بيان
قصة أخرى من قصص بني إسرائيل و هي نبأ بلعم بن باعوراء أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتلوه عليهم يتبين به أن مجرد الاتصال بالأسباب الظاهرية العادية لا يكفي في فلاح الإنسان و تحتم السعادة له ما لم يشأ الله ذلك، و أن الله لا يشاء ذلك لمن أخلد إلى الأرض و اتبع هواه فإن مصيره إلى النار ثم يذكر آية ذلك فيهم و هي أنهم لا يستعملون قلوبهم و أبصارهم و آذانهم فيما ينفعهم، و الآية الجامعة أنهم غافلون.
قوله تعالى: «و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها» إلى آخر الآية معنى إيتاء الآيات على ما يعطيه السياق التلبس من الآيات الأنفسية و الكرامات الخاصة الباطنية بما يتنور به طريق معرفة الله له، و ينكشف له ما لا يبقى له معه ريب في الحق و الانسلاخ خروج الشيء و انتزاعه من جلده، و هو كناية استعارية عن أن الآيات كانت لزمتها لزوم الجلد فخرج منها الخبث في ذاته، و الإتباع كالتبع و الإتباع التعقيب و اقتفاء و الأثر يقال: تبع و أتبع و اتبع، و الكل بمعنى واحد، و الغي و الغواية هي الضلال كأنه خروج من الطريق للقصور عن حفظ المقصد الذي يوصل إليه الطريق ففيه نسيان المقصد و الغاية، فالمتحير في أمره و هو في الطريق غوي، و الخارج عن الطريق و هو ذاكر لمقصده ضال، و هو الأنسب لمورد الآية فإن صاحب النبإ بعد ما انسلخ عن آيات الله و أتبعه الشيطان غاب عنه سبيل الرشد فلم يتمكن من إنجاء نفسه عن ورطة الهلاك، و ربما استعمل كل من الغواية و الضلالة في معنى واحد.
و هو الخروج عن الطريق الموصل إلى الغاية.
و قد اختلف المفسرون في تعيين من هو صاحب النبإ في هذه الآية على أقوال مختلفة سنشير إلى جلها أو كلها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
و الآية - كما ترى - أبهمت اسمه و اقتصرت على الإشارة إلى إجمال قصته لكنها مع ذلك ظاهرة في أنه نبأ واقع لا مجرد تمثيل فلا وقع لقول من قال: إنها مجرد تمثيل من غير نبإ واقع.
و المعنى: «و اتل عليهم» أي على بني إسرائيل أو على الناس خبرا عن أمر عظيم و هو «نبأ» الرجل «الذي آتيناه آياتنا» و كشفنا لباطنه عن علائم و آثار إلهية عظام يتنور له بها حق الأمر «فانسلخ منها» و رفضها بعد لزومها «فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين» فلم يقو على إنجاء نفسه من الهلاك.
قوله تعالى: «و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه» الآية الإخلاد اللزوم على الدوام، و الإخلاد إلى الأرض اللصوق بها و هو كناية عن الميل إلى التمتع بالملاذ الدنيوية و التزامها، و اللهث من الكلب أن يدلع لسانه من العطش.
فقوله: «و لو شئنا لرفعناه بها» أي لو شئنا لرفعناه بتلك الآيات و قربناه إلينا لأن في القرب إلى الله ارتفاعا عن حضيض هذه الدنيا التي هي بما لها من اشتغال الإنسان بنفسها عن الله و آياته أسفل سافلين، و رفعه بتلك الآيات بما أنها أسباب إلهية ظاهرية تفيد اهتداء من تلبس بها لكنها لا تحتم السعادة للإنسان لأن تمام تأثيرها في ذلك منوط بمشيئة الله، و الله سبحانه لا يشاء ذلك لمن أعرض عنه و أقبل إلى غيرها.
