غيبية, تدمر كل تلك التكتلات البشرية الفاسدة, التي قيدت باسلاكها أعناق البشر.
2- تكامل العقول: إن الحكومة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام) لا تتحقق بالحروب والنيران والتدمير الشامل للأعداء, وإنما تتحقق برغبة الناس إليها, وتأييدهم لها, لتكامل عقولهم ومعرفتهم.
يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث له يرشد فيه إلى أنه إذا كان ذلك الظرف, تجتمع عقول البشر وتكتمل أحلامهم:
(إذا قام قائمنا, وضع الله يده على رؤوس العباد, فيجمع بها عقولهم وتكتمل به أحلامهم) (101).
فقوله (عليه السلام): يجمع بها عقولهم, بمعنى أن التكامل الاجتماعي يبلغ بالبشر إلى الحد الذي يقبل فيه تلك الموهبة الإلهية, ولن يترصد للثورة على الإمام والانقلاب عليه, وقتله أو سجنه.
3- تكامل الصناعات: أن الحكومة العالمية الموحدة لا تتحقق إلا بتكامل الصناعات البشرية, بحيث يسمع العالم كله صوته ونداءه, وتعاليمه وقوانينه في يوم واحد, وزمن واحد.
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
(إن المؤمن في زمان القائم, وهو بالمشرق, يرى أخاه الذي في المغرب, وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق) (102).
4- الجيش الثوري العالمي: أن حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) وإن كانت قائمة على تكامل العقول, ولكن الحكومة لا تستغني عن جيش فدائي ثائر وفعال, يمهد الطريق للإمام (عليه السلام), ويواكبه بعد الظهور إلى تحقق أهدافه وغاياته المتوخاة.

الهوامش

1- وكفى في ذلك أن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية قامت بنشر رسالة جمعت فيها مصادر الحديث, ونذكر من طرقه الكثيرة ما يلي: صحيح مسلم: 7/122, سنن الترمذي: 2/ 307, مسند أحمد: 3/ 17, 26, 59, 4/ 366 و371, 5/ 182, 189. وقد قام المحدث الكبير السيد حامد حسين الهندي (قدس) في كتابه (العبقات) بجمع طرق الحديث ونقل كلمات الأعاظم حوله, ونشره في ستة أجزاء.
2- روى المحدثون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إنما مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح, من ركبها نجا, ومن تخلف عنها غرق) مستدرك الحاكم: 2/ 151لخصائص الكبرى للسيوطي: 2/ 266وللحديث طرق ومسانيد كثيرة من أراد الوقوف عليها, فعليه بتعاليق إحقاق الحق: 9/ 270- 293.
3- أصله أءممة وزان أمثلة فادغمت الميم في الميم بعد نقل حركتها إلى الهمزة وبعض النحاة يبدلها ياء للتخفيف.
4- راجع المفردات للراغب, كتاب الألف, مادة أم.
5- شرح المواقف: 8/ 345.
6- اختاره ابن خلدون في المقدمة: 191.
7- اختاره المحقق الطوسي في قواعد العقائد.
8- الاقتصاد في الاعتقاد: 234.
9- غاية المرام في علم الكلام: 363.
10- شرح المواقف: 8/ 344.
11- مقدمة ابن خلدون: 465, ط دار القلم, بيروت.
12- شرح المقاصد: 5/ 232, ط منشورات الرضي, قم المقدسة.
13- أقول: الفارق بين المسألة الكلامية والفقهية هو موضوعها, فموضوع المسألة الكلامية هو وجود الله تعالى أو صفاته وأفعاله, وموضوع المسألة الفقهية هو أفعال المكلفين من البشر ونصب الإمام عند الإمامية فعل الله تعالى, وأما عند أهل السنة فتعيين الإمام وظيفة المسلمين.
14- هو أبو منصور البغدادي (المتوفى429) في أصول الدين: 277, ط دار الكتب العلمية, بيروت.
15- هو أبو الحسن البغدادي (المتوفى450هـ) في الأحكام السلطانية: 6.
16- هو ابن حزم الأندلسي (المتوفى456هـ) في الفصل: 4/ 186.
17- شرح المواقف: 8/ 349 - 350.
18- التمهيد: 181. راجع في ذلك أيضا شرح العقيدة الطحاوية: 379, وشرح العقائد النسفية: 185.
19- قواعد المرام: 179 - 180.
