توجيهات للمبلغين والخطباء (آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (مد ظله))
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » توجيهات للمبلغين والخطباء (آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (مد ظله))

 البحث  الرقم: 615  التاريخ: 17 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 6345
قائمة المحتويات

توجيهات للمبلغين والخطباء والعلماء بمناسبة حلول شهر محرم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد فنحن نستقبل هذه الأيام موسماً من مواسم الإسلام والإيمان يفيض بالعطاء والبركات والعبر والعظات، ويتجدد فيه العهد والميثاق والبيعة والولاء للحق المهتضم ورموزه الشامخة في مجال العقيدة والعمل، حيث تطل علينا ذكرى واقعة الطف الفجيعة بأبعادها المختلفة، إذ تتجلى فيها العبودية لله تعالى، والفناء فيه، والإخلاص له، والتسليم لأمره، والثبات على الكلمة والإصرار على المواقف، ونبل المقاصد ووضوحها، وسلامة الطريق والوسائل، بعيداً عن اللف والدوران والمخاتلة، والتحلي بمعالي الأخلاق، ووضوح الرؤية وقوة البصيرة والوثوق بالنتائج وبحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، ثم التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله تعالى حتى النفس الأخير.
كل ذلك يتجلى بمفرداته في كلمات ومواقف خالدة من صاحب النهضة السبط الشهيد صلوات الله عليه ومن حفّ به وسار في ركبه، بقيت تفيض بالحياة وتضيء للأجيال في ظلمات الفتن وأعاصير الزلازل والمحن.
فهو صلوات الله عليه يخطب في مكة حين أراد الخروج إلى العراق، ويقول: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين.. لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى).
ويقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: (وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ علي هذا أصبر، حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين).
وكتب إليه من مكة: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم. أما بعد فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام).
ولما نزل قرى الطف خطب أصحابه فقال في خطبته: (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما).
وخطب عليه السلام أصحابه وأهل بيته ليلة عاشوراء وأذن لهم بالانصراف، وقال في جملة ما قال: (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري)، فأبوا ذلك أشد الاباء.
ولما أصبح خطبهم فقال في جملة ما قال: (إن الله تعالى أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال).
وجرت الواقعة بمآسيها وفضاعتها، وقتل سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وبقيت أجسادهم على الأرض مقطعة الرؤوس موزعة الأشلاء، في وحشية وهمجية لم تزل ولا تزال سمة لخط الباطل والضلال، وجاء دور من بقي من أهل بيته، فحينما أرادوا حملهم إلى الكوفة قصدت أخته زينب الكبرى عليها السلام جسده الشريف ووضعت يديها تحته ورفعته نحو السماء، وقالت: (الهي تقبل منا هذا القربان).
وحينما مروا بهم على القتلى تبينت (عليها السلام) الكرب والضيق في وجه الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فأخذت تسليه في حديث طويل قالت في جملته: (فوالله إن هذا العهد من الله إلى جدك وأبيك. ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يمحى رسمه، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا علواً).
ولما قال لها ابن زياد في قصر الامارة بالكوفة: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت: (ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة).
وقالت ليزيد حينما خطبت في مجلسه بالشام: (فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين).
وحينما دخل الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالعيال للمدينة جاءه ابراهيم بن طلحة، وقال: من الغالب؟ فقال (عليه السلام): (إذا دخل وقت الصلاة فأذّنْ وأقِمْ تعرف الغالب).
وقد أطلنا في نقل هذه النصوص والمواقف ـ التي هي نماذج من نصوص ومواقف كثيرة ـ للتذكير بمعالم هذه النهضة المقدسة وأهدافها.
وقد شاء الله تعالى لها الخلود، لتبقى صرخة في ضمير الأمة تنبهها من غفلتها وتوقظها من رقدتها وترفع معنوياتها وتعيد لها الثقة بنفسها، وتجدد لها دينها وتذكرها بمثلها وأهدافها النبيلة وأخلاقياتها الفاضلة وصدق الله عز وجل حين يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (1)
