وفي (عيون الأخبار) عن أبيه، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد جميعا، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عبدالله المسمعي، عن أحمد بن الحسن الميثمي، أنه سأل الرضا (عليه السلام) يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشيء الواحد، فقال (عليه السلام): إن الله حرم حراما، وأحل حلالا، وفرض فرائض، فما جاء في تحليل ما حرم الله، أو في تحريم ما أحل الله، أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك، فذلك ما لا يسع الأخذ به، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليحرم ما أحل الله، ولا ليحلل ما حرّم الله، ولا ليغير فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله، وذلك قول الله: (ان أتبع إلا ما يوحى إليّ) (1) فكان (عليه السلام) متبعا لله، مؤديا عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة، قلت: فانه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما ليس في الكتاب، وهو في السنة، ثم يرد خلافه، فقال: كذلك قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشياء، نهى حرام فوافق في ذلك نهيه نهى الله، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض الله، فوافق في ذلك أمره أمر الله، فما جاء في النهي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)نهي حرام، ثم جاء خلافه لم يسغ استعمال ذلك، وكذلك فيما أمر به، لانا لا نرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا لعلة خوف ضرورة، فأما أن نستحل ما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو نحرِّم ما استحل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا يكون ذلك أبدا، لأنا تابعون لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، مسلمون له، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تابعا لأمر ربه، مسلما له، وقال الله عزّ وجلّ: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2) وإن الله نهى عن أشياء، ليس نهي حرام، بل إعافة وكراهة، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين، ثم رخص في ذلك للمعلول وغير المعلول، فما كان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)نهي إعافة، أو أمر فضل، فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه، إذا ورد عليكم عنا الخبر فيه باتفاق، يرويه من يرويه في النهي، ولا ينكره، وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما، يجب الأخذ بأحدهما، أو بهما جميعاً، أو بأيهما شئت وأحببت، موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، والرد إليه وإلينا، وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التسليم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مشركا بالله العظيم، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب الله موجودا حلالاً، أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب، فاعرضوه على سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام، ومأمورا به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهيرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمره، وما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة، ثم كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكرهه، ولم يحرِّمه، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا، وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه، فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم، وعليكم بالكف والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون، حتى يأتيكم البيان من عندنا.