20- شرح المواقف: 8/ 351.
21- الأحكام السلطانية: 6 - 7, ط الحلبي, مصر.
22- الإمامة والسياسة: 1/11.
23- آل عمران: 159.
24- الشورى: 38.
25- نهج البلاغة: الرسائل, الرقم6.
26- لاحظ وقعة صفين لنصر بن مزاحم (المتوفى212هـ): ص29, ط مصر, وقد حدف الرضي في نهج البلاغة من الرسالة ما لا يهمه, فإن عنايته كانت بالبلاغة فحسب.
27- السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 424.
28- الأنعام: 124.
29- الإمامة والسياسة: 1/ 32.
30- حلية الأولياء: 1/ 44.
31- الإمامة والسياسة: 1/ 168.
32- النحل: 44.
33- لاحظ حياة محمد. لمحمد حسين هيكل, الطبعة الثالثة عشر: 49 - 50.
34- نهج البلاغة: قسم الحكم, الرقم 147.
35- الكافي: 1/ 178, الحديث 2.
36- الكامل للجزري: 2/ 145.
37- التوبة: 48.
38- راجع السيرة النبوية: 2/ 659 - 660.
39- الشفاء, الإلهيات, المقالة العاشرة, الفصل الخامس, ص564.
40- الذخيرة في علم الكلام: 410.
41- كشف المراد, المقصد الخامس: 284.
42- المصدر السابق: 285- 286.
43- الكافي ج1, كتاب الحجة, باب الاضطرار إلى الحجة, الحديث 3.
44- لاحظ البقرة: 124, وطه: 30.
45- جامع الأصول لابن أثير الجزري: 443 الفصل الثاني.
46- شرح المقاصد: 5/ 249.
47- أوائل المقالات: 47, الطبعة الثانية.
48- نفس المصدر: 74.
49- دلائل الصدق: 2/ 7, الطبعة الأولى, القاهرة - 1396هـ.
50- شرح المقاصد: 5/ 248.
51- البقرة: 124.
52- إبراهيم: 39.
53- البقرة: 229.
54- النساء: 59.
55- مفاتيح الغيب: 10/ 144.
56- راجع الإلهيات: 2/ 627- 631, 607- 611, الطبعة الأولى.
57- المائدة: 55.
58- رواه الطبري في تفسيره: 6/ 186, والجصاص في أحكام القرآن: 2/446, والسيوطي في الدر المنثور: 2/ 293, وغيرهم. وأنشأ حسان بن ثابت في ذلك أبياته المعروفة, وهي:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي*** وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي والمحبين ضائعا*** وما المدح في ذات الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع*** فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمــــك الميمون يا خير سيد*** ويا خيــــر شار ثـم يا خير بائع
فأنزل فيك الله خير ولايــــــــــة*** وبينهـــــا في محكمات الشرائع
59- الكشاف: 1/ 649, دار الكتاب العربي, بيروت.
60- مجمع البيان: 3- 4/ 211.
61- الإشكال للرازي في مفاتيح الغيب: 12/ 28.
62- المراجعات: 167, الرقم44.
63- السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 519- 520. وقد نقله من أصحاب الصحاح, البخاري في غزوة تبوك: 6/ 3, ط 1314, ومسلم في فضائل علي: 7/ 120, وابن ماجة في فضائل أصحاب النبي: 1/ 55, والإمام أحمد في غير مورد في مسنده, لاحظ: 1/ 173, 175, 177, 179, 182, 185, 230, وغيرهم من الأثبات الحفاظ.
64- طه: 29- 32.
65- طه: 36.
66- الأعراف: 143.
67- مجمع البيان: 3- 4/ 473.
68- شرح المقاصد: 5/ 273- 274. ولكنه رمى الحديث بعدم التواتر فلم يأخذ به في المقام حيث إن مسألة الإمامة ليست من الفروع عند الإمامية.
أقول: لكنها من مسائل الفروع عندهم, فعلى فرض صحة الرواية تكون حجة وإن لم تكن متواترة عنده.
69- لاحظ نقولهم في كتاب الغدير, ج1, موزعين حسب قرونهم.
70- المصدر السابق: 370 - 383.
71- أخرجه البخاري في غير مورد لاحظ ج1, باب كتابة العلم, الحديث3, وج4/ 70 وج6/ 10 من النسخة المطبوعة سنة1314هـ, والإمام أحمد في مسنده: 1/ 355.
