ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الاشعري، جواباً في أمر الحكمين ذكره سعيد بن يحيى الاموي في كتاب المغازي فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ، فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا، وَنَطَقُوا بِالْهَوى، وَإِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْزِلاً مُعْجِباً (1)، اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، وَأَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً (2)أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً (3). وَلَيْسَ رَجُلٌ ـ فَاعْلَمْ ـ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأُلْفَتِهَا مِنِّي، أَبْتَغِي بِذلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ، وَكَرَمَ الْمَآبِ (4)، وَسَأَفِي بِالَّذِي وَأيْتُ (5) عَلَى نَفْسِي، وَإِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَإِنِّي لَأَعْبَدُ باطلاً، فكيف لا آنف أنا من ذلك لنفسي.">(6) أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ، أَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللهُ، فَدَعْ مَا لاَ تَعْرِفُ، فَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاويِلِ السُّوءِ، وَالسَّلاَمُ.
الهوامش
1- مُعْجِباً: أي مُوجباً للتعجّب.
2- القَرْح: في الأصل الجرح، وهو هنا مجاز عن فساد بواطنها.
3- العَلَق ـ بالتحريك ـ: الدم الغليظ الجامد.
4- المَآب: المَرْجِع.
5- وَأيْتُ: وَعَدْتُ وأخذْتُ على نفسي.
6- إني لأعْبَدُ: أي آنَفُ، فهو من عَبِد يَعْبَدُ، كَغَضِب يَغْضَبُ، عَبَداً، وَالمراد: إني لآنف أن يقول غيري قولاً باطلاً، فكيف لا آنف أنا من ذلك لنفسي.