و هي الحياة الأرضية اللاهية عن الله و دار كرامته فإن الإعراض عن الله سبحانه و تكذيب آياته ظلم، و قد حق القول منه سبحانه أنه لا يهدي القوم الظالمين، و أن الذين كفروا و كذبوا بآياته أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
و لذلك عقب تعالى قوله: «و لو شئنا لرفعناه بها» بقوله: «لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه» فالتقدير: لكنا لم نشأ ذلك لأنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه و كان ذلك موردا لإضلالنا لا لهدايتنا كما قال تعالى: «و يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء»: إبراهيم: 27.
و قوله: «فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» أي إنه ذو هذه السجية لا يتركها سواء زجرته و منعته أو تركته و «تحمل» من الحملة لا من الحمل «ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا» فالتكذيب منهم سجية و هيئة نفسانية خبيثة لازمة فلا تزال آياتنا تتكرر على حواسهم و يتكرر التكذيب بها منهم «فاقصص القصص» و هو مصدر أي اقصص قصصا أو اسم مصدر أي اقصص القصة «لعلهم يتفكرون» فينقادوا للحق و ينتزعوا عن الباطل.
قوله تعالى: «ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا و أنفسهم كانوا يظلمون» ذم لهم من حيث وصفهم، و إعلام لهم أنهم لا يضرون شيئا في تكذيب آياته بل ذلك ظلم منهم لأنفسهم إذ يستضر بذلك غيرهم.
قوله تعالى: «من يهد الله فهو المهتدي و من يضلل فأولئك هم الخاسرون» اللام في «المهتدي» و «الخاسرون» يفيد الكمال دون الحصر ظاهرا، و مفاد الآية أن مجرد الاهتداء إلى شيء لا ينفع شيئا و لا يؤثر أثر الاهتداء إلا إذا كانت معه هداية الله سبحانه فهي التي يكمل بها الاهتداء، و تتحتم معها السعادة، و كذلك مجرد الضلال لا يضر ضررا قطعيا إلا بانضمام إضلال الله سبحانه إليه فعند ذلك يتم أثره، و يتحتم الخسران.
فمجرد اتصال الأنسال بأسباب السعادة كظاهر الإيمان و التقوى و تلبسه بذلك لا يورده مورد النجاة، و كذلك اتصاله و تلبسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك و الخسران إلا أن يشاء الله ذلك فيهدي بمشيئته من هدى، و يضل بها من أضل فيئول المعنى إلى أن الهداية إنما تكون هداية حقيقية تترتب عليها آثارها إذا كانت لله فيها مشية، و إلا فهي صورة هداية و ليست بها حقيقة، و كذلك الأمر في الإضلال، و إن شئت فقل: إن الكلام يدل على حصر الهداية الحقيقية في الله سبحانه و كذلك الإضلال و لا يضل به إلا الفاسقين.
قوله تعالى: «و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس» إلى آخر الآية.
الذرء هو الخلق، و قد عرف الله سبحانه جهنم غاية لخلق كثير من الجن و الإنس، و لا ينافي ذلك ما عرف في موضع آخر أن الغاية لخلق الخلق هي الرحمة و هي الجنة في الآخرة كقوله تعالى: «إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم»: هود: 119 فإن الغرض يختلف معناه بحسب كمال الفعل و نهاية الفعل التي ينتهي إليها.
