الخطبة ٢١٠: وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر. فقال عليه السلام:
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ٢١٠: وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر. فقال عليه السلام:

 البحث  الرقم: 211  المشاهدات: 5841
قائمة المحتويات ومن كلام له عليه السلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر. فقال عليه السلام:
إنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَعَامّاً وَخَاصّاً، وَ مُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهْماً، وَلَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ عَلَى عَهْدِهِ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:

المنافقون


رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلاَمِ، لاَيَتَأَثَّمُ يخاف الإثم.">(1) وَلاَ يَتَحَرَّجُ (2)، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، وَلَقِفَ عَنْهُ (3)، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَاقفِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ، فَتَقرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ، فَوَلَّوهُمُ الْأَعْمَالَ، وَجَعَلُوهُمْ حُكَّامً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ، فَهذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ.

الخاطئون


وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ (4) فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذلِكَ لَرَفَضَهُ!

أهل الشبهة


وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَىُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لايَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنسُوخَ، وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

الصادقون الحافظون


وَآخَرُ رَابِعٌ، لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ، خَوْفاً للهِ، وَتَعْظيِماً لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ وَلَمْ يَهِمْ يظن خلاف الواقع.">(5)، بَلْ حَفظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ (6)، وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَمُحْكَمَ والمُتَشَابِهَ (7) فَوَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ.
وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلاَمٌ خَاصٌّ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَمَا قُصِدَ بِهِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ الطَّارِىءُ، فَيَسَأَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى يَسْمَعُوا، وَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلاَّ سَأَلْتُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ. فَهذِهِ وَجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلاَفِهِمْ، وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.

الهوامش

1- يتأثّم: يخاف الإثم.
2- يتحرّج: يخشى الوقوع في الحرَج وهو الجُرْم.
3- لَقِفَ: تناول وأخذ عنه.
4- وَهِمَ: غلط وأخطأ.
5- لم يَهِم: لم يخطىء ولم يظن خلاف الواقع.
6- جنّب عنه: أي تجنب.
7- المتشابه من الكلام: هو مالا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. ومُحْكَم الكلام: صريحه الذي لم يُنْسَخ.



الفهرسة