بيان
قوله تعالى: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية «إلخ» تثبيت و تأكيد و اشتمل عليه قوله تعالى: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم، الآية من الوعيد بأخذ المخالفين أخذ عزيز مقتدر.
يقول: هذه بنو إسرائيل في مرءاكم و منظركم و هي الأمة التي آتاهم الله الكتاب و الحكم و النبوة و الملك، و رزقهم من الطيبات، و فضلهم على العالمين، سلهم كم آتيناهم من آية بينة؟ و انظر في أمرهم من أين بدءوا و إلى أين كان مصيرهم؟ حرفوا الكلم عن مواضعه، و وضعوا في قبال الله و كتابه و آياته أمورا من عند أنفسهم بغيا بعد العلم، فعاقبهم الله أشد العقاب بما حل فيهم من اتخاذ الأنداد، و الاختلاف و تشتت الآراء، و أكل بعضهم بعضا، و ذهاب السؤدد، و فناء السعادة، و عذاب الذلة و المسكنة في الدنيا، و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون.
و هذه هي السنة الجارية من الله سبحانه: من يبدل نعمة و أخرجها إلى غير مجراها فإن الله يعاقبه، و الله شديد العقاب، و على هذا فقوله: و من يبدل نعمة الله إلى قوله العقاب من قبيل وضع الكلي موضع الجزئي للدلالة على الحكم، سنة جارية.
قوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا، في موضع التعليل لما مر، و أن الملاك في ذلك تزين الحياة الدنيا لهم فإنها إذا زينت لإنسان دعته إلى هوى النفس و شهواتها، و أنست كل حق و حقيقة، فلا يريد الإنسان إلا نيلها: من جاه و مقام و مال و زينة، فلا يلبث دون أن يستخدم كل شيء لأجلها و في سبيلها، و من ذلك الدين فيأخذ الدين وسيلة يتوسل بها إلى التميزات و التعينات، فينقلب الدين إلى تميز الزعماء و الرؤساء و ما يلائم سوددهم و رئاستهم، و تقرب التبعة و المقلدة المرءوسين و ما يجلب به تمايل رؤسائهم و ساداتهم كما نشاهده في أمتنا اليوم، و كنا شاهدناه في بني إسرائيل من قبل، و ظاهر الكفر في القرآن هو الستر أعم من أن يكون كفرا اصطلاحيا أو كفرا مطلقا في مقابل الإيمان المطلق فتزين الحياة الدنيا لا يختص بالكفار اصطلاحا بل كل من ستر حقيقة من الحقائق الدينية، و غير نعمة دينية فهو كافر زينت له الحياة الدنيا فليتهيأ لشديد العقاب.
قوله تعالى: و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة إلخ، تبديل الإيمان بالتقوى في هذه الجملة لكون الإيمان لا ينفع وحده لو لا العمل.
|