الخطبة ١٠٥: في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١٠٥: في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس

 البحث  الرقم: 106  المشاهدات: 5488
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس

الرسول الكريم


حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، شَهِيداً، وَبَشِيراً، وَنَذِيراً، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً، وَأَنْجَبَهَا كَهْلاً، أَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً (1)، وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً (2).

بنو أمية


فَمَا احْلَوْلَتْ الدُّنْيَا لَكُمْ فِي لَذَّتِهَا، وَلاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا (3) إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا (4)، قَلِقاً وَضِينُهَا (5)، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الْمَخْضُودِ (6)، وَحَلاَلُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَصَادَفْتُمُوهَا، وَاللهِ، ظِلاًّ مَمْدُوداً إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ، فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ (7)، وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ، وَأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ، وَسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مَسَلَّطَةٌ، وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ.
أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ دَم ثَائِراً، وَلَكُلِّ حَقٍّ طَالِباً، وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ.
فَأُقْسِمُ بِاللهِ، يَا بَنِي أُمَيَّةَ، عَمَّا قَلِيلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ!
أَلاَ إِنَّ أبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُهُ!
أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَقَبِلَهُ!

وعظ الناس


أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ، وَامْتَاحُوا (8) مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ (9) مِنَ الْكَدَرِ.
عِبَادَ اللهِ، لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلاَ تَنْقَادُوا لِأَهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ النَّازِلَ بِهذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ (10)، يَنْقُلُ الرَّدَى الهلاك
.">(11) عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضَعٍ، لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ، يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَا لاَ يَتَقَارَبُ!
فَاللهَ اللهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لاَ يُشْكِي (12) شَجْوَكُمْ (13)، وَلاَ يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ.
إِنَّهُ لَيسَ عَلَى الْأَمَامِ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ: الْإِبْلاَغُ فَي الْمَوْعِظَةِ، وَالْإِجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالْإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإِصْدَارُ السُّهْمَانِ (14) عَلَى أَهْلِهَا.
فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ (15) نَبْتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بَأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ (16) الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، وَانْهَوْا عَنْ المُنْكَرِ وَتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بالنَّهْي بَعْدَ التَّنَاهِي!

الهوامش

1- الشِّيمة: الخُلُق.
2- الدّيمة ـ بكسر الدال ـ: المطر، يدوم في سكون. والمُسْتَمْطَر ـ بفتح الطاء ـ: مَن يُطْلَبُ منه المطر.
3- الأخْلاف ـ جمع خِلْف بكسر الخاء وسكون اللام ـ: حَلمة ضَرْع الناقة.
4- الخِطام ـ ككتاب ـ: ما يوضع في أنف البعير لِيُقَادَ به.
5- الوَضَين: بِطانٌ عريض منسوج من سُيور أوشَعَر يكون للرحل كالحزام للسّرْج.
6- السِّدْر ـ بالكسر ـ: شجر النّبق. والمَخْضود: المقطوع شوْكُهُ.
7- شَاغرة: خالية.
8- امتاحوا: استَقُوا وانزِعوا الماء لريّ عطشكم من عين صافية صَفَتْ من الكَدَر.
9- رُوِّقَتْ: صُفِّيَتْ.
10- (شفا جُرُف هار): شفا الشيء حَرْفُهُ. والجُرُف ـ بضمتين ـ: ما تجرفه السيول. والهاري ـ كالهائر ـ: المتهدم أوالمُشرِف على الإنهدام.
11- الرّدَى: الهلاك.
12- يُشْكي: من أشْكاه إذا أزال شكواه.
13- الشّجْو: الحاجة.
14- السُهْمَانُ ـ بضم السين ـ: جمع سهم بمعنى الحظ والنصيب. وإصدار السُهْمانِ إعادتها إلى أهلها المستحقين لها لا ينقصهم منها شيء.
15- التّصْوِيح: التجفيف. وأصله: صَوّحَ النّبْتُ: إذا جَفّ أعلاه.
16- مُسْتَثَار: اسم مفعول بمعنى المصدر. والاستثارة طلب الثّوَر وهو السّطوع والظهور.



الفهرسة