72- طبقات ابن سعد: 2/ 189- 192, الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 23.
73- صحيح البخاري: 2/ 81, كتاب الشروط, صحيح مسلم: 5/ 175, باب صلح الحديبية, والطبقات الكبرى لابن سعد: 2/ 114.
74- لاحظ كتاب النص والاجتهاد للسيد الإمام شرف الدين.
75- راجع صحيح البخاري: 9/ 81, باب الاستخلاف, صحيح مسلم: 6/ 3, كتاب الأمارة, باب الناس تبع لقريش, مسند أحمد: 5/ 86- 108, مستدرك الحاكم: 3/ 618.
76- ينابيع المودة: 446, ط استنبول, عام1302.
77- وهم: علي بن أبي طالب, وابناه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة, وعلي بن الحسين السجاد, ومحمد بن علي الباقر, وجعفر بن محمد الصادق, وموسى بن جعفر الكاظم, وعلي بن موسى الرضا, ومحمد بن علي التقي, وعلي بن محمد النقي, والحسن بن علي العسكري, وحجة العصر المهدي المنتظر- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-.
78- لاحظ الكافي: ج1, كتاب الحجة, كفاية الأثر, لعلي بن محمد بن الحسن الخزاز القمي من علماء القرن الرابع, إثبات الهداة للشيخ الحر العاملي, وهو أجمع كتاب في هذا الموضوع.
79- لاحظ مسند أحمد: 1/ 99 و3/ 17و70.
80- وقد ألف غير واحد من أعلام السنة كتبا حول الإمام المهدي (عليه السلام), منهم: الحافظ أبو نعيم الإصفهاني له كتاب (صفة المهدي) والكنجي الشافعي له (البيان في أخبار صاحب الزمان) وملا علي المتقي له (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) وعباد بن يعقوب الرواجني له (أخبار المهدي) والسيوطي له (العرف الوردي في أخبار المهدي) وابن حجر له (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) والشيخ جمال الدين الدمشقي له (عقد الورد في أخبار الإمام المنتظر) وغيرهم قديما وحديثا.
81- وأخيرا نشر شخص يدعى أحمد المصري رسالة أسماها (المهدي والمهدوية) قام- بزعمه- برد أحاديث المهدي, وأنكر تلك الأحاديث الهائلة البالغة فوق حد التواتر, جهلا منه بالسنة والحديث.
82- صحيح مسلم: 1/ 95, باب نزول عيسى.
83- صحيح البخاري: 4/ 168, باب نزول عيسى بن مريم.
84- الدكتور عبد الباقي: بين يدي الساعة: 123-125.
85- الكهف: 65- 66.
86- كمال الدين للصدوق: الباب45, الحديث4, ص485.
87- المصدر السابق.
88- لاحظ كمال الدين: 281, الباب 44, الحديث8و9و10.
89- العنكبوت: 14.
90- التوارة, سفر التكوين الإصحاح الخامس, الجملة5, وذكر هناك أعمار آدم, وشيث ونوح وغيرهم.
91- كمال الدين: 555.
92- البرهان على طول عمر الإمام صاحب الزمان, ملحق بـ (كنز الفوائد) له أيضا الجزء الثاني لاحظ في ذكر المعمرين: 114- 155, ط دار الأضواء, بيروت- 1405هـ.
93- بحار الأنوار: 51/ 225- 293.
94- الأنعام: 91.
95- لاحظ مجلة المقتطف, الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسين.
96- الصافات: 143- 144.
97- المهدي: 195.
98- نفس المصدر: 196, 205.
99- نفس المصدر: 198.
100- لاحظ في الوقوف على هذه العلائم: بحار الأنوار: 52/ 181- 308, الباب 25, كتاب المهدي, للسيد صدر الدين الصدر (المتوفى 1373هـ), ومنتخب الأثر للطف الله الصافي: 424- 462.
101- منتخب الأثر: 483.
102- نفس المصدر السابق.

الروابط
المقالات: إمامة الإمام الحسين (عليه السلام) *،
إمامة الإمام الحسن (عليه السلام) *،
أحقية الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة *،
خلافة الإمام علي (عليه السلام) في كتب السنة *
مفاتيح البحث: معرفة الإمام،
الخلافة،
الإمامة،
الشورى،
حديث الغدير،
أهل البيت،
...

الفهرسة