بيان ذلك أن النجار إذا أراد أن يصنع بابا عمد إلى أخشاب يهيئها له ثم هندسه فيها ثم شرع في النشر و النحت و الخرط حتى أتم الباب فكمال غرضه من إيقاع الفعل على تلك الخشبات هو حصول الباب لا غير، هذا من جهة و من جهة أخرى هو يعلم من أول الأمر أن جميع أجزاء تلك الخشبات ليست تصلح لأن تكون أجزاء للباب فإن للباب هيئة خاصة لا تجامع هيئة الخشبات، و لا بد في تغيير هيئتها من ضيعة بعض الأجزاء لخروجها عن هندسة العمل فصيرورة هذه الأبعاض فضلة يرمى بها داخلة في قصد الصانع مرادة له بإرادة تسمى قصدا ضروريا فللنجار في صنع الباب بالنسبة إلى الأخشاب التي بين يديه نوعان من الغاية: أحدهما الغاية الكمالية و هي أن يصنع منها بابا، و الثاني الغاية التابعة و هي أن يصنع بعضها بابا و يجعل بعضها فضلة لا ينتفع بها و ضيعة يرمى بها، و ذلك لعدم استعدادها لتلبس صورة الباب.
و كذا الزارع يزرع أرضا ليحصد قمحا فلا يخلص لذلك إلى يوم الحصاد إلا بعض ما صرفه من البذر، و يذهب غيره سدى يضيع في الأرض أو تفسده الهوام أو يخصفه المواشي و الجميع مقصودة للزراع من وجه، و المحصول من القمح مقصود من وجه آخر.
و قد تعلقت المشية الإلهية أن يخلق من الأرض إنسانا سويا يعبده و يدخل بذلك في رحمته، و اختلاف الاستعدادات المكتسبة من الحياة الدنيوية على ما لها من مختلف التأثيرات لا يدع كل فرد من أفراد هذا النوع أن يجري في مجراه الحقيقي و يسلك سبيل النجاة إلا من وفق له، و عند ذلك تختلف الغايات و صح أن لله سبحانه غاية في خلقة الإنسان مثلا و هو أن يشملهم برحمته و يدخلهم جنته، و صح أن لله غاية في أهل الخسران و الشقاوة من هذا النوع و هو أن يدخلهم النار و قد كان خلقهم للجنة غير أن الغاية الأولى غاية أصلية كمالية، و الغاية الثانية غاية تبعية ضرورية، و القضاء الإلهي المتعلق بسعادة من سعد و شقاوة من شقى ناظر إلى هذا النوع الثاني من الغاية فإنه تعالى يعلم ما يئول إليه حال الخلق من سعادة أو شقاء فهو مريد لذلك بإرادة تبعية لا أصلية.
و على هذا النوع من الغاية ينزل قوله تعالى: «و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس» و ما في هذا المساق من الآيات الكريمة و هي كثيرة.
و قوله: «لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها» إشارة إلى بطلان استعدادهم للوقوع في مجرى الرحمة الإلهية، و الوقوف في مهب النفحات الربانية، فلا ينفعهم ما يشاهدونه من آيات الله، و ما يسمعونه من مواعظ أهل الحق، و ما تلقنه لهم فطرتهم من الحجة و البينة.
و لا يفسد عقل و لا عين و لا أذن في عمله و قد خلقها الله لذلك، و قد قال: «لا تبديل لخلق الله»: الروم: 30 إلا أن يكون الذي يغيره هو الله سبحانه فيكون من جملة الخلق لكنه سبحانه لا يغير ما أنعمه على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، قال تعالى «ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»: الأنفال: 53.
فالذي أبطل ما عندهم من الاستعداد، و أفسد أعمال قلوبهم و أعينهم و آذانهم هو الله سبحانه فعل بهم ما فعل جزاء بما كسبوا نكالا فهم غيروا نعمة الله بتغيير طريق العبودية فجازاهم الله بالطبع على قلوبهم فلا يفقهون بها، و جعل الغشاوة على أبصارهم فلا يبصرون بها، و الوقر على آذانهم فلا يسمعون بها فهذه آية أنهم مسيرون إلى النار.
و قوله: «أولئك كالأنعام بل هم أضل» نتيجة ما تقدم، و بيان لحالهم فإنهم فقدوا ما يتميز به الإنسان من سائر الحيوان، و هو تمييز الخير و الشر و النافع و الضار بالنسبة إلى الحياة الإنسانية السعيدة من طريق السمع و البصر و الفؤاد.
