الخطبة ١٩٥: يحمدالله ويثني على نبيّه ويعظ
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١٩٥: يحمدالله ويثني على نبيّه ويعظ

 البحث  الرقم: 196  المشاهدات: 6464
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام يحمدالله ويثني على نبيّه ويعظ

حمدالله


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ، وَجَلاَلِ كِبْرِيَائِهِ، مَا حَيَّرَ مُقَلَ (1) الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدرَتِهِ، وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ (2) النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ.

الشهادتان


وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ، وَإِخْلاَصٍ وَإِذْعَانٍ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ وَأَعْلاَمُ الْهُدَى دَارِسَةٌ، وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ (3)، فَصَدَعَ الباطل بصدمة الحق.">(4) بِالْحَقِّ، وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ، وَهَدَى إِلَى الرُّشْدِ، وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ (5)، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

العظة


وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ، أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلاً، عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، وَأَحَصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ، فَاسْتَفْتِحُوهُ (6) وَاسْتَنْجِحُوهُ (7)، وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ (8)، فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ، وَلاَ أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ، وَإِنْهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ حِيٍن وَأَوَانٍ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَانٍّ، لاَ يَثْلِمُهُ (9) الْعَطَاءُ، وَلاَ يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ (10)، وَلاَ يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ، وَلاَ يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ، وَلاَ يَلْوِيهِ (11) شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ، وَلاَ يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ، وَلاَ تَحْجُزُهُ هِبَهٌ عَنْ سَلْبٍ، وَلاَ يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَةٍ، وَلاَ تُوَلِّهُهُ (12) رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ، وَلاَ يُجِنُّهُ (13) الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ، وَلاَ يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ.
قَرُبَ فَنأَى، وَعَلاَ فَدَنَا، وَظَهَرَ فَبَطَنَ، وَبَطَنَ فَعَلَنَ، وَدَانَ (14) وَلَمْ يُدَنْ، لَمْ يَذْرَإِ (15) الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ (16)، وَلاَ اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلاَلٍ (17).
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا الزِّمَامُ (18) وَالْقِوَامُ (19)، فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا، وَاعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا، تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ (20) الدَعَةِ وَسَعته
.">(21)، وَأَوْطَانِ السَّعَةِ، وَمَعَاقِلِ (22) الْحِرْزِ (23)، وَمَنَازِلِ الْعِزِّ فِي (يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)، وَتُظْلِمُ لَهُ الْأَقْطَارُ، وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ (24) الْعِشَارِ يوم القيامة تهمل فيه نفائس الأموال لاشتغال كل شخص بنجاة نفسه.">(25)، وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ، وَتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ، وَتَذِلُّ الشُّمُّ (26) الشَّوَامِخُ (27)، وَالصُّمُّ (28) الرَّوَاسِخُ (29)، فَيَصِيرُ صَلْدُهَا (30) سَرَاباً (31) رَقْرَقاً (32)، وَمَعْهَدُهَا (33) قَاعاً (34) سَمْلَقاً (35)، فَلاَ شَفِيعٌ يَشَفَعُ، وَلاَ حَمِيمٌ يَنْفَعُ، وَلاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ.

الهوامش

1- المُقَل ـ بضم ففتح ـ: جمع مُقْلة، وهي شحمة العين التي تجمع البياض والسواد.
2- هَمَاهِمُ النفوس: همومها في طلب العلم.
3- طامسة: من طَمَسَ ـ بفتحات ـ أي انمحى واندرس.
4- صدع: أي جهر، وأصلها شق بناء الباطل بصدمة الحق.
5- القصد: الاعتدال في كل شيء.
6- استفتحوه: اسألوه الفتح على أعدائكم.
7- استنجحوه: اسألوه النجاح في أعمالكم.
8- استمنحوه: التمسوا منه العطاء.
9- ثَلَمَ السيفَ: كسر جانبه، مجاز عن عدم انتقاص خزائنه بالعطاء.
10- الحِباء ـ ككتاب ـ: العطية لا مكافأة. واستنفده: جعله نافد المال لا شيء عنده. واستقصاه: أتى على آخر ما عنده.
11- لايَلْوِيه: لايُميله.
12- تُولِّههُ: تُذْهله.
13- يُجِنّه: يستره.
14- دانَ: جازى وحاسَبَ ولم يحاسبه أحد.
15- ذَرَأ: خَلَقَ.
16- الاحتيال: التفكر في العمل وطلب التمكن من إبرازه ولا يكون إلا من العجز.
17- الكَلال: الملل من التعب.
18- الزِمام: المِقْود.
19- قَوَام ـ بالفتح ـ: أي عيش يحيا به الأبرار.
20- الأكْنَان: جمع كنّ ـ بالكسر ـ ما يستكن به.
21- الدَعَة: خَفَضُ العيش وَسَعته.
22- المعاقل: الحصون.
23- الحِرْز: الحفظ.
24- الصُرُوم ـ جمع صِرْمة بالكسر ـ: وهي قطعة من الإبل فوق العشرة إلى تسعة عشر أو فوق العشرين إلى الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين.
25- العِشار: جمع عُشَراء ـ بضم ففتح كنُفَساء ـ وهي الناقة، مضى لحملها عشرة أشهر. وتعطيل جماعات الإبل: إهمالها من الرَعْي. والمراد أن يوم القيامة تهمل فيه نفائس الأموال لاشتغال كل شخص بنجاة نفسه.
26- الشُمّ ـ جمع أشَمّ ـ أي: رفيع.
27- الشامخ: المتسامي في الارتفاع.
28- الصُمّ ـ جمع أصَمّ ـ: وهو الصُلْب المُصْمَت، أي: الذي لا تجويف فيه.
29- الراسخ: الثابت.
30- الصَلْد: الصُلْب الأملس.
31- السَراب: ما يخيله ضوء الشمس كالماء خصوصاً في الأراضي السَبِخة وليس بماء.
32- الرَقْرَق ـ كجعفر ـ: المضطرب.
33- معهدها: المحل الذي كان يعهد وجودها فيه.
34- القاع: ما اطمأن من الأرض.
35- السَمْلَق ـ كجعفر ـ: الصَفْصَف المستوي، أي تُنْسَف تلك الجبال ويصير مكانها قاعاً صفصفاً: أي مستوياً.



الفهرسة