الخطبة ١٩١: يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١٩١: يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى

 البحث  الرقم: 192  المشاهدات: 7135
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي (1) فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ (2). أحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ (3)، وَآلاَئِهِ الْعِظَامِ.
الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا، وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى، وَعَلِمَ مَا يَمْضِي وَمَا مَضَى، مُبْتَدِعِ الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ، وَمُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ (4)، بِلاَ اقْتِدَاءٍ وَلاَ تَعْلِيمٍ، وَلاَ احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ، وَلاَ إِصابَةِ خَطَأٍ، وَلاَ حَضْرَةِ مَلْأٍ.

الرسول الاعظم


وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ ضَرَبَ في الماء: سبح، وضرب في الأرض: سار بسرعة وأبعد. والغَمْرة: الماء الكثير والشدّة ومايغمر العقل من الجهل، والمراد ـ هنا ـ: شدّة الفتن وبلاياها.">(5)، وَيَمُوجُونُ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ (6) الْحَيْنِ الهلاك
.">(7)، وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ الضلال.">(8).
الوصية بالزهد والتقوى أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا حَقُّ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ: فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ، وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ، وَسَالِكُهَا رَابحٌ، وَمُسْتَوْدَعُهَا (9) حَافِظٌ.
لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَالْغَابِرينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً، إِذَا أَعَادَ اللهُ مَا أَبْدَى، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى (10). فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا، وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا! أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ فَأَهْطِعُوا (11) بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا، وأَلِظُّوا (12) بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا، وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً.
أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ، واقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ، وَارْحَضُوا كمنع ـ: غسل.">(13) بِهَا ذُنُوبَكُمْ، وَدَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا، وَلاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا. أَلاَ وصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا (14) بِهَا، وَكُونُوعَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً (15)، وَإِلَى الْآخِرَةِ وُلاَّهاً (16). وَلاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلاَ تَشِيمُوا (17) بَارِقَهَا (18)، وَلاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا، وَلاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا، وَلاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا، وَلاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا (19)، فَإِنَّ بَرْقهَا خَالِبٌ (20)، وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبةٌ (21)، وَأَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ.
أَلاَ وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ (22) الْعَنُونُ (23)، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ (24)، وَالْمَائِنَةُ الْخَؤُون (25)، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ (26)، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ (27)، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ (28). حَالُهَا انْتِقَالٌ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ، دَارُ حَرَبٍ الهلاك.">(29) وَسَلَبٍ، وَنَهْبٍ وَعَطَبٍ، أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَسِيَاقٍ للموت على وجوههم.">(30)، وَلَحَاقٍ وَفِرَاقٍ (31). قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا (32)، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا (33)، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا، فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ، وَأَعْيَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ (34): فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ (35)، وَلَحْمٍ مَجْزُورٍ (36)، وَشِلْو (37) مَذْبُوحٍ، وَدَمٍ مَسْفُوحٍ (38)، وَعَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ، وَصَافِقٍ لِكَفَّيْهِ، وَمُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ (39)، وَزَارٍ عَلَى رَأْيِهِ (40)، وَرَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ، وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ (41)، (وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ) (42). هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ، وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ، ومَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا (43)، ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾(44).

الهوامش

1- الفاشي: المنتشر الذائع.
2- الجَدّ ـ بالفتح ـ: العظمة.
3- تُؤَام ـ جمع تَوْأم كجعفر ـ: وهو المولود مع غيره في بطن، وهو مجاز عن الكثير أو المتواصل. والآلاء: النِعمَ.
4- الحُكْم هنا: بمعنى «الحِكْمة».
5- ضَرَبَ في الماء: سبح، وضرب في الأرض: سار بسرعة وأبعد. والغَمْرة: الماء الكثير والشدّة ومايغمر العقل من الجهل، والمراد ـ هنا ـ: شدّة الفتن وبلاياها.
6- الأزِمّة: جمع زِمام، ما تقاد به الدّابّة.
7- الحَيْن ـ بفتح الحاء ـ: الهلاك.
8- الرَّيْن ـ بفتح الراء ـ: التغطية والحجاب، وهو هنا حجاب الضلال.
9- مُسْتَوْدَع التقوى: هوالذي تكون التقوى وديعة عنده وهو الله.
10- أسدَى: منح وأعطى وأرسل معروفه.
11- الإهْطاع: الإسراع، أهْطَعَ البعيرُ: مدّ عنقه وصوّب رأسه.
12- المواكظة: الملازمة.
13- رَحَضَ ـ كمنع ـ: غسل.
14- تَصَوّنوا: تَحَفّظُوا.
15- النُزّاه ـ جمع نَازِه ـ: العفيف النفس.
16- الوِلاهُ ـ جمع واله ـ: الحزين على الشيء حتى يناله، أي المشتاق.
17- شامَ البرقَ: نظر إليه أين يمطر.
18- البارق: السحاب.
19- الأعلاق ـ جمع عِلْق ـ: بكسر العين بمعنى النفيس.
20- خالب: خادع.
21- المحروبة: المنهوبة.
22- المتصدّية: المرأة تتعرض للرجال تُميلهم اليها، ومن الدوابّ ما تمشي معترضة خابطة.
23- العَنُون ـ بفتح فضم ـ: مبالغة من عنّ إذا ظهر، ومن الدواب المتقدمة في السير.
24- الجامحة: الصعبة على راكبها. والحَرُون: التي إذا طلب بها السير وقفت.
25- المائنة: الكاذبة. والخَأُون: مبالغة في الخائنة.
26- الكَنُود ـ من كَنَدَ كنصر ـ: كفر النعمة. وجحد الحق: أنكره وهو به عالم.
27- العَنُود: شديدة العناد. والصَدُود: كثيرة الصد والهجر.
28- الحَيُود: مبالغة في الحيد: بمعنى الميل. والمَيُود: من ماد إذا اضطرب.
29- الحَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال، والعَطَب: الهلاك.
30- «على ساقٍ وسِياق»، أي: قائمون على ساق استعداداً لما ينتظرون من آجالهم، والسِّياق مصدر ساق فلاناً إذا أصاب ساقه، أي لايلبثون أن يضربوا على سُوقهم فينكبّوا للموت على وجوههم.
31- اللَّحاق للماضين، والفِرَاق عن الباقين.
32- تحير المذاهب: حيرة الناس فيها.
33- «المَهَارب» ـ حمع مَهْرب ـ: مكان الهروب، والمراد بقوله: «أعْجَزَت مهاربها»، أنها ليست كما يرونها مهارب بل هي مهالك، فقد أعْجَزَتهم عن الهروب.
34- المَحَاول ـ جمع محالَة ـ بمعنى الحذق وجَوْدة النظر، أي لم يُفِدْهم ذلك خلاصاً.
35- مَعْقور: مجروح.
36- المَجْزُور: المسلوخ أُخِذ عنه جلده.
37- الشِلْوـ بالكسر هنا ـ: البدن كله.
38- المَسْفوح: المسفوك.
39- المُرْتَفق بخدّيه: واضع خَدّيْه على مرفقَيْه ومرفقيه على ركبتَيْه منصوبتين وهو جالس على ألْيتيه.
40- الزاري على رأية: المُقَبِّح له اللائم لنفسه عليه.
41- الغِيلة: الشر الذي أضمرته الدنيا في خداعها.
42- (لاتَ حينَ مناصٍ): أي ليس الوقت وقتَ التملص والفرار.
43- البال: القلب والخاطر، والمراد ذهبت الدنيا على ما تهواه لا على ما يريد أهلها
44- مُنْظَرين: مؤخّرِين، من أنْظَره إذا أخّرَه وأمهله.



الفهرسة