و إنما شبهوا من بين الحيوان العجم بالأنعام مع أن فيهم خصال السباع الضارية و خصائصها كخصال الأنعام الراعية، لأن التمتع بالأكل و السفاد أقدم و أسبق بالنسبة إلى الطبع الحيواني فجلب النفع أقدم من دفع الضر، و ما في الإنسان من القوى الدافعة الغضبية مقصودة لأجل ما فيه من القوى الجاذبة الشهوية، و غرض النوع بحسب حياته الحيوانية يتعلق أولا بالتغذي و التوليد، و يتحفظ على ذلك بإعمال القوى الدافعة فالآية تجري مجرى قوله تعالى: «و الذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما يأكل الأنعام و النار مثوى لهم»: سورة محمد: 12.
و أما كونهم أكثر أو أشد ضلالا من الأنعام، و لازمه ثبوت ضلال ما في الأنعام فلأن الضلال في الأنعام نسبي غير حقيقي فإنها مهتدية بحسب ما لها من القوى المركبة الباعثة لها إلى قصر الهمة في الأكل و التمتع غير ضالة فيما هيئت لها من سعادة الحياة و لا مستحقة للذم فيما أخذت إليه، و إنما تعد ضالة بقياسها إلى السعادة الإنسانية التي ليست لها و لا جهزت بما تتوسل به إليها.
و أما هؤلاء المطبوع على قلوبهم و أعينهم و آذانهم فالسعادة سعادتهم و هم مجهزون بما يوصلهم إليها و يدلهم عليها من السمع و البصر و الفؤاد لكنهم أفسدوها و ضيعوا أعمالها.
و نزلوها منزلة السمع و البصر و القلب التي في الأنعام، و استعملوها فيما تستعملها فيه الأنعام و هو التمتع من لذائذ البطن و الفرج فهم أكثر أو أشد ضلالا من الأنعام، و إليهم يعود الذم.
و قوله: «أولئك هم الغافلون» نتيجة و بيان حال أخرى لهم و هو أن حقيقة الغفلة هي التي توجد عندهم فإنها بمشية الله سبحانه، ألبسها إياهم بالطبع الذي طبع به على قلوبهم و أعينهم و آذانهم و الغفلة مادة كل ضلال و باطل.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا» الآية: قال: حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، و كان يدعو به فيستجيب له فمال إلى فرعون فلما مر فرعون في طلب موسى و أصحابه قال فرعون لبلعم: ادع الله على موسى و أصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى فامتنعت عليه حمارته فأقبل يضربها فأنطقها الله عز و جل فقالت ويلك على ما ذا تضربني؟ أ تريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله و قوم مؤمنين؟ و لم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ الاسم من لسانه، و هو قوله: «فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، و لو شئنا لرفعناه بها - و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه - فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» و هو مثل ضربه الله. أقول: قوله (عليه السلام): «و هو مثل ضربه الله» الظاهر أنه يشير إلى نبإ بلعم، و سيجيء الكلام في معنى الاسم الأعظم في الكلام على الأسماء الحسنى إن شاء الله.
و في الدر المنثور، أخرج الفرياني و عبد الرزاق و عبد بن حميد و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و الطبراني و ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود في قوله: «و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها» قال هو رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن أبر. و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و أبو الشيخ و ابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال: هو بلعم بن باعوراء و في لفظ: بلعام بن عامر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل. أقول: و قد روي كون اسمه بلعم و كونه من بني إسرائيل عن غير ابن عباس و روي عنه غير ذلك.