ومن المعلوم أنها لا تبقى إلا أن تكون هناك بيئة صالحة تحتضنها وفئة مؤمنة تحملها وتحييها. وبالفعل قد خلق الله سبحانه وتعالى لأهل البيت صلوات الله عليهم شيعة خلقوا من فاضل طينتهم وعجنوا بماء ولايتهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، استجابوا لدعوتهم وحملوها، وتفاعلوا بها ورعوها ودعوا إليها بالمنطق السليم وصارعوا فيها دعوات الباطل المتعاقبة جيلاً بعد جيل، بإصرار وتضحية على طول المدة وشدة المحنة، وكان لكل من المعسكرين سماته المميزة له، في الأفكار والسلوك، إذ كل جنس لجنسه ألِف، وكل إناء بالذي فيه ينضح، وكان الخلود والظهور والنجاح والفلاح للحق وأهله، والخيبة والخسران والانحسار والانهزام لدعوات الباطل المتعاقبة، (كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).
يجب أخذ العظات والعبر من ذكرى الطف ولنا في تجربتنا الحاضرة خير مثال على ذلك، حيث كان الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) والتضحية في سبيلهم والتعقل والأخلاق والتصميم والإصرار والاندفاع على أشدها في الصراع المرير الذي نعيشه هذه الأيام مع النصب لأهل البيت والجريمة والهوس والتوحش والضحالة، حتى طال العدوان النساء والأطفال وبلغ الحال ببعض المؤمنين أن دفع حياته الغالية ثمناً لا لشيء إلا لامتناعه عن سبّ الإمامين علي والحسين صلوات الله عليهما.
وعلينا أن نأخذ من هذه الذكرى المجيدة العظات والعبر التي تعيننا في مسيرتنا الطويلة الشاقة. وهنا يأتي دور الخطباء والمبلغين وفقهم الله تعالى ليتحملوا عبء ذلك، وينهضوا بأداء وظيفتهم فيه.
أولاً: بأن يحاولوا عرض الحادثة بأبعادها العاطفية الشجية، والمبدئية المليئة بالعظات والعبر، ويتواصلوا مع التراث الثقافي الرفيع الذي يتعلق بها، فيكثروا من الاستشهاد بكلمات الحسين صلوات الله عليه ومن سار في ركبه ولزم نهجه ومواقفهم التي تجلي دوافع النهضة المباركة ومبادئها التي قامت عليها، مع ما صدر من الطرف الآخر من تصريحات ومواقف تعكس واقعهم وأهدافهم الشريرة.
أهمية ولاية أهل البيت (ع) والإئتمام بهم
وثانياً: بأن يلفتوا نظر المؤمنين وفقهم الله تعالى إلى أهمية ولاية أهل البيت صلوات الله عليهم والائتمام بهم، وأثرها في رفع معنوياتهم وارتفاع مستواهم النفسي والأخلاقي والثقافي ويتجلى ذلك بالمقارنة مع الأخرين، يقول ابن أبي الحديد بعد أن أفاض في أخلاق أمير المؤمنين عليه السلام الفاضلة: (وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأولياءه إلى الآن، كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك) وإلى هذا يرجع قوله عليه السلام في زيارة الجامعة: (وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا).
و (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
الخضوع لحكم الله تعالى والوقوف عند حدوده
وثالثاً: بأن يحثوا المؤمنين على شكر الله تعالى على نعمه المتواصلة عليهم في الدين والدنيا، وذلك بالإستجابة له، والخضوع لحكمه والوقوف عند حدوده، والتزام طاعته في أداء الفرائض واجتناب المحرمات وصدق الحديث وأداء الأمانة، والتخلق بأخلاق الإسلام الفاضلة
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا عسى الله تعالى أن يمدهم بتأييده ونصره وهو القائل: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
الحث على توحيد الصفوف وجمع الكلمة
ورابعاً: بأن ينبهوا المؤمنين إلى صراعهم المرير مع الباطل وتكالب الأعداء عليهم، وكثرة المخاطر المحيطة بهم، ويحثوهم على توحيد الصفوف وجمع الكلمة، وعدم المساومة على المبادئ والمصالح العامة، وعدم وضع الثقة في جميع المجالات إلا فيمن يستحقها من ذوي الكفاءة والأمانة. والحذر كل الحذر من الطامعين والمفسدين ومثيري الفتن والمشاغبين. فالطريق طويل والصراع مرير. كل ذلك مع التوكل على الله تعالى وحسن الظن به واللجوء إليه في الأمور، وطلب العون والتسديد منه. فكل شيء بيده، وإليه يرجع الأمر كله، وهو خير الناصرين.
ونسأله سبحانه وتعالى أن يمدّكم بالتأييد والتسديد ويكلل أعمالكم بالنجاح والفلاح، إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
25/ ذي الحجة/ 1425

الروابط
المقالات: المنبر ودوره في نشر الرسالة الحسينية،
رسالة إلى المؤمنين بمناسبة حلول شهر محرم الحرام (آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (مد ظله))،
كلمة توجيهية بمناسبة عاشوراء الحسين (عليه السلام) (آية الله العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي (قدس سره))
القاموس: قصر الإمارة (دار الإمارة)
مواقع الإنترنيت: حوزة الهدى للدراسات الإسلامية
مفاتيح البحث: زينب بنت علي عليهما السلام،
دور المنبر،
محرم،
ما رأيت إلا جميلا،
الثورة الحسينية،
إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة