الرسالة ٦٤: كتبه إلى معاوية، جواباً عن كتاب منه
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الكتب » الرسالة ٦٤: كتبه إلى معاوية، جواباً عن كتاب منه

 البحث  الرقم: 306  المشاهدات: 4764
قائمة المحتويات ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى معاوية، جواباً
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَفَرَّقَ بيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَكَفَرْتُمْ، وَالْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَفُتِنْتُمْ، وَمَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلاَّ كَرْهاً مكة بليلة، خوف القتل، وخشية من جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم البالغ عشرة آلاف ونيف.">(1)، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الْإِسْلاَمِ (2) كُلُّهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيَهِ وَآلِهِ، حِزْباً.
وَذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ (3)، وَنَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ الكوفة
والبصرة.">(4)! وَذلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ، فَلاَ عَلَيْكَ، وَلاَ الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ.
وَذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ، فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ (5)، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ! وَإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُوبَنِي أَسَد:
مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُم
بِحَاصِبٍ (6) بَيْنَ أَغْوَارٍ (7) وَجُلْمُودْ (8)

وَعِنْدِيَ السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ (9) بِجَدِّكَ وَخَالِكَ وَأَخِيكَ فِي مَقَام وَاحِدٍ، وَإِنَّكَ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ (10)، الْمُقارِبُ الْعَقْلِ (11)، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ: إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لاَ لَكَ، لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ يضرب لطالب غير حقه.">(12)، وَرَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ (13)، وَطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلاَ فِي مَعْدِنِهِ، فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ!! وَقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَأَخْوَالٍ! حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ، وَتَمَنِّي الْبَاطِلِ، عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ ـ فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ قتلى في مطارحهم.">(14) حَيْثُ عَلِمْتَ، لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً، وَلَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً، بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلاَ مِنْهَا الْوَغَى الحرب.">(15)، وَلَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى (16). وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمانَ، فَادْخُلْ فِيَما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقُوْمَ إِلَيَّ، أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَي، وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ (17) الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ (18)،
وَالسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ.

الهوامش

1- كَرْهاً: أي من غير رغبة، فإن أباسفيان إنما أسلم قبل فتح مكة بليلة، خوف القتل، وخشية من جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم البالغ عشرة آلاف ونيف.
2- أنْفُ الاسلام: كناية عن أشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح.
3- شَرّدَ به: طرده وفرق أمره.
4- المِصْرَانِ: الكوفة والبصرة.
5- فاسْتَرْفِهْ: فعل أمر، أي استحِ ولا تستعْجلْ.
6- الحاصِب: ريح تحمل التراب والحصى.
7- الاغْوَار: جمع غَوْر بالفتح، وهو الغبار.
8- الجُلْمُود ـ بالضم ـ: الصخر.
9- أَعْضَضْتُه به: جعلته يَعَضّه، والباء زائدة.
10- أَغْلَف القلب: الذي لا يدرك، كأن قلبه في غلاف لا تنفذ اليه المعاني.
11- مُقَارِب العقل: ناقصه ضعيفه، كأنه يكاد يكون عاقلاً وليس به عقل.
12- الضَالّة: ما فقدته من مال ونحوه، ونشد الضالة: طلبها ليردها، مثل يضرب لطالب غير حقه.
13- السَائِمَة: الماشية من الحيوان.
14- صُرِعُوا مَصَارعَهُمْ: سقطوا قتلى في مطارحهم.
15- الوَغَى: الحرب.
16- لم تُمَاشِها الهُوَيْنى: أي لم ترافقها المُسَاهَلَة.
17- الخُدْعَة ـ مثلّثة الخاء ـ: ما تصرف به الصبي عن اللبن وطلبه أول فطامه، ما تصرف به عدوّك عن قصدك به في الحروب ونحوها.
18- الفِصَال: الفِطَام.



الفهرسة