و في روح المعاني،: عند ذكر القول بأن الآية نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر: أنه كان قرأ الكتب القديمة و علم أن الله تعالى يرسل رسولا، فرجا أن يكون هو ذلك الرسول فاتفق أن خرج إلى البحرين و تنبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقام هناك ثماني سنين ثم قدم فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جماعة من أصحابه فدعاه إلى الإسلام، و قرأ عليه سورة يس حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: حتى أنظر في أمره. فخرج إلى الشام و قدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم فلما أخبر بها ترك الإسلام و قال: لو كان نبيا ما قتل ذوي قرابته فذهب إلى الطائف و مات به. فأتت أخته الفارعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألها عن وفاته فذكرت له أنه أنشد عند موته. كل عيش و إن تطاول دهرا. صائر مرة إلى أن يزولا. ليتني كنت قبل ما قد بدا لي. في قلال الجبال أرعى الوعولا. إن يوم الحساب يوم عظيم. شاب فيه الصغير يوما ثقيلا. ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لها أنشديني من شعر أخيك فأنشدت: لك الحمد و النعماء و الفضل ربنا. و لا شيء أعلى منك جدا و أمجد. مليك على عرش السماء مهيمن. لعزته تعنو الوجوه و تسجد. من قصيدة طويلة أتت على آخرها. ثم أنشدته قصيدته التي يقول فيها: وقف الناس للحساب جميعا. فشقي معذب و سعيد. و التي فيها: عند ذي العرش يعرضون عليه. يعلم الجهر و السرار الخفيا. يوم يأتي الرحمن و هو رحيم. إنه كان وعده مأتيا. رب إن تعف فالمعافاة ظني. أو تعاقب فلم تعاقب بريا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن أخاك آمن شعره، و كفر قلبه و أنزل الله تعالى الآية. أقول: و القصة مجموعة من عدة روايات، و قد ذكر في المجمع، إجمال القصة و ذكر أن نزول الآية فيه مروي عن عبد الله بن عمر و سعيد بن المسيب و زيد بن أسلم و أبي روق، و الظاهر أن الآيات مكية نزلت بنزول السورة بمكة، و ما ذكروه من باب التطبيق.
و في المجمع،: و قيل: إنه أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب الذي سماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «الفاسق» و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسموح فقدم المدينة فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هذا الذي جئت به؟ قال: جئت بالحنيفية دين إبراهيم قال: فأنا عليها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لست عليها، و لكنك أدخلت فيها ما ليس منها فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا وحيدا طريدا. فخرج إلى أهل الشام، و أرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح ثم أتى قيصر و أتى بجند ليخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة فمات بالشام وحيدا طريدا. عن سعيد بن المسيب. أقول: و إشكال كون السورة مكية في محله، و قد روي في ذلك قصص لا جدوى في استقصائها.
و فيه، قال أبو جعفر (عليه السلام): الأصل في ذلك بلعم ثم ضربه الله مثلا لكل مؤثر هواه على هدى الله من أهل القبلة. و في تفسير القمي،: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: «لهم قلوب لا يفقهون بها» يقول: طبع الله عليها فلا تعقل «و لهم أعين» عليها غطاء عن الهدى «لا يبصرون بها - و لهم آذان لا يسمعون بها» أي جعل في آذانهم وقرا فلن يسمعوا الهدى. و في الدر المنثور، أخرج البيهقي في الأسماء و الصفات عن عبد الله بن عمر بن العاصي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء اهتدى. و من أخطأ ضل. و فيه، أخرج الحكيم الترمذي و ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان و أبو يعلى و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات و عقارب و خشاش الأرض، و صنف كالريح في الهواء، و صنف عليهم الحساب و العقاب، و خلق الله الإنس ثلاثة أصناف: صنف كالبهائم قال الله: «لهم قلوب لا يفقهون بها، و لهم أعين لا يبصرون بها - و لهم آذان لا يسمعون بها - أولئك كالأنعام بل هم أضل» و جنس أجسادهم أجساد بني آدم و أرواحهم أرواح الشياطين، و صنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله. أقول: و سيأتي الكلام في الجن و الشياطين من الإنس في مقام يناسبه إن شاء الله تعالى.
|