الخطبة ٢١٤: يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ٢١٤: يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى

 البحث  الرقم: 215  المشاهدات: 4829
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى
وَأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ، وَحَكَمٌ فَصَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَيِّدُ عِبَادِهِ، كُلَّمَا نَسَخَ اللهُ الْخَلْقَ (1) فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ (2)، وَلاَ ضَرَبَ فِيهِ ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.">(3) فَاجِرٌ.
أَلاَ وإِنَّ اللهَ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً، وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ، وَلِلطَّاعَةِ عِصَماً (4). وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اللهِ يَقُولُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَيُثَبِّتُ الْأَفْئِدَةَ، فِيهِ كِفَاءٌ (5) لِمُكْتَفٍ، وَشِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ.

صفة العلماء
وَاعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ (6) عِلْمَهُ، يَصُونُونَ مَصُونَهُ، وَيُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ، يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ (7)، وَيَتَلاَقَوْنَ بالْمَحَبَّةِ، وَيَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ (8)، وَيَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ (9)، لاَ تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ (10)، وَلاَ تُسْرِعُ فِيهِمْ الْغِيبَةُ.
عَلَى ذلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ (11)، فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ، وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ، فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى (12)، فَيُوْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى، قَد مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ، وَهذَّبَهُ (13) التَّمْحِيصُ (14).

العظة بالتقوى


فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً الكرامة ـ هنا ـ: النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجراً إلا قبولها.">(15) بِقَبُولِهَا، وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً الموت أو القيامة تأتي بغتةً.">(16) قَبْلَ حُلُولِهَا، وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ، فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً، فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ (17)، وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ (18).
فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ، أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ، وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ، وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ، وَطَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ، وَبَادَرَ الْهُدى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ، وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ، وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ (19)، فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ.

الهوامش

1- نَسَخَ الخلق: نَقَلَهم بالتناسل عن أصولهم، فجعلهم بعد الوحدة في الأصول فِرَقاً.
2- العاهر: من يأتي غير حِلّه كالفاجر.
3- ضرب في الشيء: صار له نصيب منه.
4- العِصَم ـ بكسر ففتح ـ: جمع عصمة وهي ما يعتصم به، وعِصَم الطاعات: الإخلاص لله وحده.
5- الكِفاء ـ بالكسر ـ: الكافي أو الكِفاية.
6- المستحفَظين ـ بصيغة اسم المفعول ـ: الذين أُودعوا العلم ليحفظوه.
7- الوِلاية: الموالاة والمصافاة.
8- الرّوية ـ فعيلة بمعنى فاعلة ـ: أي يروي شرابها من ظمأ التباعد والنُفْرة.
9- رِيّة ـ بكسر الراء وتشديد الياء ـ: الواحدة من الرِيّ: زوال العطش.
10- الرِيبة: الشك في العقائد.
11- عقد خلقهم: أي وصل خلقهم الجسماني وأخلاقهم النفسية بهذه الصفات، وأحكم صلتهما بها حتى كأنهما معقودان بها.
12- «كتفاضل البَذْرِ يُنْتَقَى»: أي كانوا إذا نسبتهم إلى سائر الناس رأيتهم يفضلونهم ويمتازون عليهم كتفاضل البذر، فان البذر يعتنى بتنقيته ليخلص النبات من الزوان، ويكون النوع صافياً لايخالطه غيره، وبعد التنقية يؤخذ منه ويلقى في الأرض، فالبذر يكون أفضل الحبوب وأخلصها.
13- التهذيب ـ هنا ـ: التنقية.
14- التمحيص: الاختبار.
15- الكرامة ـ هنا ـ: النصيحة، أي اقبلوا نصيحة لا ابتغي عليها أجراً إلا قبولها.
16- القارعة: داعية الموت أو القيامة تأتي بغتةً.
17- المُتَحَوّل ـ بفتح الواومشددة ـ: ما يُتَحَوّل إليه.
18- معارف المنتقَل: المواضع التي يعرف الانتقال إليها.
19- الحَوْبة ـ بفتح الحاء ـ: الإثم. وإماطتها: تنحيتها.



الفهرسة